الأحد - 31 مايو 2020 - الساعة 08:55 م بتوقيت اليمن ،،،
عدن/ مدى برس/ خاص:
منذ اللحظات الأولى لتوقيع اتفاق الرياض والذي تم توقيعه في 5 نوفمبر 2019 برعاية سعودية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، يعمل حزب الإصلاح جاهداً على تعطيل تنفيذ الاتفاق الذي يرى فيه أنه سيحد من سيطرته المطلقة على الشرعية وقرارها السياسي والعسكري.
وقد اتخذ حزب الإصلاح عدداً من الخطوات والمواقف السياسية والإعلامية الهادفة لتعطيل الاتفاق وتحويله إلى مجرد حبر على ورق، وصولاً إلى اتخاذ خطوات عسكرية لتعطيل وعرقلة تنفيذ الاتفاق الذي يرى أنه حجر عثرة في طريق استكمال سيطرته على الشرعية ومؤسساتها، وإقصاء الأطراف الأخرى وفي مقدمتها الانتقالي الجنوبي الذي يعده حزب الإصلاح -الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- من أبرز خصومه.
فمع الخطوات الأولى لتوقيع الاتفاق بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي بدأت قيادات عليا داخل الشرعية موالية لحزب الإصلاح بمهاجمة الاتفاق والتشكيك به والتنصل من الالتزام به، وفي مقدمة هذه القيادات وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير النقل -الذي تمت إقالته لاحقاً- صالح الجبواني، بالإضافة إلى مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس النواب عبدالعزيز جباري.
وزير النقل الموالي لحزب الإصلاح صالح الجبواني، قال في تصريحات صحفية لقناة الجزيرة القطرية، إن ”الإمارات صنعت اتفاق الرياض لتربح ما خسرته في الحرب اليمنية، مشيراً إلى أن الاتفاق يراوح مكانه، وأن الهدف منه ضرب الشرعية في الصميم، وأن اتفاق الرياض ضرب الشرعية في الصميم، وأفرغها من عناصر قوتها الذاتية، ومنح المجلس الانتقالي الاعتراف الرسمي”.
وزير الداخلية الموالي للإصلاح أحمد الميسري هو الآخر اتهم دولة الإمارات بدعم وتخطيط وتمويل ما أسماه بالانقلاب، على حد قوله، مشيراً إلى أن اتفاق الرياض جاء لإنقاذ ما تبقى من هذا المشروع الانقلابي، مؤكداً رفضه للتواجد العسكري السعودي على أرض المهرة وإحلالها في المواقع السيادية بدلاً عن الكادر اليمني، ومنتقداً ما وصفها بالسلوكيات والمؤشرات السلبية للسعودية في محافظة المهرة، داعياً إلى ضرورة تصحيحها والوقوف أمامها.
هذه التصريحات والمواقف التي جاءت من داخل الشرعية ومن قيادات عليا فيها هدفت للتشكيك بموقف الحكومة من الاتفاق الذي وقعت عليه رسمياً، ولخلط الأوراق السياسية في طريق تنفيذ الاتفاق وعرقلته، غير أنها بالمقابل أكدت حقيقة سيطرة حزب الإصلاح شبه الكاملة على الشرعية، وعمل القيادات الإخوانية داخل الشرعية على تنفيذ أجندة سياسية لدول خارجية مناوئة لدور التحالف العربي في اليمن، وتحديداً أجندة قطر وتركيا.
هذه التصريحات أتبعتها القيادات الإخوانية داخل الحكومة الشرعية بمواقف تؤكد صراحة على أن هذه القيادات هي مجندة للمخابرات الخارجية لتنفيذ أجندة خاصة بدول خارجية، وقد وصل الأمر إلى قيام وزير النقل الإخواني صالح الجبواني بزيارة إلى تركيا وتوقيع اتفاقيات يتم بموجبها تسليم الموانئ اليمنية إلى الجانب التركي لإدارتها، وتم ذلك بدون علم وموافقة الحكومة اليمنية، ما استدعى من رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك اتخاذ قرار يقضي بإقالة الجبواني من منصبه.
ومع محاولات حزب الإصلاح عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض عبر خطوات سياسية وإعلامية معلنة ومتخذة من قبل قيادات إخوانية في الشرعية، لجأ حزب الإصلاح إلى التصعيد بهدف عرقلة تنفيذ الاتفاق من خلال اتخاذ بعض الخيارات العسكرية والتي تمثلت بالتحشيد العسكري إلى أبين وشبوة وتعز بهدف اجتياح المحافظات الجنوبية.
كما قام حزب الإصلاح، الذي يسيطر على المؤسسة العسكرية، بتنفيذ مناورة عسكرية منتصف مارس الماضي، شاركت فيها مختلف التشكيلات العسكرية المنتشرة في مدينة شقرة الساحلية.
بالتزامن مع المناورات العسكرية في شقرة كان قائد محور عدن-أبين قائد اللواء 39 مدرع العميد ركن عبدالله الصبيحي الموالي لحزب الإصلاح يطلق تهديداته باجتياح عدن، حيث قال بأن "جاهزية قوات الجيش في أبين مكتملة وأنها "في انتظار أوامر الرئيس هادي وقيادة التحالف العربي لتنفيذ المهام الموكلة إليهم"، على حد قوله.
المملكة العربية السعودية، راعية الاتفاق، كان لها موقفها المعلن من هذا التصعيد من خلال تصريحات سفيرها في اليمن محمد سعيد آل جابر الذي أكد أنه “ليس من المقبول أن تكون هناك قوات تابعة للشرعية تجري مناورات عسكرية في شقره ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر في ظل اتفاق الرياض الهادف لعودة الحكومة إلى عدن وتوحيد الصف وتحقيق الأمن والتنمية، بينما تتعرض مارب والجوف والضالع لهجوم مستمر من الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران”.
في الطرف الآخر كان المجلس الانتقالي الجنوبي أكثر تمسكاً بالاتفاق الذي يرى أنه يمثل خطوة مهمة في إصلاح منظومة الشرعية اليمنية، وتوحيد جهود جميع القوى المنضوية تحت إطار الشرعية في سبيل تحقيق الهدف الأبرز المتمثل بمواجهة الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة وتفعيل مؤسساتها.
كما أن الاتفاق يمثل، من وجهة نظر الانتقالي الجنوبي، بوابة لحل عام وشامل للقضية الجنوبية، حيث إنه سيجسد الشراكة الحقيقية بين الشمال والجنوب، وهي الشراكة بالمفهوم الحقيقي والمتفق عليه والمتمثلة بالشراكة في صناعة القرار، وليس الشراكة التي يفهمها حزب الإصلاح والمتمثلة بالتحاصص والتقاسم وفقاً لمبدأ حصة الحزب الأكبر وحصة الحزب الأصغر.
فالاتفاق يؤكد أولاً على إصلاح منظومة الشرعية اليمنية وانخراطه فيها من خلال الترتيبات السياسية التي تضمنها الاتفاق والذي ينص على تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً يعين الرئيس أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.
كما يرى الانتقالي الجنوبي أن اتفاق الرياض سيمثل نصراً لاستعادة اليمنيين لدولتهم ولمواردهم التي يسيطر الانقلابيون الحوثيون على جزء منها، بينما تستحوذ ميليشيا الإخوان على ما تبقى من هذه الثروات والموارد، حيث إن المحافظات الواقعة تحت سيطرة الإخوان المسلمين وفي مقدمتها مارب لا تزال ترفض توريد الإيرادات المالية إلى البنك المركزي في عدن.
وفي هذا الصدد كان تأكيد اتفاق الرياض على إدارة موارد الدولة، بما يضمن جمع وإيداع جميع إيرادات الدولة بما فيها الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية في البنك المركزي في عدن، والصرف بموجب الميزانية المعتمدة وفق القانون اليمني، وتقديم تقرير دوري يتسم بالشفافية عن إيراداتها ومصروفاتها للبرلمان للتقييم والمراقبة، وأن يساهم خبراء ومختصون إقليميون ودوليون لتقديم المشورة اللازمة في هذا الشأن.
على أن الترتيبات العسكرية والأمنية التي تضمنها اتفاق الرياض هي، من وجهة نظر الانتقالي الجنوبي، الضامن الأكبر لاستعادة وطنية الجيش والذي يريد حزب الإصلاح تحويله إلى ميليشيا تابعة له وتدار من مارب وتتلقى توجيهاتها من القائد العسكري لجماعة الإخوان في اليمن الإرهابي علي محسن الأحمر، وهذا بحد ذاته يعد أبرز مخاطر الاتفاق من وجهة نظر حزب الإصلاح والذي يعمل جاهداً على عرقلة تنفيذه ودفنه في مهده منذ اللحظات الأولى لتوقيعه.