ملفات وتقارير

الخميس - 27 أغسطس 2020 - الساعة 09:45 ص بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ استطلاع| عبداللطيف سالمين:


لطالما كان الإضراب حقاً من حقوق الموظفين في الدولة، لكن كغيره من الحقوق تم تحويره وتشويه ملامحه. وفي الأيام الأخيرة أثير الجدل بعد قرار نقابة المعلمين الجنوبيين باستمرار إضراب المعلمين عن أداء مهامهم في التعليم في عدن للعام الثاني للمطالبة بحقوقهم وزيادة رواتبهم، في وقت أعلنت المدارس الخاصة فتح أبوابها، وهو ما تسبب بسخط واسع في الشارع العدني.

عمل النشطاء على إثر هذه القضية على شن حملة واسعة النطاق في مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنوا من خلالها عن التطوع المجاني لتعليم الطلاب في المدارس الحكومية كمبادرة تأتي تجاوباً مع شكاوى أولياء أمور الطلاب الذين عبروا عن خوفهم من مصير أولادهم المحرومين من التعليم لأكثر من عام، في ظل صمت الحكومة عن مطالب المعلمين.

عدد من النشطاء والشباب أبدوا استعدادهم للعمل وفق دوام كامل لتدريس الطلبة الذين لا يمتلك غالبيتهم رفاهية الدراسة في المدارس الخاصة.

ولكن كعادة الشارع العدني، اختلف الكثير ما بين مؤيد ومعارض، ووصل الأمر بالبعض لاتهام النشطاء بالوقوف ضد حقوق المعلمين المدنية، واعتبار الحملة تمييعاً لحقهم عوضاً عن أن يقف الجميع في صفهم، وعبرت شريحة كبيرة من المعلمين عن سخطهم لتجاهل الحكومة مطالبهم البسيطة والمستمرة لأكثر من عام.

نطالب بإعادة النظر في رواتب المعلمين

تحدث أحد المعلمين العدانية ويدعى سالم محمد، عن أحقيتهم في الإضراب قائلا: "هذا حق من حقوقنا، وسنستمر فيه إلى أن يتم النظر لمطالبنا وتخفيف معاناتنا نحن المدرسين الذين خدمنا كثيراً دون تأفف، ولكن الأوضاع لم تعد مثلما كانت."

وأضاف: "لأعوام كثيرة وبالرغم من معاناتنا استمررنا في التدريس، ولكن ما نعيشه اليوم كارثة لا نستطيع السكوت عنها. لم يعد راتبنا يكفي ليسد حاجة أيام قليلة من الشهر أمام هذا الارتفاع الجنوني للأسعار. كيف بالإمكان أن يوصل المدرس رسالته التربوية في ظل هذه الظروف الخانقة وأمام اللا مبالاة من الحكومة للنظر في أمسّ احتياجاتنا والتي هي حقوقنا".

وقال محمد، متابعاً حديثه ل(مدى برس): "سنستمر في الإضراب مهما حدث، كون رسالتنا واضحة، ولن نتنازل عن حقوقنا في إعادة النظر في رواتب المعلمين وكل الموظفين في وزارة التربية والتعليم."

وفي السياق، "زهراء علي" طالبة السنة الأخيرة من علم الاجتماع في جامعة عدن -والتي لها تجارب سابقة في التطبيق في الخدمة الاجتماعية بمدارس عدن- قالت:
"نجحت القوى السياسية المعادية لحقوق الإنسان في إقناع المواطن هنا في أن حرمان المعلم من حقوقه المكفولة من راتب ومميزات في مناطق سيطرة الحوثي واستمرار التعليم بصميل السلاح فعل عظيم يستحق الإشادة ومقارنته واستحقار الإنسان الذي يطالب بحقوقه المكفولة وفق الدستور والقانون".

وأضافت: "موَّال أن البلاد تعاني من حرب ويجب أن يستشعر الموظف الحكومي ويتنازل عن حقه مخزٍ جداً، لأنه يجب أن تعلن الحكومة خطة تقشف تبدأ من تقليل الوزارات غير الضرورية وملحقات السفارات التي تعدت الحد المقبول وعدد المستشارين والمرافقين الأمنيين، والأهم من ذلك تقديم كافة الحلول والتنازلات لمصلحة إيقاف الحرب.
على الدولة إعلان التقشف، لا المواطن."

وتابعت زهراء: حقوق المعلم مكفولة وفق كل القوانين والتشريعات، ولا يرفض هذا سوى جاهل لا يحترم المعلم ودوره في المجتمع.

وجميعاً نعلم أن الأضراب الأخير قد يكون تصرفاً خاطئاً رغم أن الإضراب الاحتجاجي حق مكفول حين يستشعر الموظف بانتهاك حقوقه الضرورية والإنسانية.

ونعلم كذلك أن القدرة الشرائية أصبحت فوق قدرة جميع أصحاب الرواتب الحكومية، وبقاء الراتب بنفس القدر من الحضيض يضر أسرة المعلم بشكل كامل، ليس علينا اتهام المعلم بالتقصير والفساد وتقديم مبادرات استعراضية من قبل بعض الأفراد وتناسي مشكلة العملة والاقتصاد وعدم تحريك هذا الملف من قبل صناع القرار.

لمن بادر لتعليم الأطفال تشكر تلقائيته غير المدروسة، لكن لن يصمدوا أكثر من سنة على أعلى تقدير من العمل المجاني لفترة قد تصل إلى 12 ساعة في اليوم بين الشرح في المدرسة والتحضير والتصحيح في المنزل، فالأجدى هو مناصرة قضية المعلم والضغط القوي على وزارة التربية والتعليم تبني خطة إصلاحية لوضع المعلم خلال النصف الأول من العام الدراسي، بينما يعود المعلم للتعليم في المدارس في انتظار الإصلاحات، وفي حالة تقاعست الوزارة في حل هذه الإشكالية فلا تلوموا المواطن المسحوق براتب معلم ويحق له الاحتجاج ويجب علينا الوقف معه حباً واكراماً لمن علمنا ذات يوم والاعتراف بأحقيته الكاملة في الحصول على راتب كريم يستطيع من خلاله مواجهة الغلاء الفاحش الذي يدفع الطبقة المتوسطة بكل قوة لدخول خط الفقر."

الأهالي بين مقصلتين

يقف أولياء الأمور في حيرة وعجز بسبب ما آلت إليه الأمور وقلقهم الكبير على مستقبل أطفالهم.. محدودو الدخل منهم على وجه الخصوص انقطعت بهم كافة السبل فلم يجدوا حلاً منصفاً وعادلاً يرجع حق أطفالهم باستمرار التعليم.

ووصف الكثير من الأهالي استمرار الإضراب بالقرار العبثي والفوضوي، داعين إلى استئناف العملية التعليمية بأسرع وقت ممكن حرصاً على أن ينال أبناؤهم حصتهم الطبيعية من العملية التعليمية.

وفي حديثه المقتضب عبَّر أحد أولياء الأمور، أن ما يحدث هو تدمير ممنهج للطلاب الفقراء، كون المدارس الخاصة ستفتح أبوابها كالعادة وستسنمر، بينما الأولاد الآخرون من لا يستطيع أهلهم إرسالهم إلى المدارس الخاصة هم المتضررون، ولا يملكون القدرة مثل الأغنياء الذين يرسلون أولادهم إلى المدارس الخاصة للدراسة.

وأضاف: "يجب أن تنتهي سياسة التجهيل هذه المتبعة منذ سنين، كونها السبب اليوم في الحال الذي وصلنا إليه، وعلى الكل ان يستوعب المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد والتي هي بأمس الحاجة إلى نهضة تعليمية للخروج من مستنقع الخراب هذا".

كما ناشد في حديثه الجميع لرفع الإضراب عن المدارس، لأن أولادنا وحدهم المتضررون، وهذا القرار الكارثي سينعكس سلبيا علينا جميعا.

ويحكي الصحفي ماجد الداعري، أنه قام بإرسال ابنه بشار إلى خارج عدن، بالتحديد إلى قرية بجحاف الضالع، بحثا عن التعليم بعد ان أصبحت عدن أسوأ حالا من القرية.

وعبر عن رفضه التام إدخاله طفله لاستمرار تعليمه إلى إحدى المدارس الخاصة، تمسكاً منه بضرورة أن يتعلم حكوميا كوالده وأهله وأخواله الأطباء، وتضامنا مع غالبية أبناء الشعب اليمني المسحوق بويلات الحرب ونكبات الصراع المستمر.

ووصف الداعري حال المعلمين في صنعاء وما حولها، قائلا انهم يستلمون نصف راتب كل 3 أشهر بأحسن الأحوال ويعلمون طلابهم بانتظام.

وتساءل: هل المعلمون في عدن يستحقون شرف أن يكونوا معلمين وهم متسببون بتعطيل التعليم للعام الثاني بذريعة المطالبة بزيارة مرتباتهم في بلد يعيش حرباً للسنة السادسة؟
ولماذا يواصل التحالف صمته في إغراق عدن بالظلام والأزمات والفوضى والنهب وتعطيل مؤسسات الدولة؟!

الحرب الإلكترونية للناشطين

تضاربت آراء الناس في عدن ما بين مؤيد ومعارض لهذا الإضراب، وما بين ناقد لتصرف المعلمين ومؤيد لحقهم في الإضراب.

مواقع التواصل الاجتماعي لا تزال تشتعل حتّى اللحظة بآراء ناشطيها وزوارها من حقوقيين وصحفيين ونشطاء اجتماعيين.. حيث وصف الصحفي وهيب الحاجب إغلاق المعلمين المدارسَ وامتناعهم عن العمل والتوجه للكسب في المدارس الخاصة والحكومة مستمرةٌ في صرف مرتباتهم، بالكارثة والجريمة، الحكومة فاعل مباشر فيها.

وقال الحاجب: "إن تمسّك المعلمون بتمردهم وأصروا على تعطيل التعليم فأمام الحكومةِ واحدٌ من قرارين يمثلان مسؤولية أخلاقية إزاء التمرد: فإما إيقاف مرتبات المعلمين المتمردين أو إغلاق المدارس الخاصة".

ليس منطقياً أن يستلم "المتمرد" مرتبين (خاص وعام) ولا إنصافاً أن تُفتحَ المدارس الخاصة لأبناء الأغنياء ويُجبر أبناء الفقراء على الجهل والبقاء في بيوتهم، لنزق مجموعة من الصبية وثلة من الانتهازيين!!".

الكاتب الصحفي أحمد السويدي، رئيس تحرير أحد المواقع الإخبارية في عدن، كشف عن توضيح مهم بخصوص المبادرة التي أعلنوا فيها استعدادهم لتعليم الطلاب أثناء إضراب المعلمين عن التعليم.

قال السويدي: "قبل أي شيء استفزتني منشورات بعض قيادات بالحكومة قالوا إنهم مستعدون للتطوع بتعليم الطلاب.

رسالتنا لهم أنه هذه مش موجة لتصعدوا عليها إن كنتم حقا جادين فخصصوا جزءاً من رواتبكم الباهظة للتربويين بدلا من دغدغة عواطف الناس بالكلام الإنشائي.

وأضاف: "نحن أبداً لسنا ضد حقوق المعلمين، نحن معهم ونعلم أن حقوقهم مهضومة وأنهم معدمون، لكننا للأسف نحن في وضع حرب أوقفت كل جوانب الحياة. نحن مع حق المعلمين ومطالبهم، لكننا أيضا مع حق الأطفال بالتعلم وحفظ حق التعليم للفقراء والمحتاجين."

وأوضح أن الفكرة من وراء هذه المبادرة هو تغطية العجز وتدريس الطلاب والحاقهم من الضياع في الشوارع ومضي العمر عليهم ريثما تعالج الحكومة هذه القضية مع المعلمين ولسنا بديلاً عنهم ولا يمكن الاستغناء عن التربويين.

وأشار السويدي أن على الحكومة عليها تحسين مستوى دخل التربويين، وكذا منتسبو وزارة التعليم ينبغي عليهم الشعور بالمسؤولية وفهم الوضع الحرج الذي تمر به البلاد بطلب أشياء معقولة.

بدلاً من تعطيل التعليم بإمكاننا عمل اعتصام مفتوح أمام مقر التحالف العربي واحراجهم أمام المجتمع الدولي، وهنا كلنا سنقف إلى جانب المعلمين ونرتب لحضور أولياء أمور وناشطين."

من جهته اعتبر الناشط أحمد فروز أن مشكلة إضراب المعلمين يشترك في تفاقمها عدة جهات: الحكومة ووزارة التربية ونقابة المعلمين الجنوبيين.

وبحسب فروز: "الموضوع سياسي بامتياز. والحل الأفضل لاحتواء المشكلة هو إقناع المعلم والوقوف مع متطلباته وليس عمل مبادرة طوعية ولها أسبابها."

وذكر فروز أن الحملة الذي سعى لها بعض الناشطين من الصعب تحقيقها لعدة أسباب، أولها أن عدد المعلمين المضربين ليس 100، عددهم أكثر، فمن الصعوبة تغطية كافة مدارس محافظة عدن.

وأن المعلم قبل ان يتخرج يدرس أربع سنوات في كلية التربية ويدرس فيها مواد (تخصص وتربوية) والمواد التخصصية- الزاد العلمي.

والمواد التربوية سواءً كانت من تحديد الأهداف إلى وضع الخطة وغيرها لا يمكن القيام بها من قبل أي أحد سوى المعلم نفسه.

إضافة إلى مشكلة المواد العلمية (رياضيات، فيزياء، كيمياء، أحياء) ليس كل من هب ودب يستطيع تقديم شيء في المادة. وأكد انه من الجرم أن يتم تدمير جيل بأكمله وبأن يظلم المعلم كذلك. ودعا إلى إيجاد حل لإقناع المعلم بالرجوع إلى القيام بعمله والوقوف معه.

ووصف أحمد اليافعي من جهته أولئك الذين يمنعون عودة الدراسة في عدن والمناطق المجاورة بأنهم يرتكبون جريمة شنيعة. وقال: "يكفي أن تكون كل هذه الحروب وكل أشكال العنف ومستوياته المختلفة التي تعمل بطريقة نسقية على تشكيل سلوك الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة علامة واضحة وصريحة على جسامة هذا الخراب الكثيف، ليس فقط فيما نلاحظه ونكتشفه من خلال تفشي حالات العنف العالية واليومية في أوساط المجتمع كمؤشر دال على ما يعتمل في باطن بنيته من تفاعلات، ولكن هذا التكريس الدائم لأشكال العنف وعملية مراكمة العدوانية ستكون لها نتائج وخيمة في المستقبل، وسيحتاج المجتمع إلى معجزة كي يخرج منها بسلام، ودون رجات كبيرة قد تعصف به عصفاً".

وأشار "أن الدراسة والانتظام فيها تتعدى حدود عملية التعليم، على أهميتها، وحتى وإن كانت المخرجات زهيدة جداً في هذه المناطق في ظل ظروف الحرب والخراب الكبيرة، ولكن تبقى العملية على كل حالٍ أفقاً ومساراً ونمط سلوك وثقافة وتربية وتشذيب وتشكيل دائم للشخصية الفردية يحميها أو على الأقل يجنبها الكثير من المزالق والسقوط".

ووجه اليافعي رسالة إلى المعطلين لعودة الدراسة قائلا: "عار عليكم ما تفعلونه، أنتم تفخخون مستقبل الأجيال، وتحولون كثيراً منهم إلى مجرمين كامنين، فمقابل كل مدرسة مغلقة، سيُفتح سجن كبير!".

ولم تقتصر حركة النشطاء على الفيسبوك فقط، حيث أقامت مبادرة القلوب البيضاء عدن، يوم الأحد، وقفة صامتة في الساحة المقابلة للبنك الأهلي بمديرية صيرة في سياق حملة مناصرة استمرار التعليم أملاً في أن يتم الاستجابة لهم.

ملف آخر لم يغلق بعد، أسئلة كثيرة تنتظر من يزيح الستار عنها.. ويبقى السؤال الأهم: متى تعالج وزارة التربية والتعليم مشكلة الإضراب، وهل ستجد الحكومة في الأيام القادمة حلاً سريعاً يضمن عودة الطلبة إلى المدارس والبدء في العملية التعليمية في أقرب وقت ممكن. أم أن الملف سيظل مفتوحاً كبقية الملفات التي لا تجد من يغلقها، في عدن؟!