نافذة على السياسة

الأحد - 13 سبتمبر 2020 - الساعة 01:47 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس:


تتصاعد مؤشرات وجود تحرك تركي لرفع درجة الانخراط والتمدد في الصراع اليمني، بعد اتجاه العديد من وزراء حكومة الرئيس "عبدربه هادي" -التابعين لحزب "التجمع اليمني للإصلاح" فرع تنظيم الإخوان باليمن- للتنسيق مع الكتلة (القطرية-التركية)، ولذا أصبح الدور التركي أكثر ديناميكيةً في التأثير على مسرح عمليات محافظات الساحل الجنوبي والغربي.

وتتطابق الاتجاهات التركية للانخراط في اليمن مع مثيلاتها في باقي الصراعات الإقليمية؛ والتي تعتمد فيها على أنشطة تدوير العناصر الإرهابية والمرتزقة بين ساحات النزاع، والتسلل الاستخباراتي بغطاء إغاثي، إلى جانب توفير الدعم التدريبي واللوجيستي المباشر للميليشيات المتحالفة معها، أضف إلى ذلك السعي لتشكيل قوة عسكرية موالية لها تدير المعارك على الأرض وفقًا لتعليمات المستشارين والضباط الأتراك، المحركين الفعليين لتحركات تلك الميليشيات، بالإضافة إلى اكتساب أوراق لشرعنة التدخل كإبرام اتفاقيات تتعلق بمشروعات واستثمارات اقتصادية، أو إطلاق دعوات للتدخل التركي في الصراع، وإضفاء زخم إليها عبر الكتائب الإلكترونية.


ويستعرض هذا التقدير السياسي أبرز العوامل التي تدفع تركيا للاهتمام بالحالة اليمنية في الوقت الحالي، للإجابة عن تساؤل مفاده: "إلى أي مدى يمكن أن يمتد النفوذ التركي في اليمن؟".


- دوافع التدخل التركي في اليمن

تبرز العديد من دوافع تركيا للاهتمام بالأزمة اليمنية على هذا النحو في الوقت الراهن، منها: تشبيك مصالح محور "قطر تركيا إيران" الإقليمية، وضمان عدم تعارضها في الساحات التي تشهد وجودًا لقواتهم والميليشيات المدعومة منهم، وهو ما برز في تصريحات مسئولين إيرانيين داعمة لحكومة الوفاق الموالية لتركيا، ما يعكس حالة من التنسيق والدعم المتبادل بين تلك الأطراف في ميادين المواجهات الإقليمية.

أضف إلى ذلك الاتجاه التركي لتفريغ شمال وشمال غرب سوريا من المرتزقة، وإيجاد مناطق انتشار بديلة لهم في ليبيا واليمن، وتحقيق تواجد للقوات التركية في المناطق المفرغة منهم بشكل صريح، تمهيدًا للربط المباشر بين أنقرة وإدارة تلك المناطق وفرض أمر واقع جديد بها.

ناهيك عن الرغبة القطرية في تقويض جهود التحالف العربي في اليمن، ما سيدفعها لتقديم الدعم المالي اللازم لتحقيق ذلك، اعتمادًا على دعم النظام القطري، وهو تكتيك وظّفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قبل في الملف الليبي ومعاداة المحور العربي إقليميًّا، ونجح عبره في تحصيل مبالغ ضخمة ساعدته في تخفيف وطأة تراجع اقتصاد بلاده، وعدم تحميل الخزينة التركية أعباء إضافية لإطلاق الحملات العسكرية الخارجية المتزايدة.

وهذا المدخل تحفزه المصالح المتشابكة بين الطرفين، كدعم تنظيم الإخوان المسلمين وتمكينه سياسيًّا وميدانيًّا، وإيجاد نفوذ بالبحر الأحمر يمكن خلاله تقويض المصالح والأمن المصري والسعودي. 

كما ترى تركيا أن الأزمة اليمنية نموذج قريب للحالات التي تمكّنت من الانخراط فيها سابقًا، والقابلة للتوظيف لتحقيق غايات وأهداف إقليمية ترمي إليها سياسات النظام الحاكم، حيث تمثل اليمن في حالتها الراهنة بوابة قد تُتيح لأنقرة موطئ قدم للارتكاز في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب وصولًا لمضيق هُرمز والخليج العربي، ما سيمنحها أفضلية عبر ربط قواعدها بالصومال وجيبوتي.


وتفسح التحولات الميدانية الجارية لتنظيم "الإخوان المسلمين"، بعد سيطرته على عدة محافظات ومناطق يمنية، فرصة وضع يده على مناطق واسعة بالساحل الجنوبي والغربي اليمني، وهي خطوة ذات قيمة مضافة نحو حُلم تمكين الإسلام السياسي الموالي لتركيا بالمنطقة.

ويظل استغلال الانشغال الدولي بتطورات جائحة كورونا وغيرها من الصراعات المشتعلة دافعًا لأنقرة لتوظيف تلك الحالة لتحقيق تمدد إضافي بالإقليم، واكتساب مزيد من أوراق الضغط البديلة عن أي ملف يمكن أن تنجح الجهود الدولية ودول المنطقة في وقف الانخراط التركي فيه، أو تعطيل مساحات النفاذ والتدخل التركي به.

وبالتوازي مع العوامل السابقة يبقى تشظي الكيانات السياسية اليمنية عاملًا دافعًا لتداخل تركيا في الأزمة بشكل أكبر؛ حيث انقسام حكومة الرئيس "هادي" وخروج مسئوليها -المنتمين لحزب الإصلاح- للعمل على تهيئة الميدان السياسي للتدخل التركي، وخاصةً بعد نجاح ميليشيات الحزب المدعومة تركيًّا في السيطرة على محافظات ومدن هامة بالجنوب والغرب، على رأسها شبوة وأبين.




-حدود الدور التركي في اليمن

ركزت تركيا في المراحل الأولى من الصراع اليمني على دعم حكومة الشرعية؛ كونها الممثل الشرعي المدعوم إقليميًّا وأمميًّا، والذي ينخرط به ممثلو تنظيم الإخوان المسلمين بشكل كبير، كما كانت فرصة للتقارب مع النظام السعودي بشكل تدريجي، ولكن مع تحفظ القوى العربية على الدور التركي والقطري العابث بأمن اليمن والمنطقة، تحولت تركيا إلى مرحلة جديدة ركزت فيها على تمكين عناصر الإخوان بمناطق انتشارهم عبر الدعم المالي والتسليحي، إلى جانب نقل عناصر المرتزقة من ساحات الصراع الأخرى وتشكيل ميليشيات وتدريبها بالخارج ثم نقلها إلى اليمن.


بالإضافة إلى تسلل العديد من ضباط الاستخبارات التركية إلى الداخل اليمني، كعاملين بالمنظمات الإغاثية التركية المشاركة بجهود الخدمات الإنسانية بالمناطق المتضررة، وتمكنت تلك العناصر من التغلغل في مناطق الصراع بعد الحصول على هويات يمنية من المؤسسات الواقعة تحت سيطرة عناصر حزب "الإصلاح".

واتّجهت تركيا في الفترات التالية للانخراط بشكل أكثر تركيزًا على الشقين الاقتصادي والعسكري، حيث إبرام اتفاقيات تتعلق بإدارة الموانئ اليمنية وغيرها من مشروعات النقل وإدارة الخدمات بالقطاعات الأكثر تضررًا من الصراع، عبر الوزارات التي يسيطر عليها عناصر الإخوان بحكومة الشرعية.

وهو ما تزامن مع تدشين معسكرات تدريب بالأراضي اليمنية لتجنيد المقاتلين المحليين، حيث يدير عناصر الإخوان معسكرات بالمناطق الجبلية بمحافظة تعز، ويتم تمويلها عبر الدوحة فيما يؤدي المهام الفنية ضباط ومستشارون عسكريون أتراك. ودخل السلاح التركي المتقدم لجبهات القتال التي ينشط فيها مقاتلو الحزب، إذ تشارك الطائرات المسيرة التركية بعدة جبهات أبرزها أبين، وهو الأمر الذي يتطلب تدريب عناصر يمنية أو توفير غرف عمليات تركية لإدارة تلك العمليات.

ومع احتدام المواجهة في مسارات الأزمة الليبية ومراكز الطاقة بشرق المتوسط، تتجه تركيا نحو مرحلة متقدمة من التدخل في اليمن، تقف على حدود التدخل العسكري وتتجاوز مراحل التدخل الاستخباراتي والسياسي.

وفي الوقت الحالي، يُرجح ألا تسعى تركيا إلى الانخراط العسكري المباشر في الصراع اليمني؛ كونه يضعها في مواجهة مباشرة مع دول التحالف العربي ومصر.

وفي هذا السياق، ستركز أنقرة على تنسيق العمليات العسكرية لميليشيات الإصلاح ضد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على المدن الجنوبية والغربية، وألا تتصادم تلك العمليات مع الأخرى التي تديرها جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا، فيما يقف الدعم المالي والتسليحي عائقًا أمام الانخراط المباشر بقوات تركية في مجريات الصراع.

وفي ضوء القراءة السابقة للتدخل التركي في الصراع اليمني وحدود تطوره، يمكن القول إن أنقرة في طريقها إلى تطوير تدخلاتها بشكل أكثر تغلغلًا على الصعيدين السياسي والدعم غير المعلن لعناصر ميليشيات حزب الإصلاح، وستستمر تلك المرحلة حتى تتمكن تلك الميليشيات من إحداث اختراق لجبهات المجلس الانتقالي الجنوبي، ثم تثبيت قواعد نفوذها بمحافظات الجنوب والغرب، لتبدأ فيما بعد مرحلة مطابقة للجارية الآن بالميدان الليبي، حيث اكتساب شرعية التدخل عبر اتفاقيات تربط المناطق المسيطر عليها بمصالح أنقرة بشكل علني، وقد تتضمن الاستحواذ على قواعد عسكرية بمناطق استراتيجية بالبحر الأحمر أو بحر العرب.

لذا فمن الضروري للدول المشاطئة للبحر الأحمر وبحر العرب بل والخليج العربي تنسيق الجهود لوقف التدخلات الخارجية الرامية لجذب اليمن نحو الانزلاق نحو ذات المسارات التي جرت في ليبيا.

ويُشار -في هذا السياق- إلى زيارة الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" إلى القاهرة الأيام الماضية، وهو ما يحمل رسائل هامة تنطوي على استيعاب الدولة المصرية لما يجري في منطقة باب المندب، ويؤشر على بدء تحركات فعلية للتنسيق الإقليمي حول ذلك الملف الهام لحفظ الأمن والسلم بالمنطقة.


المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

الكاتب: حسين عبد الراضي