ملفات وتقارير

الأربعاء - 16 سبتمبر 2020 - الساعة 05:48 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ تقرير| عبداللطيف سالمين:


فجر 14 من سبتمبر، مدينة عدن، الحرارة شديدة والرطوبة لا تطاق، وبينما الجميع يتألم من معاناة لهيب تنور الصيف القاتل ويتوجع من تفاقم الإطفاءات الكهربائية.. هناك في إحدى ضواحي مدينة عدن، يفترش أحد الأطفال سطح منزله ويبكي بشدة، يعذبه الحر ويمنع نومه.

لم يكن ذنب الطفل سوى أنه يعيش في مدينة ابتلع الصمت سكانها أمام الحياة البائسة، بينما بقية شعوب العالم في رغد من العيش، المدينة الأكثر معاناة في الوطن العربي حتى اللحظة حيث سجلت رقما قياسيا في عدد ساعات انطفاء الكهرباء والذي بلغ إجمالي سنوات الإطفاءات والتشغيل للتيار الكهربائي منذ أن تحررت في 2015، 3 سنوات وثلاثة أشهر إطفاء، مقابل سنة وتسعة أشهر تشغيل في أفضل حال.

درجة الحرارة المرتفعة والشمس المحرقة والرطوبة العالية في شهر سبتمبر ترهق الأبدان وتنهك القوى، والمواطنون يدخلون صراعا نفسيا كبيرا مع تفاقم الانقطاعات الكهربائية وسط حرارة هذا الشهر القاتل، وبينما كان الجميع يمني النفس ويأمل بيأس أن يتم النظر إلى حاله وتخفيف ساعات الانطفاء إلى 3 مقابل 2 تشغيل، لم يكن هناك اي نية للجهات المسؤولة بالخروج بحل من مستنقع الاربع ساعات انطفاء تخفيفا لمعاناة الناس، وحدث عكس ذلك حيث عاشت المدينة مع تزايد ساعات الانطفاء لتبلغ في افضل الاحوال ما لا يقل عن خمس ساعات انطفاء وتصل إلى الست والسبع في بعض المناطق مقابل ساعة أو ساعتين في افضل الاحوال يشتغل فيها التيار الكهربائي بصورة ضعيفة ومتقطعة تشهد احيانا تكرر الانطفاءات فيها وعوضا عن ان يجد المواطن ضالته فيها باتت تعيق حياته وتتسبب بتدمير ممتلكاتهم من الأجهزة الكهربائية في المنزل، وما يبكي في الأمر ان هناك بعض المناطق باتت تحلم بهذه الساعات لما عاشته من ايام متواصلة دون كهرباء بسبب اعطال فنية لا يستجيب لها احد الا بعد ان يموت المواطن من الحر.

حالة من الشكوى والتذمر بين المواطنين

(مدى برس) رصد حالة من التذمر والشكوك بين المواطنين في عدن من جراء الإطفاء المفاجئ، أحد المواطنين في الشيخ عثمان يفترش أرضية أحد الأركان تساءل والعرق يتصبب من جبينه: "هل يعقل انهم لم يقدروا القيام بتأمين الكهرباء خلال ست سنوات لعدن فقط؟".

وأضاف والحزن باد في ملامحه: "طفت عندنا يومين متواصلين، بسبب انفجار مولد ولما صلحوه بعد يومين انقطاع لصت ساعة ونص وتطفي وتجلس اربع ساعات مراعي تلصي وصلت ساعتين ونحن في عدن في عز الحر، عذبوا الناس".

وعاد بعد أن التقط أنفاسه للتساؤل مرة أخرى: "الشعب يعاني. الحوثي شغل صنعاء كامل من مارب وهو محاصر من 16 دولة، ونحن على أساس أن معنا 16 دولة تدعمنا ولا قدروا يوفروا كهرباء لعدن كل هذه السنوات".

وتوقف لبرهة كأنه يفكر يفتش عن كلمات تعبر عن ما يشعر به ولم يجد سوى أن يوجه رسالته، بيأس قائلا: "يا قادتنا ارحموا الشعب، يا من فوضكم شعبكم لكي تخففوا عنه، هل هكذا تردون الجميل للشعب الذي عول عليكم وبقوة؟!".

مواطن آخر تحدث ل"مدى برس" قائلاً، "الناس في عدن تعيش عيشه الكمد، البعض معاهم مروحة وبطارية، والبعض ما عندهم يخرجوا الشارع ينامون، والنساء تحترق داخل البيت، الله يلطف بهم وبنا، يكفي الشعب الجنوبي مشاريع وهمية، نريد سقفا زمنيا محددا لأي مشروع يكتب في حجر الأساس، لأي مشروع تنموي أقل شيء سنتين نريد وتيرة عالية للعمل التنموي للمشاريع، لا الكذب علينا كل عام".

كريتر حالة استثنائية

وكان للناشط معاذ بن ثابت رأي آخر ومطالب خاصة بهم في مدينة كريتر، حيث يعتقد ابن ثابت بوجوب معاملة كريتر كحالة استثنائية من حيث توفير الكهرباء والماء فيها بنسبة الرطوبة والحر فيها شيء لا يصدق تشعر وكأنك بداخل تنور -حد وصفه- كون درجة الحرارة فيها لا تقل عن 45 درجة وأسوأ من ذلك أيضاً.

ويقول ثابت: "لهذا لا يمكن لساكنيها أن يتحملوا 4 ساعات طافية وساعتين لاصية، وعلى الأقل يجب أن تكون 3 ساعات لاصية و2 طافية على أقل تقدير لهم موقعهم الجغرافي والمناخي المعروف لدى الجميع".

ووجه ثابت رسالته إلى القائمين على مؤسسة الكهرباء بضرورة احتوائهم لهذه الفترة الوجيزة التي لا يحسد عليها، بينما نحن ساكني المديريات الأخرى لا يمكن أن نعترض أو ننتقد هذه البرمجة تقديرا لكريتر وساكنيها.

سبب زيادة جرعة الإطفاء

وفي السياق، أفادت مصادر خاصة في مؤسسة الكهرباء في عدن أن أسباب عودة الانقطاعات في التيار الكهربائي الذي تشهده مديريات عدن يأتي بسبب نفاد الوقود عن عموم محطات الكهرباء.

وكشف المصدر ذاته أن استيراد وقود محطات الكهرباء ليس من اختصاص الكهرباء ومن يقوم باستيراد وتوفير الوقود وزارة النفط ممثلة بشركة النفط والمالية وشركة مصافي عدن تقوم بخزنه وتوريده إلى الكهرباء وهذا ما يعني أن ثلاث جهات ذات العلاقة بوقود الكهرباء.

مشدداً أنه لا داعي للاتهام الذي يسيء لمنتسبي الكهرباء عامة، كونه -بحسب قوله- يخلق حالة من العداوة بين المواطن وعمال الكهرباء لاعتقاد المواطن بان هناك لوبيا يتعمد بسرقة الوقود ويتسبب بزيادة الانقطاع الكهربائي في عدن.

وعاد ليضيف، إن مؤسسة الكهرباء تبيع للمواطن سعر الكيلو وات ب 9 ريالات، بينما تكلفته على المؤسسة 235 ريالا.

وبشر بأن دخول المحطة 264 ميجا مع حلول 2021م سيحدث تحولا في الخدمة لعدن ولحج والضالع وأبين.

ودعا المواطنين لدعم المؤسسة العامة للكهرباء بدفع فواتيرهم المستحقة بانتظام وعدم الربط العشوائي المباشر حرصا على سلامتهم وللحفاظ على مكونات شبكة التوزيع. ونعدكم بأن القادم سيكون أفضل، بإذن الله.

وأكد أن الفرق الفنية والهندسية تواصل أعمال استبدال جزئي لكابل الضغط العالي ومعالجة الأضرار التي لحقت بالخط المعطوب بين محطتي الغدير وA3 بطول 300 متر ويغذي كود النمر والخيسة بالبريقة.

وعن انقطاع الكهرباء الطويل في الخيسة وكود النمر، كشف المصدر انه يتم اصلاح الكيبل المغدي للمنطقتين بجانب جولة تقاطع الحديقة مع المحكمة بكيبل جديد وحي القيادة.

ولفت إلى بذل العمال جهدهم وطاقتهم في انجاز العمل ويشتغلون على قدم وساق وتفان. وباذن الله بعد ساعتين من الآن إلى ثلاث ساعات سيتم ربط الكيبل وادخاله بالخدمة وعمل اللازم. وسيتم تعويض المنطقتين المذكورتين بساعات تشغيل اكثر خلفا للانقطاع السابق، حد قوله.

واستنكرت المؤسسة العامة للكهرباء بعدن تواصل أعمال الاعتداءات التي تتعرض لها سيارات طوارئ الكهرباء بالعاصمة عدن، حيث قامت مجموعة خارجة عن القانون صباح الأحد بالاعتداء على عمال طوارئ المنطقة الاولى وتهشيم زجاج سيارة خاصة بطوارئ الكهرباء في جولة زكو-كريتر ما يؤدي إلى تأخر تنفيذ البلاغات وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة بسبب هذه الأعمال. واضافت، يوم السبت تعرضت طوارئ المنطقة الثالثة المنصورة للاعتداء، حيث تم اخذ السيارة التابعة لفرقة الطوارئ بالمنصورة وحجزها من قبل بلاطجة.

وناشدت المؤسسة العامة للكهرباء كافة الجهات الأمنية بتحمل مسؤوليتها في ضبط الخارجين عن القانون وكل من يقوم بالاعتداء على عمال الكهرباء وعلى مكونات الشبكة الكهربائية.

وطالبت المواطنين بأن يكون لهم دور إيجابي من خلال التعاون مع عمال المؤسسة وحمايتهم من الاعتداءات للحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية وتجنب الاطفاءات الطويلة.

فيلم يتكرر كل شهر وأسبوع

وكشف مصدر في ميناء الزيت أن شحنتين للوقود المخصص لكهرباء عدن قد وصلتا يوم الاثنين وفي انتظار تصريح دخولهما من التحالف.

وبين المصدر أن الشحنة الأولى؛ في الباخرة PURITY، تحمل على متنها 8,600 طن متري من مادة المازوت؛ الخاص بكهرباء المدينة. فيما الشحنة الثانية؛ في الباخرة MAIRA، تحمل على متنها 14,800 طن متري أيضًا.

وهو الأمر ذاته الذي يتكرر كل مرة ويتسبب بموجة من الغضب بين الاهالي والنشطاء الذين ابدوا استغرابهم كيف لمنطقة هامة وحساسة عالمياً بلا كهرباء والنفط يدخل اليها بتصاريح. ووصفوا ما يحدث بالمهزلة متسائلين عن السبب الذي يجعل الأمر يتكرر كل مرة، ولا تأتي اخبار وصول السفن المحملة بالوقود الا بعد نفاد المازوت؟ ولماذا لا تصل وتاخد تصاريح قبل زيادة جرعة الاطفاء، ما الذي يمنعهم من اخد التدابير الاحتياطية الا بعد معاناة المواطنين ومن المستفيد من كل ما يحدث؟!

ظاهرة غريبة لا تجدها إلا في عدن

تبدو ظاهرة إنارة بعض الشوارع بعدن في وضح النهار مناقضة تماما لسياسة ترشيد استهلاك الطاقة التي تنتهجها الحكومة والتي تعكس عدم اهتمام المؤسسات المعنية بمبدأ الترشيد الذي بات حاجة ملحة في ظل عجز التوليد وارتفاع أحمال عدن.

ظاهرة تشغيل انارة الشوارع نهارا وتحت اشعة الشمس تفاقمت خلال هذه الفترة في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من نقص حاد في الطاقة.

ووجه ناشطون نصيحة لملاك الورش ومحطات البترول والمحال التجارية بعدم ترك الإنارة الخارجية تشتغل في وضح النهار واستخدام الإنارة الضرورية فقط والابتعاد عن المبالغة، كون تشغيل الأدوات الكهربائية الزائدة عن الحاجة تعني أخذ نصيب شخص آخر ربما هو بحاجة ماسة إلى الكهرباء.

كارثة وشيكة

وفي السياق، أصدرت شركة السعدي للكهرباء بيانا بإيقاف تشغيل محطة المنصورة 60 ميجا ابتداء من يوم الأربعاء القادم، بسبب عدم سداد المستحقات المالية لها والمقدرة ب14 مليون دولار.

وحذرت المؤسسة العامة للكهرباء بأنه إذا نفذت شركة السعدي تهديدها ستحدث كارثة في عدن.

وبحسب مصدر في المؤسسة فإنه في حال نفذت شركة السعدي تهديدها بايقاف محطة المنصورة (60 ميجا) يوم الاربعاء القادم سترتفع ساعات الإطفاء إلى ست ساعات متواصلة مقابل ساعتي تشغيل.

وعلق المهندس مسعود زين مؤكدا أن الدولة لا تملك محطات انتاج كهرباء كافية في معظم المحافظات وتعتمد بشكل كبير على الطاقة المشتراة من التجار. وعندما يتوقف التجار عن إمداد الكهرباء بسبب عدم تسديد الدولة لمستحقاتهم لاشهر متتابعة يظهر العجز الحكومي الواضح في توفير هذه الخدمة للمواطن.

الامر الآخر هو النفاد المتكرر كل شهر لوقود الكهرباء قبل وصول الشحنة التالية مما يخفض ساعات التشغيل.

وتساءل: "قطاع حساس مثل الكهرباء والمياة لماذا المخاطرة فيه شهريا من قبل الدولة بعدم توفير الوقود؟ لماذا لا يتم تأمين وقود الكهرباء بمناقصات فصلية وليس شهرية حتى يتوفر الوقت الكافي لمقدمي عروض المناقصات بحسب قانون المناقصات (أسبوعين تقريبا) وتحصل منافسة حقيقية وليس كلفتة مطبوخة لشركة محددة، وفي نفس الوقت يتم التوريد للشحنة قبل شهر من نفاد شحنة الفصل السابق.

وأضاف: "هذه الايام الحارة جدا الكهرباء شبه منعدمة على الطفل والمسن والمريض والطالب في عدن وما جاورها وفي ساحل حضرموت.

واختتم: "تباً لكل من يبحث عن مبرر للتحالف أو الشرعية أو الانتقالي وسط هذا الفشل، فالكل شركاء في ذلك وعلى رأسهم التحالف والذي ليس بيده الحل من الطرفين الاخرين ففي يده ان يضع حدا لهذا التعذيب مع التحالف.

اليأس يتفاقم

يتفاقم يأس المواطنين في عدن والأوساط الاقتصادية يوما بعد يوم من قدرة السلطات على معالجة مشكلة انقطاع الكهرباء حتى مع كل التغيرات السياسية في المنطقة.

ويرى مراقبون أن “الشعب في عدن يفكر الآن بالكهرباء.. مع تجاوز الدولار الوصول لحاجز 800 ريال يمني مقابل الدولار الواحد فقط، إنه سعر مرتفع، العالم يتقدم ويتطور ونحن نعود إلى الشمعة”.

ويتهم البعض المسؤولين السياسيين بتدمير البلاد من خلال الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي جعلهم يبتعدون عن تنفيذ وعودهم للناس.

وتفاقم الخلافات السياسية التشاؤم بشأن الإسراع في حل أزمة انقطاع الكهرباء المزمنة، وسط معاناة المواطنين العالقين بين تقصير السلطات وابتزاز مافيا المولدات التي تحتكر القطاع مستغلة فشل الشركة الحكومية في إنهاء المشكلة بشكل جذري.

تتفاوت الروايات والأقاويل وتبقى الأزمة واحدة والإجابة عن كل الأسئلة ستكون في الأيام القادمة، هل ستشهد الكهرباء تحسنا ملحوظا، وإن عادت يظل لسان حال الجميع نتمنى أن تنتهي هذه الانقطاعات المزعجة وتعود الكهرباء مجددا إلى عدن بلا أي انطفاء. وهو ما بات بالنسبة للكثير حلما صعب المنال.