الثلاثاء - 19 مايو 2020 - الساعة 01:04 ص
مختبر معهد جاكسون في أمريكا -عمره 91 سنة- عادة يكون مشغولاً بتزويد فئران التجارب لكل الأبحاث الطبية الحيوية في كل أنحاء العالم.
إنهم يعدلون الفئران چينيا، لتناسب أغراض البحث لفهم المرض أو لإيجاد طريقة لمكافحته أو اكتشاف علاج.
قد- صنعوا أو عملوا أو خلقوا- 11.000 فصيلة من الفئران، وكل فصيلة مخصصة ليتم إجراء تجارب عليها لدراسة مرض معين من أعداد مهولة من الأمراض. سواء أمراض شائعة مثل السكري أو السرطان أو أمراض نادرة بالآلاف.
العلماء الذين يدرسون الشيخوخة، يشترون فئراناً مسنة من مختبر چاكسون، والذين يدرسون مرض الترنح وفقدان التوازن يشترون فئرانا قد عدلوها چينيا لتصبح بنفس المرض الذي به َتلَفْ في قنوات التوازن داخل الأذن الوسطى فيجعل الفئران تدور في حلقات حول نفسها.
ثم جاء ڤيروس كورونا، وقلب اهتمامات علماء المعهد المعتادة وحولها نحو عمل فصيلة فئران تجارب مناسبة لمساعدة العلماء على فهم: كيف يتقدم مرض كوڤيد19 داخل الإنسان، اختبار جدوى الأدوية الموجودة الآن، اكتشاف أهداف صالحة للضرب داخل الڤيروس، وتصنيع اللقاحات.
علماء العالم كلهم، يريدون هذه الفئران والطلب عليها وصل إلى أرقام مهولة.
الكثير من مختبرات المعاهد العلمية، التي تناسل هذه الفئران وتربيها وتحافظ عليها كجواهر ثمينة، قد اضطرها القفل العام للاقتصاد وأماكن العمل إلى إعطاء علمائها إجازة وإقفال المختبرات وإلى قتل أعداد كبيرة من فصائل الفئران كانوا قد تعبوا عشرات السنين في تعديلها چينيا.
معهد چاكسون- محظوظ- فهو معزول في جزيرة أمام شاطئ ماين
Mount Desert Island - off Maine coast
فاستطاعوا أن يستمروا بالعمل لأنهم معزولون والجزيرة كبيرة وسكانها قليلون ومتباعدون طبيعيا وعلى هذا فهم بمأمن من وصول ڤيروس كورونا.
هناك مشكلة!
الفئران، لا تصاب بڤيروس كورونا لأنه لا يوجد بداخلها مستقبلات ACE2 الموجودة في الإنسان، التي لها علاقة بانقباض الأوعية الدموية ومستوى السوائل وملح الصوديوم في الدم.
ڤيروس كورونا، يحتاج لمستقبلات ACE2، فهي لازمة لتركب عليها زوائد هذا الڤيروس في الرئة وتتسبب بإغراق حويصلات الهواء بسوائل الالتهاب فيختنق المريض وتتسارع أنفاسه ويموت.
في 2007، كان في واحد عالم اسمه ستانلي بيرلمان Stanley Perlman، منشغل جدا بوباء سارس - كوڤيد19 الذي تسبب ڤيروس من عائلة كورونا، وهو حل هذه المشكلة بإنتاج فصيلة من الفئران معدلة چينيا، بأن زودها بچينات تصنع مستقبلات ACE2 بداخلها، لتقوم بدورها باستقبال ڤيروس سارس-كوڤيد19 وتوصيله لرئة الفئران، وبالتالي يصبح معه طريقة لدراسة تطور المرض وفهم آلية عدوانيته على الإنسان ومحاولة إيجاد دواء للعلاج أو لقاح للوقاية.
انتهى وباء سارس-كوڤيد19 الذي هاجم الإنسان في كل أنحاء العالم في 2007 ، ولم تعد هناك حاجة لهذه الفئران ولا حاجة للاستمرار بتناسلها وتربيتها والمحافظة عليها.
الدكتور العلامة، ستانلي بيرلمان، أخذ الحيوانات المنوية لذكور هذه الفئران ووضعها في أنابيب وثلاجات تبريد بنفس التقنيات الفنية المستعملة في التخصيب خارج الرحم المشهورة باسم أطفال الأنابيب.
والآن، سننتقل إلى العالمة كات لوتز Cat Lutz في أبحاث الأعصاب- في معهد چاكسون- التي تبحث وتكشف عن كيفية فهم وعلاج بعض الأمراض العصبية التي تصيب الإنسان على فئران معدلة چينيا.
في شهر يناير، وبعد ما تواصل معها زميل لها عالم صيني في فرع لمعهد چاكسون في مدينة ووهان وسألها عما يمكنها أن تفعله لمساعدتهم، جلست مع زملاءها تبحث في الأمر بقية اليوم.
ثاني يوم، اتصلت العالمة كات لوتز هاتفيا بالعالم ستانلي لوتز، وسألته:
"ممكن لو سمحت شوية حيوانات منوية للفئران اللي عندك بالثلاجة واللي بداخلها مستقبلات ACE2 التي تسمح لڤيروس سارس-كوڤيد19 بالوصول للرئة".
"سارس-كوڤيد19 وسارس-كوڤيد19، كلهم من ڤيروسات كورونا، ويمكننا استعمال هذه الفئران المعدلة چينيا لدراسة المرض والعلاج واللقاح"
على طول!
أرسل العالم ستانلي بالحيوانات المنوية المجمدة المجلدة المثلجة للعالمة كات.
العالمة كات، وزملاؤها، حقنوا إناث فئرانية بهرمونات الإخصاب الأنثوية، لتقوم مبايضها بإنتاج أعداد فوق اللازم من البويضات.
في نفس هذا المعهد چاكسون جمعوا كل بويضة أنثوية اللي جهزتها "كات" من فئرانها الآن مع حيوان منوي ذكوري من اللي أرسلهم "ستانلي" من شغله مع فئران سنة 2007، وخصبوهن في أنابيب.
أنتج معهد چاكسون، الألوف المؤلفة من الفئران التي بها مستقبلات ACE2.
وبعدين، نقلوا هذه البويضات المخصبة إلى أرحام أو مَحبلات إناث فئران تم تجهيزها بهرمونات الحمل لتمتلئ بالدم وتوفر المكان المناسب والظروف المثالية لنمو الفأر المرتقب المعدل چينيا ليكتسب مستقبلات ACE2 وبالتالي يصبح فريسة كوڤيد19 مثله مثل الإنسان.
250 طلبا لهذه الفئران، وصل من كل أنحاء العالم.
كل طلب واحد، سيكون لآلاف مؤلفة من هذه الفئران.
يعني الطلبات لملايين من الفئران.
كليات الطب المرموقة، معاهد الأبحاث الڤيروسية، أقسام الباثولوجيا وعلم دراسة الأمراض، شركات الأدوية، شركات إنتاج اللقاحات، هذه كلها وغيرهم كثيرون يريدون هذه الفصيلة من الفئران ذات مستقبلات ACE2 التي تجاب ڤيروس كورونا إلى الرئة.
شركات الأدوية، ستصيب الفئران كوڤيد19 وتجرب عليها الأدوية المضادة للڤيروسات والآثار الجانبية.
مختبرات اللقاحات، ستحصن فئران باللقاح ثم تعرضها للڤيروس مع فئران أخرى غير محصنة وتدرس الفرق بين من تلقى اللقاح وبين من لم يتحصن.
وستدرس الآثار الجانبية وأضرار اللقاحات.
وستدرس كم ستستمر المناعة عند الفئران الملقحة.
آلاف مؤلفة من الدراسات والأبحاث وأدمغة وأمخاخ العلماء والفرق العلمية والمعاهد والمختبرات ومئات الألوف من ساعات العمل وعشرات مليارات الدولارات.
وبعدها سيتم التعامل مع ڤيروس كورونا والقضاء على الوباء.
عبد القادر الجنيد
18 مايو 2020
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك