صحافة

الخميس - 02 يناير 2020 - الساعة 05:43 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ حوار/ علي عبدالله العجري:


عبدالحكيم محمد صالح أحمد باقيس: رئيس مركز الظفاري للدراسات والبحوث، وكان قبل ذلك رئيساً لقسم اللغة العربية وآدابها، ثم نائباً أكاديمياً لكلية الآداب جامعة عدن، حتى الاستقالة في 2016م.

من مواليد 1965 في محافظة شبوة، تخصص في الأدب الحديث؛ النثر الحديث كتخصص دقيق. يرأس نادي السرد في عدن (يعنى بالأدب والسرد تشكل في أكتوبر/ تشرين الأول 2015). وهو رئيس تحرير مجلة التواصل العلمية المحكّمة الصادرة عن جامعة عدن.

حصل عبدالحكيم باقيس على درجة الدكتوراه في النثر الحديث من قسم البحوث والدراسات الأدبية واللغوية ـ معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، جمهورية مصر العربية، بمرتبة الشرف الأولى، في 5 شباط/ فبراير 2006، عن رسالته الموسومة بـ“تطور الخطاب الروائي النسائي اليمني”. وقبلها حصل على شهادة الماجستير بتقدير ممتاز من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، في 24 يناير / كانون الثاني 2001، عن رسالته “بناء السرد في الرواية اليمنية”. شهادة البكالوريوس أنجزها في 1993؛ إذ تخرج في قسم اللغة العربية، كلية العلوم والآداب والتربيةـ جامعة عدن.

التقيته في مكتبه في مركز الظفاري للدراسات والبحوث بمدينة الشعب في عدن وتطرقت معه إلى جملة من المواضيع المتعلقة بالنقد في اليمن وخصائص السرد وآفاق الرواية اليمنية واهتماماتها المحلية والإنسانية.. وكان سؤالي الأول له:
▪لماذا تخصّصت في النقد دون غيره من التخصصات اللغوية؟

بداية أشكركم في موقع "مدى برس" على هذه المبادرة في الجانب الثقافي، ونحن على أعتاب العام الجديد والعشرية الثانية من قرننا هذا.

وبخصوص السؤال. أنا حقيقة نشأت في بيت فيه مكتبة وكان يلفت نظري بعض الكتب. كان بعضها دواوين شعر من أمثال المتنبي وغيره وبالنسبة للأدب هو اهتمام إنساني خاص عابر للتخصُّصات. فربما يكتب الطبيب والمهندس أدباً.. وكذا من كافة المهن والشرائح يستهويهم الأدب، لأن الأدب هو الثقافة، وهو الشيء المشترك بين جميع الناس تذوُّقاً وشغفاً. ثم بعد ذلك تأتي مجموعة من الناس تحاول الانتقال من شكل أفقي إلى شكل عمودي. في الذهاب إلى منطقة ما، أو زاوية ما، في الاهتمام بالموضوعات الأدبية. وتبدأ بعد ذلك المراحل التخصصية والدراسة الأكاديمية، في اختيار اختصاص مُعيَّن، ثم الذهاب إلى زوايا أكثر دقة في مجال الدراسات العليا أو ما يسمى الاختصاصات العلمية الدقيقة، وهذا لا بد أن يكون نتاجاً ودافعاً ذاتياً لدى الباحث في أنَّ هناك أشياءَ معَّينة تلفت انتباهه فيتجه نحو القراءة والتركيز حول تلك الفكرة، ثم تبدأ بعد ذلك الاختصاصات العلمية في مجال الأدب الحديث أو القديم أو غيره ثم الاتجاه بشكل أكثر عمودية كالاختصاص في الشعر أو السردية، دراسة المسرح، دراسة الرواية، القصة القصيرة... وغير ذلك من هذه الدراسات. على الرغم من وجود نظام ومنهجية معينة تضم هذه العلاقة بين الجنس الأدبي في إطار الأجناس الأدبية التي تسهم في إعداد الباحث وأدواته المنهجية حتى يستطيع الإبحار في هذه الزوايا التي اختارها.

> القارئ هو الناقد الحقيقي

▪ما العلاقة بين الناقد والكاتب والمتلقي.. هل هي تكاملية أم تصارعية؟

العلاقة تكاملية في فهم النص. وقد تحوَّلت وظيفة الناقد التي يطلق عليها التفسير أو تقريب النص إلى القارى. يحاول الناقد إعادة اكتشاف النص من خلال أدواته النقدية. والكاتب يحتاج أن يرى عمله بعين أخرى.. بعين القارئ. والقارئ هو الناقد الحقيقي، ولذلك يسعى الكاتب إلى جذبه واستمالته إلى نصه، والقراءة النقدية موجهة ومضيئة لمناطق مهمة ينبغي على الكُتَّاب الانتباه إليها.

▪كيف تقيم الحركة النقدية للسرد في اليمن؟

للأسف، النقد في بلادنا محاولات فردية يقوم بها المهتمون بالشأن الروائي اليمني. ربما يكتب بعضنا ولا يجد من ينشر له مثلنا مثل الروائي. بل أكاد أزعم أن الروائي أكثر حظاً من الناقد. كونه يُدعى إلى محافل دولية ومعارض كتب، ويقدِّم تجربته، بينما الناقد لا تتاح له مثل هذه الفرص. إلا ما ندر. ولا وجود للنقد المؤسساتي. ولا مؤسسات ترعى الشأن الثقافي.

▪لك كتاب بعنوان (ثمانون عاماً من عمر الرواية اليمنية).. هل بالإمكان أن تعطينا إضاءة حول هذا الكتاب؟

(ثمانون عاماً من الرواية في اليمن) في الواقع الحديث عن رقم (الثمانين) له ألق خاص قال زهير بن أبي سلمى:

إنَّ الثَّمانينَ وقد بُلِّغْتها * قد أحْوَجَتْ سَمعي إلى ترْجُمانْ

لكن الثمانين في عمر الآداب والفنون هي ليست بالعمر الطويل (ثمانون عاماً من عمر الرواية اليمنية) هذا الكتاب كنت قد انتهيت من كتابته عام 2012 أو في هذا الحدود، حيث اشتغلت عليه في العامين 2010-2012. أحصيت فيه الروايات اليمنية، وقد عدت إلى البدايات إلى عام 1927 بصدور أو نص روائي يمني كتبه كاتب يمني وتناول موضوعاً يمنياً في المهجر. وهي رواية (فتات قاروت) ل أحمد عبدالله السقاف. وكان لهذا الرقم ثمانون، أي من العام 1927 -2013 أو قريباً من ذلك. حاولت في هذا الكتاب إضاءة التطور الذي مر به الخطاب الروائي في اليمن انطلاقاً من تلك البدايات الأولى والبدايات الأخرى التي كانت في عدن، محمد علي لقمان، ثم الطيب ارسبلان (يوميات مبرشت)، وعلي محمد عبده (حصان العربة) وغيرها من الأعمال حتى عام 1966. يمكن أن نقول هذه مرحلة من المراحل التأسيسية لبداية أو ولادة الفن الروائي في اليمن. ثم المرحلة الأخرى وهي من العام 1971 -أو نحو ذلك- بكتابات محمد عبد الولي، وهي البداية الفنية لتطور الفن الروائي والسردي بشكل عام في اليمن وممتدة هذه المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها المرحلة الواقعية إلى بداية التسعينيات. ثم ندخل في مرحلة أخرى وهي مرحلة الرواية الجديدة.

وفي كل مرحلة من هذه المراحل هناك الجديد من الكتابات والأعمال التي تلفت الأنظار. حاولت في هذا الكتاب تتبع مسيرة هذا التطور ليس بواسطة العامل التاريخي فقط وإنما من خلال دراسة العلاقة ما بين النص والمجتمع وكيف استطاع النص الروائي أن يحمل أو يشير إلى هذه المضامين الاجتماعية. بالإضافة إلى التطور الذي حدث في مجال التقنيات والوعي بالكتابة القصصية أو الكتابة الروائية وما الذي يميز الرواية الجديد في الموضوعات التي تختلف عن موضوعات الرواية الواقعية والرواية في مرحلة البدايات أو غير ذلك. بمعنى أنني أحاول البحث في خصوصية الخطاب الروائي في اليمن من خلال تشكُّله عبر هذه المراحل، وبالتأكيد من خلال بعض الأعمال المهمة في هذا التاريخ الطويل في إطار منجز روائي يفوق أربعمائة رواية. إذا سلمنا طبعاً أن كلها روايات. هناك كتابات تحت مسمى رواية وربما لا تنتمي إلى الفن الروائي. لكن على الرغم من ذلك هناك نصوص جيدة لا تقل قيمتها الجمالية والإبداعية عن أي نصوص عربية، بل إننا سنجد أن الرواية اليمنية منذ بدايتها كانت على وعي كبير باحتياجات واشتراطات وأنصاص الفن الروائي. على سبيل المثال من يقرأ رواية أحمد عبدالله السقاف (فتاة قاروت) وهذه هي الرواية الأولى سيجد العديد من القضايا والموضوعات التي تلامس مسائل نعيشها الآن، منها مسألة الهوية.

▪مقاطعاً: نعم أنا قرأت هذه الرواية وكنا قد تشاركنا في نادي القصة اليمني (ال مقه) لإعادة طباعتها. وهي تؤكد ريادة الرواية اليمنية البعض يؤرخ للرواية العربية برواية زينب لمحمد حسين هيكل. لكن (فتاة قاروت) قد تكون متزامنة معها.

نعم، رواية زينب لهيكل كانت في 1912. ولذلك نقول إن الرواية اليمنية تقترب الآن من بلوغ القرن وحق لنا خلال هذه المدة أن نراجع المنجز الروائي اليمني ونعطي كل مرحلة من مراحل تطورها حقها. في حين نقرأها في ظروفها في ظل اشتراطات الوعي في زمن الرواية آنذاك. رواية كتبت في العشرينيات علينا أن نقرأها بمعطيات زمنها بخلاف الباحث أو القارئ في زمن الألفية الحالية ونحن في بداية مرحلة لرواية جديدة وهكذا.

▪العودة إلى النقد.. لماذا اخترت نقد السرد بالذات وتكاد تكون متفرداً في هذا التخصص؟

في الحقيقة أنا لست المتفرِّد أو أول من يبحث في إطار الرواية أو الأدب السردي في اليمن. طبعاً هناك استاذنا الكبير أستاذ الأجيال (الدكتور عبد العزيز المقالح) الذي له العديد من الكتابات التي تناولت الأعمال السردية. اضرب مثلاً، كتابه (دراسات في القصة والرواية في اليمن) إضافة إلى فصول في كتب أخرى. لكن هذا الكتاب الأخير أفرده للقصة والرواية في اليمن. هناك أيضاً (هشام علي)، رحمه الله، كان من النقاد البارزين الذين يهتمون بالأدب السردي، القصصي والروائي، أما على مستوى الدراسات الأكاديمية. يمكن الإشارة إلى الأستاذة الدكتورة آمنة يوسف في جامعة صنعاء وكانت هي أول رسالة سجلت في إطار البناء السردي في الروايات اليمنية. هناك، أيضاً، عدد من النقاد الأكاديميين، وأكاد أزعم أنني كتبت بعد الدكتورة آمنة يوسف. ولكنني ذهبت كثيراً بشكل عمودي في إطار الكتابة والدراسات في فن الرواية، لم أصدر كتاباً في الشعر، وذهبت باتجاه مركَّز إلى دراسة النص الروائي اليمني والنص الروائي العربي. بمعنى آخر لم أكن متفرداً في ذلك، لكن يوجد العديد من الزملاء الذين درسوا دراسات أكاديمية في النصوص السردية، الدكتورة حنان الشيخ في جامعة عدن، الدكتور عبد المغني جواد في جامعة عدن أيضاً. وهناك عدد كبير آخر، الدكتور عصام واصل في جامعة ذمار وآخرون من الزملاء ومنهم الدكتور طه حسين في جامعة حضرموت، ليس الهدف ذكر الأسماء، لكن أقول ربما أنا اتجهت بدرجة أساسية للاهتمام بالكتابة الروائية في اليمن في مجموع ما كتبته من أبحاث وذلك إيماناً مني بأن هناك منطقة مهمة في إطار الأدب السردي في اليمن ينبغي أن تُضاء وينبغي أن تتم متابعتها.

وأصدقك القول، أخي الكريم، إنني أضطر إلى استجلاب بعض الإصدارات بمجرد أن أسمع أن هناك نصاً روائياً صدر لكاتب يمني في القاهرة أو في غيرها من العواصم، أحرص على إحضار النص بواسطة زملاء أو أي وسيلة أخرى، فلا بد أن اطلع على جل ما كتب في الرواية اليمنية، وهذا استنفد علاقاتي بالآخرين واستنفد بعض الجهد، وليست كل النصوص حقيقة بمنزلة واحدة. مع التأكيد على أهمية تعدد التجارب الروائية وتنوعها ولكن لا بد لي أن اطلع على كل ما كُتب من جيد ورديئ حتى أصل بعد ذلك إلى وجهة نظر إزاء مجموعة من النصوص. ولا أدعي أنني قد كتبت عن كل النصوص الجيدة. فهناك الكثير من الأعمال على الطاولة "وأشار إلى طاولت مكتبه" التي بحاجة إلى وقت كبير حتى يتم تناولها بتعمُّق لا بمجرد مقالة بسيطة.

> الرواية اليمنية امتداد للرواية العربية

▪ماهي الخصائص التي تميز الرواية اليمنية.. هل للرواية اليمنية بصمة تميزها عن الرواية العربية أم هي امتداد للأخيرة؟

بالتأكيد الرواية اليمنية امتداد للرواية العربية. والرواية العربية امتداد للرواية العالمية. لكن ربما فيي إطار البيئات المحلية لا بد من أن نبحث عن خصوصية. خصوصية الخطاب الروائي في اليمن أنه متنوع ومتعدد. وبمعنى آخر أنه قد ارتهن كثيراُ لملامسة ومعايشة الواقع اليمني الذي يعيش حالات من الاضطراب. كما له خصوصية أخرى باتصاله بالموروثات الشعبية والثقافية وفي تعبيريه -وذلك هو المهم- عن الإنسان اليمني وعن أزماته التي يعيشها واستطاعت الرواية اليمنية أن ترصد التحولات في مراحل مختلفة. وفي الأصل أن الرواية فن اجتماعي، قد تجنح إلى الخيال والمتخيل.. لكن هذا الخيال لا بد أن يكون له صلة بالواقع حتى في (الفانتاستك) أو الغرائبي أو العجائبي وهناك أعمال كتبت في هذا الإطار الإبداعي، ويمكن أن تندرج في سياق تطور الوعي بالكتابة الروائية في اليمن لكن في إطار اتصالها بالواقع والمجتمع.

▪ما هي آخر رواية يمنية قرأتها؟

في الفترة الأخيرة قرأت رواية علي المقري وهي (بلاد القائد) وحسب ما أذكر الرواية الخامسة لعلي المقري وبالمناسبة المقري من الكتاب الروائيين اليمنيين المتميزين في هذه الفن. فهذه الرواية تتناول فكرة الدكتاتور أو الطاغية تتحدث عن صحفي يجد نفسه في مهمة في دولة أخرى اسمها (عرسوبيا) عرسوبيا طبعا هو اسم كنائي. أنا أكاد أزعم أنني قد فككت شفرت هذا الاسم، وهو اسم منحوت من عدة دول عر/عراق /سو/ سوريا /بيا /ليبيا. وعرسوبيا ليست العراق وسوريا وليبيا فقط وإنما هي أيضاً كل ما يمكن أن يجسد فكرة الديكتاتور في أي مكان. طبعا علي المقري كتبها بذكاء كالمعتاد، وبيَّن كيف يجد الصحفي نفسه في ورطة بأن يكون في بلد قمعي ويجد نفسه إطار لجنة تهتم بكتابة مآثر وسيرة الدكتاتور. فكيف سيكتب أو يقول ما يؤمن به.

الرواية، أيضاً، تتناول كيف قامت الثورة على هذا الدكتاتور وهي تتناول التفاصيل الداخلية بما في ذلك ما يوجد من علاقات طاغية من حيث الاشياع والأعوان. وهي، أيضاً، يمكن أن تندرج في إطار الروايات التي تتناول ثورات الربيع العربي. المنتج الروائي اليمني ملامس لهذه الثوررات وهي ثورة روائية وربيع روائي يوازي ذلك الربيع الثوري.

▪ما ذكرته عن (بلاد القائد) لعلي المقري يقودني للسؤال عن علاقة الرواية اليمنية بمحيطها السياسي، أو جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي؟

ما ذكرته سابقاً يبين أن للرواية اليمنية خصوصية تجعلها أكثر ملامسة لقضايا الواقع وإشكالاته وتحولاته بمعنى آخر منذ ولادة الرواية ومرحلة بداياتها أو ما يطلق عليها في بعض البلدان البدايات الرومنسية والرواية الواقعية وحتى الكتابات الحديثة والأحدث.. هي مشتبكة مع هذا الواقع بصورة أو بأخرى. روايات محمد الغربي عمران تأتي في هذ الاتجاه وهو يتجه نحو قراءة التاريخ أو الذهاب بالواقع ومشكلاته في إطار من التاريخ وهو يكتب ذلك بذكاء وعبقرية مدهشة. ويمكن أن نسمي رواياته بالرواية التاريخية الجديدة التي لا تعنى بما كانت تعنى به الروايات السابقة، حيث استفاد من الأحداث التاريخية في إطار شكل من الحاضر أو إسقاط ما هو موجود في الماضي على الحاضر، بل على العكس الذهاب بمشكلات الحاضر ومشكلات الهوية في قضايا الواقع بأزماته إلى الماضي. وهذا ما أطلق عليه الرواية الجديدة المتميزة. كتابات الغربي عمران تأتي في هذا الاتجاه.

▪صالح باعامر كان له أيضاً اشتباك مع هذا النوع من الروايات..

صالح باعامر يمثل أيضاً تجربة مهمة في الكتابة الروائية لا سيما بيئة البحر، وهذه خصوصية مهمة. يمكننا القول إن لدينا كُتاباً متنوعين. منهم من كتب عن البحر، ومنهم من كتب عن القرية، ومنهم من كتب عن مشكلات المدينة، ومنهم من كتب عن مشكلات البحر منهم (صالح باعامر)، كُتاب تنوعت تجاربهم ما بين هذا وذاك. وهنا يمكن أن نشير في إطار الاشتباك بالواقع إلى تجربة مهمة جداً قدمها وجدي الأهدل وروايته الأخيرة (أرض المؤامرات السعيدة). يمرر فيها وجدي كما يفعل عادة -نلحظ ذلك من خلال عنوان هذه الرواية- وهو يمرر أسلوبه الساخر يكشف بشاعة هذا الواقع الذي نعيشه بكل إشكالياته. طبعاً هناك اتجاهات كثيرة يمكن الإشارة إليها وتجارب متعددة في الكتابة الروائية اليمنية.

▪رغم مرارة الواقع اليمني الراهن إلا أنه من الملاحظ خلال الخمس السنوات الماضية تصاعد الإنتاج الروائي اليمني، بل حصلت الرواية اليمنية على جوائز مهمة عربياً، وقد تكون مرشحة لجوائز عالمية. هل دراماتيكية الواقع وعنقه وتسارع أحداثه؛ بيئة مناسبة للروائي ومنجم غني لاغتراف مادة الكتابية وصناعة رواية مدهشة؟

الدهشة هذه المفردة أو هذا المعنى.. يبحث عنه كل كاتب. أنا كتبت في استهلال بعض المقالات، ما الذي يمكن أن تقوله الرواية في اليمن أو ما الذي يمكن أن يدهشنا أو يدهش الكاتب الروائي اليمني في ظل هذه التحولات العميقة والعنيفة التي نعيشها والواقع المأزوم، المليء بالصراعات المحلية، التي ربما حصرت مجال التعبير في كتابة الروائيين اليمنيين على نحو خاص وفي انشغالهم بالهموم ذات الطابع الإنساني، فلم تتسم الكثير من التجارب الروائية برؤية فلسفية أو انشغالات معرفية تتجاوز حدود الواقع، لأن الكاتب الروائي يجد نفسه أمام واقع أكثر جنوناً وأكثر خيالية وأكثر سريالية مما يمكن أن يحاول أن يتخيله العمل الروائي. بمعنى أننا نعيش هذه الأزمات والحروب والصراعات وهي بالمناسبة تقدم للكاتب وللأديب بشكل عام مادة خصبة في الموضوع ومادة التناول وبالتأكيد عبقرية الكاتب الروائي تكمن في أنه يستطيع إقناعنا بالإطلالة على هذه الحياة التي نعيشها واقعاً من داخل النص. وهنا مكمن الدهشة الذي يمكن أن يحققها الكاتب العبقري. نحن عايشنا الحب بكل تفاصيلها ومراحلها ونكاد نشتم البارود وتكاد القذائف تلامس أجسادنا، إن لم يكن بشكل مباشر فهي تلامس جدران منازلنا. وقد تكون الكتابة السردية والروائية غير معنية بالأحداث فور حدوثها، ولكن لا بد من الكتابة عن تاريخ الحرب، ليس بأن تقدم كما يكتبها المؤرخ أو الصحفي. ولكن الاتصال بما هو إنساني والالتفات للتفاصيل التي لا يعنى بها المؤرخ ولا المحلل السياسي. الكاتب يصف لنا زوايا من بشاعة هذه الحرب ومأساتها ومحنتها. أنا شخصياً أبحث عن روايات الحرب الآن. صحيح كما يقول السوسيلوجون أو الباحثون والنقاد الاجتماعيون إنه لا ينبغي الكتابة عن الأحداث في وقتها. لوجود استجابات لاحقة. لكن كثيراً من كتابنا يعيشون تفاصيل الحرب فإذا كتب أحدهم عن هذه الحرب فنحن ندعمه وندعو إلى المزيد من التقاط مأساتنا التي لم يتضمنها عمل إبداعي بعد.

▪أنت تذكرني بروايتين حاولتا ملامسة الأحداث: رواية (سوق علي محسن) لنادية الكوكباني و(جولة كنتاكي) لعبدالله عباس الارياني.

- رواية (سوق علي محسن) لنادية الكوكباني، ونادية لها تجربة مهمة. وقبلها (جولة كنتاكي) لعبدالله عباس الارياني وهو كاتب أيضا له رصيده. وهناك أعمال أخرى (ثورة مهيوب) لمياء الارياني، و(زينب) لندى شعلان، وعدد من الكتابات. لكن هذه الكتابات تناولت ثورة التغيير 2011. وهي مهمة كونها تقدم ما هو معروف بذكاء فني وبصورة غير مألوفة. وكأننا نطل على تلك الأحداث للمرة الأولى. لكن هذه الأعمال ليست عن فترة الحرب التي نعيشها.

▪النقاد يقسمون الرواية إلى شكل ومضمون.. أين تكمن الدهشة في الشكل أو المضمون أم في كليهما؟

العلاقة بين الشكل والمضمون هي علاقة قديمة وحديثة ومتجددة ومتصلة.. لكن على مستوى الكتابة الروائية هناك شعرية للعمل الأدبي الروائي في الأسلوب الذي يمكن أن يقدمه من خلال الآليات والتقنيات التي يمرر من خلالها الموضوع لكن أيضاً يظل للموضوعات شعريتها الخاصة. إذاً، نحن إزاء شعريتين: شعرية النص والموضوع الذي يبرزها أو يقدمها وشعرية الآليات والتقنيات التي يتبعها. بمعنى آخر أن هناك تضافراً بين الاثنين. فحين نتحدث، مثلاً، عن الكتابة النسوية نراها تدور في أغلب الأحيان حول فكرة واحدة في عدد من النصوص لكن لكل كاتب أو كاتبة طريقتها أو طريقه في التناول وفي العرض. أيضا الموضوعات مهمة جداً فنحن لا نبحث عن الفن والتقنيات بذاتها ولكن في مدى اتصالها بالمضمون أو الموضوعات. سواءً كانت محلية أو موضوعات قومية أو تراثاً إنسانيً أو موضوعات كونية أو خيالية أو (فانتاستاكية) أو غرايبة أو غير ذلك.

إذا للموضوع أهميته ولكن لا يمكن أن يمر إلينا إلا من خلال التقنيات ومن طريف القول الإشارة إلى ما أشار إليه الجاحظ سابقاً حينما قال: ان المعاني مثل الحجارة في الطريق يبصرها العربي والاعجمي. وأشار في ذلك إلى قضية اللفظ الذي يسيغ هذه المعاني. وهنا لا أتكلم عن علاقة الشكل بالمضمون فلا يمكن الفصل بين الاثنين، هناك موضوعات تستدعي استخدام مجموعة من التقنيات، من حيث تحريك الزمان وحركات الارتداد والاستباق، وهناك موضوعات تحتاج أن تقدم بأكثر من راوٍ بحيث لا تكون هناك رؤية أحادية أو رؤية الراوي العليم بكل شيء. موضوعات أخرى تريد ذلك الراوي المتشظي الذي يناسب ما يعيشه الواقع من تشظٍ. أضرب مثلاً بما أننا في سياق الحديث عن الرواية اليمنية. رواية (قهوة أمريكية) لأحمد زين، التي تتناول فشل التجربة الديمقراطية في اليمن في عام 2003 مع بداية الألفية الجديدة وما عانته اليمن وصنعاء مع بداية تطبيق الجرعات الاقتصادية وما رافقها من احتجاجات ومسيرات. فهنا الموضوع يريد أن يقدم هذه الفكرة. التجربة السياسية الجديدة في اليمن تواجه محنة وتواجه فشلاً وهو الفشل الذي نعانيه نحن اليوم ونحن نطل على العام 2020 ونرى في هذه الفكرة نبوءة مهمة. هذه الرواية وإن كان موضوعها يلامس الواقع، لكن الكاتب قدمها من خلال راوٍ مأزوم متشظٍ وتعدد في الرواة. ومن خلال التقنيات السردية في حركات الزمان تناسب الموضوع. لا أريد أن أطيل.. فقط أقول إن هناك موضوعات تستدعي وتستقطب تقنيات خاصة. وتكمن عبقرية الكاتب في توظيفه لهذه التقنية في تمرير الفكرة، أي أن تصبح التقنية جزءاً من تمرير الفكرة والآن نحن في مرحلة الرواية الجديدة، التي تستفيد من كل التقنيات الروائية.

▪قبل أن أنهي هذا الحوار الشيق معك أود أن أسأل عن نادي السرد في عدن وأنت رئيسه لمَ يعيش حالة جمود تام؟

هذا النادي تأسس 2015، تحديداً في 27 أكتوبر 2015 كان إشهار هذا النادي. وإن كانت الفكرة قائمة من قبل. وللتاريخ دلالته، فعدن حينها كانت لا تزال بعض أجزائها يتصاعد منه دخان الحرب. وكانت فكرة النادي محاولة للملمة الكُتاب في عدن والجنوب، مع الانفتاح على الجميع. وقد أنجز النادي بعض الفعاليات بجهود ذاتية وفردية وحتى عام 2017 تجاوزت الفعاليات التي أقامها النادي 16 فعالية أدبية لكُتاب من عدن ومحافظات أخرى وكان آخرها فعالية لتوقيع مجموعة قصصية للكاتب القاص (حامد الفقيه) وأيضا فعالية للقاص (جمال الشعري) في توقيع روايته. وكتابات (لعمار باطويل) و(ياسر عبد الباقي) ومجموعة من الكتاب والقاصين. أي أن النادي حاول أن يؤدي دوره رغم الإمكانيات الشحيحة. بعيداً عن أي دعم، ونحن نقدر الحالة القائمة للبلاد التي تعيش الحرب. لكن بعض الجهات أيضاً ربما تتنصل عن مسؤولياتها بحجة الحرب. والنادي حقيقة اختار أن يكون مستقلاً بنفسه عن أي تجاذبات سياسية. لأنه نشأ في ظل غياب الجميع. وشعار النادي من أجل استعادة مكانة عدن الريادية والابداعية.

▪في الختام أقدم لك جزيل الشكر والتقدير على كل ما قدمته في هذا الحوار الجميل، ولنا حوارات قادمة فالحديث معك يدعو لأحاديث أخرى؟

أشكركم في مدى برس مرة أخرى على هذا الاهتمام بالشأن الثقافي. وكلمتي الأخيرة نحن جميعاً من غبار هذا الطريق. والمسئولية مسؤوليتنا جميعاً..