ملفات وتقارير

الأحد - 20 سبتمبر 2020 - الساعة 04:17 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/تقرير| عبداللطيف سالمين:


تسعة أشخاص من شباب مدينة عدن، جمعهم حب نغم الزمن الجميل والأغاني التراثية والطرب الأصيل، مزجوا بحناجرهم وأناملهم بين الماضي والحاضر، ما بين عراقة الأغاني العدنية، وطرب الموسيقى المصرية وحداثة الموسيقى الغربية.

كان لجوؤهم إلى الموسيقى هروباً من نار الحرب والأوضاع المتردية التي تشهدها عدن، أطلقوا صرخة موسيقية غنائية طربية، مستمدين فنهم من مخزون التراث أجمل الأغاني، ومحافظين على لحنها بأمانة ومسؤولية، مضيفين لها هارموني خاصاً بهم يعكس هوية فرقتهم الفنية.

محمد تيكا، المنسق الفني للفرقة أشار لـ "مدى برس" إلى أن الفرقة التي تأسست رسمياً هذا العام كانت بداية الفكرة من فترة طويلة، ولكن لم يبدأ الشغل عليها إلا من فترة قريبة جداً، بعد التأكد من تكامل الطاقم الموسيقى المتمكن والذين غالبيتهم خريجو معهد الفنون الجميلة معهد جميل غانم،
ومن ضمن كادر الفرقة عازف الكمان الأستاذ هاني جعفر والأستاذ عرفات.

أول فرقة موسيقية فنية متكاملة في المدينة

وتشكلت الفرقة، حسب تيكا، لتكون استجارة بموسيقى هذا الفن الذي لم يتشوه من نيران الحرب، مشيراً إلى أن السبب الأبرز لاجتماعهم يأتي كون عدن تفتقر لفرقة فنية وترية مما يجعلها أول فرقة موسيقية فنية متكاملة في المدينة التي باتت تفتقر إلى الفن الراقي والفرق المتكاملة والمتجانسة.

بدأت الفرقة بشخصين هما عازفا عود وغيتار، وكانت تتجه فقط للموسيقى دون الغناء الأدائي، ولكن مع الوقت انتسب إلى الفرقة شباب لديهم أصوات جميلة آمنوا برسالة الفرقة واستمروا فيها ودعموها بكل إمكانياتهم.

ويروي تيكا بداية تشكُل الفرقة، والتي شهدت في بادئ الأمر قبل تكوُّنها عمل كل واحد منهم بمفرده في البداية في حفلات التخرج والمناسبات وبعض الشباب الناشطين مثل الفنان أحمد صلاح الذي كان يقوم بنشر تسجيلات مرئية له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ولاقت رواجاً واسعاً، إضافة إلى تقديمه وصلات موسيقية رفقة التيكا الذي يشتهر بتقديم حفلات، ألعاب خفة تتخللها عروض فنية وموسيقية بعزف العود والجيتار. وفيما بعد حدث تعارف بينهم وبين العازف فراس الذي طرح الفكرة بكل حماس ودراسة واستعداد ليتم تجميع بقية الأعضاء والبدء بالمشوار الفني.

مصاعب عدة وظروف تقابلهم بالرفض واليأس

وتواجه الفرقة مشاكل عدة، أهمها على وجه التحديد، إحياء الحفلات الطربية في عدن، نظراً للأزمات الاقتصادية في البلاد من جهة، وتراجع الذوق الفني العام من جهة أخرى، إلا أن ذلك لم يؤثر في نفسية الشباب الذين يعيش معظمهم وسط أسر ميسورة الحال، مبينين أنّ اهتمامهم ينصب على إنعاش ذاكرة الفن الأصيل في أسماع الناس بعيداً عن التفكير بالتحصيل المالي الذي هو في النهاية تحصيل حاصل.

عراقيل عدة واجهت الفرقة وحالت بين البدء في عملها قبل أعوام كثيرة من الآن، أهمها انشغال الشباب في كسب لقمة العيش في واقع اقتصادي صعب تعيشه المدينة، وكذلك كون سكن كل عضو في الفرقة بعيداً عن الآخر، وهو ما شكل عائقاً في بداية الأمر، وحال دون تجمعهم.

ولأنهم آمنوا بفكرتهم، لم يلقوا أي بال لعدم توفر مقر يجمعهم ويحتضن البروفات الخاصة بهم، وإذا وجدوا مكاناً مؤقتاً تقف الكهرباء عائقاً أمامهم، لعدم مقدرتهم على توفير مولد كهربائي لتشغيل الآلات الموسيقية.

ولكن كان لمدير مدرسة الجودة في مديرية خور مكسر بمحافظة عدن، دور كبير في تخطي هذه الصعاب، حيث قام باستضافتهم في ساحة المدرسة ووفور لهم مولداً كهربائياً وأجواء مناسبة وكل ما يحتاجونه للبدء بمهامهم الفنية بكل أريحية، وفي بيئة فنية مناسبة بحسب تعبير أعضاء الفرقة الذين لم يخفوا امتنانهم لمدير المدرسة أثناء قيامهم بتسجيل وصلات فنية تلفزيونية في مقر قناة عدن المستقلة.

هوية الأغنية التراثية والطربية

وتتشكل "الفرقة الوترية" -وهو الاسم الخاص بالفرقة- من ثمانية عازفين يتنوعون بين عازف أورج، وعازف تشللو، وعازف جيتار، وعازفي كمان، بالإضافة إلى مطربين، وفور البدء، بدأت تحظى هذه الفرقة باهتمام شريحة واسعة من الناس في عدن، خاصة الذين يسعون إلى حجز الفرقة نظراً للتنوع الموسيقي في الأغاني والألحان خاصة تلك الطربية القديمة.

وتؤدي الفرقة نوعين من الغناء: قسم طربي مختص بالأغاني القديمة لعمالقة الغناء العربي من الفن الطربي الأصيل، وأغاني الزمن الجميل لام كلثوم وعبدالحليم حافظ، إضافة إلى التفرع بالأغاني الطربية العصرية والمقطوعات الكلاسكية الإسبانية، وتهتم بكل ما هو جديد رفقة الجميل من الزمن القديم.

وكل ما يهمهم، بحسب وصف قائد الفرقة، هو استمتاع الجمهور بأجواء موسيقية راقية، وتقديم الطرب الجميل والنظيف رفقة الفن العصري بعيداً عن التلوث السمعي السائد.

ورغم صغر سنه إلا أنّ محمد صلاح يستمتع وهو يضرب بريشته على العود، آلته الموسيقية المفضلة، كما يقول لـ"مدى برس"، مستعرضاً أغاني الزمن الجميل لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، إضافة إلى القسم التراثي والذي تعيره الفرقة أهمية خاصة، لأن تلويث هذا النمط الغنائي، بحسب أحد أعضاء الفرقة، يتم تحت مسميات كثيرة بقصد ودون قصد، لذلك تصر الفرقة بكافة أعضائها على إحياء التراث بلحنه الحقيقي، لأنه الممثل الصحيح لهوية الأغنية التراثية مع إضافة آلات جديدة أو صوت ثانٍ.

ويطمح أعضاء الفرقة إلى التوسع واحتضان النخبة من خريجي الموسيقى للمشاركة في مهرجانات وفعاليات كبيرة داخل وخارج اليمن، بجانب الوقوف على مسارح عدن وإحياء حفلات التخرج والفعاليات الوطنية والمهرجانات الأكاديمية والأعراس والسهرات الطربية، وقد بدأوا في هذا الأمر وتهاطلت عليهم الحجوزات للفترة المقبلة، منها حجوزات لحفلات تخرج وعدد من المهرجانات المحلية.

إيصال رسالة الحب والسلام

وبيّن أعضاء الفرقة أن تسويق التراث والأغاني العدنية عن طريق أصوات شابة يساعد على نشره بطريقة جميلة ومحببة ويجعل الشباب يعودون إليه، مشيرين إلى أن إمكانيات الفرقة المتواضعة تجعلها تعتمد بشكل أساسي على جهود أعضائها الذين تغلبوا على شعورهم بالإحباط من الوضع الذي تعيشه المدينة بعد أن ملوا انتظارهم أن يتحسن كي يبدأوا بتكوين الفرقة بوضع مستقر وبعد أن تأكدوا أن الانتظار لا يفيد وعجلة الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد تدور للخلف، زادهم الأمر عزيمة للبدء وتيقنوا أن الانتظار ليس الحل للوصول لأي هدف، وانطلقوا بأسوأ الأحوال وفي أوضاع أسوأ مما كانت عليه المدينة في السابق، على أمل أن يعيدوا لعدن ما تفتقده من خدمات وليكون بديلها الفن، محاولين إخراج الناس من كل الآلام والأوجاع التي عايشوها في زمن وبلد ضاع منه السلام عن طريق أدائهم الموسيقي والأجواء الوترية وإيصال رسالة حب وسلام وليؤكدوا أن عدن ما زالت بخير بشبابها الواعي الذي لا يلتفت للمعوقات أبداً.

اجتماع أعضاء الفرقة كل أسبوع تحت جنح الموسيقى جعل منهم عائلة متماسكة يسود بينهم التعاون والاحترام، حسب ما أكد أعضاء الفرقة، الذين أوضحوا أن ما جمعهم هو رسالتهم في إحياء التراث والطرب الأصيل، واجتماعهم كل أسبوع أمر ضروري حتى وإن لم يكن هناك حفل، المهم في اجتماعهم الإضافة إلى رصيدهم الفني وتطوير أدائهم أكثر.

منذ أكثر من عام تابعت شخصياً بعض أفراد الفرقة وما كانوا يقدمونه من وصلات غنائية على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بكل شغف، رغم أنف الظروف، وتميزوا بتقديم الموسيقى التي يمكنني أن أسميها بتلك الموسيقى "السمعية" والتي عشقناها من آبائنا وأجدادنا حين كانت تطرب وآذانهم وأرواحهم بسماع أغاني الطرب الأصيل والتي تحمل كثيراً من مفردات الحب وتتنوع في مقاماتها وألحانها وجملها الموسيقية.

الأمر الذي يبشر بالخير الكثير هو الهدف السامي الذي تطمح إليه هذه الفرقة الجميلة بإعادة المستوى الفني التي اعتادت عليه مدينة الفن والجمال عدن، وأن تزيح عن ذائقة العامة الانحدار إلى مستنقع الأغاني الصاخبة، ويلفت انتباههم إلى قيمة الفن، للرسالة الفنية الخالدة التي لا تمت للملوثات السمعية بأي صلة.

يبقى الأمل كبيراً أن تساهم الفرقة وكل من سيسير على خطاهم ببناء مجتمع فني واعٍ من أجل الخروج بجيل سليم يعرف ماذا يسمع، وماذا يغني، ومعالجة آثار الحفلات الشبابية التي تتميز بأغانٍ شعبية وخاصة تلك المصرية التي ذاع صيتها في الفترة الأخيرة، وهو ما يراه الكثير انحداراً في الذوق الموسيقي العام.