كتابات

الجمعة - 05 مارس 2021 - الساعة 07:51 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ بسام شمس الدين*:


جميعنا نكتب، ونتناول المفردات ذاتها، ولكن هناك فرق من حيث اختيار الحبكة وحسن تدويرها وإدارتها، وهنا تكمن براعة الكاتب في خلق أحداث جذابة تجعل المتلقي يلهث وهو يطارد السطور، ومن علامات الحبكات الجيدة في النص القصصي أن تجد من يخبرك أنه رأى شخوصك تتحرك في المكان الذي أبرزته بالوصف والتصوير، وهنا تكمن دقة الكاتب في وصف بيئات النص بحيث تبدو مألوفة لك، وبطبيعة الحال يرتبط وصف الشخصيات والأماكن والأشياء ارتباطا متينا بالحبكة، لذا فإن حبكتك أو فكرتك الرئيسة هي التي تحدد إن كان المتن السردي بحاجة إلى وصف وصور فنية أم يعوزه التداعي واستدعاء الذكريات، مثلا إن كنت تتحدث عن رحلة أو مغامرة إلى البراري والجبال المعزولة، فلا يمكنك أن تكتب سردا قويا دون وصف الطرقات والشعاب والحوادث التي وقعت في رحلتك، وفي الروايات البوليسية تحتاج إلى وصف طريقة حدوث الجريمة أو المشكلة التي تتحدث عنها، وحتى في روايات الخيال العلمي لا تستطيع أن تتخلى عن وصف الكوكب الذي اكتشفته أو الحيوانات الخارقة التي عثرت عليها أو أي شيء غريب صادفك أثناء السرد.

أما الروايات العاطفية فإن الوصف يقل فيها لصالح الحوار والتداعي المسهب للأحداث العاطفية التي لا تقتضي منك سوى إخراج رصيدك من الكلمات الرقيقة أو المتبرمة، ويكفي أن تصف حبيبتك البريئة أو المختالة بأنها رقيقة أو قاسية، في حين تسرد عدد كبير من الصفحات في استدعاء عواطفك الحبيسة، مثلا في روايتي القادمة التي شرحت لكم سابقا عن حبكتها لا أحتاج أن أسهب في وصف حالي المحبط أو نحولي بسبب تبريح الحب وعذابه، وأظن أن الإفراط في الرومانسية والتغزل بمفاتن الأنثى صار يتلاشى في هذا العصر المادي الصرف الذي تغيرت فيه المعايير والرؤى حول العلاقات الحميمية بين الجنسين، ولم تعد العواطف الرومانسية تشكل رقما، ولم يعد بوسعك سماع قصة حب عاصف بين عاشقين سوى في الأرياف والبوادي المعزولة الصارمة التقاليد، لأن ما يجعل الحب عاصفا وملتهبا هو الفصل القسري بين الجنسين، وليس كما يظن البعض أن الحب يكون كثيفا وفائضا لدى العاشقين اللذين يمتلكان قلوبا ملائكية وهوسا لا يملكه الآخرون، ومن وجهة نظري أن أي عاشقين ـ في أي مجتمع مكبوت ـ يؤمنان بعدالة هذا الحب ومشروعيته، فإنهما يمكن أن يقاوما المعوقات أيا كانت، وفي حالتي، لا أحبذ أن أغرق في الرومانطيقية، لأنها لا تفهم سوى القليل من العواطف الحميمية لا سيما بعد أن فقدت ثقتها بالرجال الأغبياء الذين لا أعرف عنهم شيئا بعد، وتسكن في مجتمع غربي حر، وإن كانت تملك قلبا نابضا وجسدا ناضجا ملتهبا، فإنها لن تفكر سوى بشخص فقير طيب يملك مفاهيم متقدمة عن الأنثى، ويؤمن أن بوسعها أن تقوده إلى أي مكان دون أن يشعر بأي استياء، وحتى إن كانت تهيم عشقا فإن نضجها وتجاربها جعلتها أكثر تحكما بعواطفها، ولا تريد أن تبرز جانبها اللطيف لأن ذلك لم يعد يناسب شخصها الجديد. وبغض النظر إن كانت مصيبة أو مخطئة في رؤيتها للأمور، فإن هذا لا يهم، لأن الرواية تسرد ما يجري وليس ما يجب أن يجري، والسرد الممتع والمشوق ليس بالضرورة أن يعالج الأضرار في هذا العالم. ودعوني هنا أختم هذه الحلقة باستهلال للرواية التي أفترض أن بوسعي كتابتها عن فتاتي المتخيلة وأرجو أن تخبروني عن الاستهلال الذي تظنوه ممتعا، وكل ما ترونه وتقترحونه يعتبر مشوقا ومجديا..

"لا أصدق كل ما يقوله الحكماء والأطباء والأدباء عن الحب والصحة والمشاعر، ولا أعرف كيف أبدأ بالحديث عن تلك المرأة البعيدة عني في المهجر، قالوا إنها ليست جميلة وهذا لا يهم، أليس من الغباء أن أنجذب إلى امرأة غائبة رأيتها في صورة؟ ما يجعلني أفترض أنها هي ملاكي الحارس الذي طار من البلد ليلا دون أن يتسنى لي رؤيته؟ حتى ما دار بيننا من حوار ليس مقياسا لأقع في حبها، لقد وقع الفأس في الرأس يا قوم، ولم يعد هناك جدوى للحسرة، بطبيعة الحال، لم أعرف لاحقا أنها تملك بعض المال وتتاجر في شيء ما إلا في وقت متأخر، ألهذا السبب بدت منفوخة مثل ديك رومي وهي تحدثني، ولا ترد على رسائلي سوى بعد يومين؟ جرحني هذا الاكتشاف المريع، وسألت نفسي هل تظنني طامعا بمركزها السخيف؟ هذا كافٍ لأجزم أن ابتعادي عنها صار واجبا مقدسا إن شئت أن احتفظ بشيء من كبريائي الغبي، وفي بعض أوقات سلواي أعاتب نفسي مبررا سلوكها على أنه طبيعي، لعلها تهتم لأمرك، لأن جميع الذين يحيطون حولها يتمنون أن تعطيهم النزر القليل من الاهتمام الذي تمنحك إياه، لا يعقل أن تقول لك لأول وهلة، خذني إليك يا قلبي النابض.. إنها في النهاية فتاة شرقية كانت في يوم من الأيام تستر جسدها كله بدثار أسود ثقيل، حتى لتبدو على شكل شبح مخيف، ولا ريب أن روحها ما زالت مدثرة بالخوف والارتياب، ولا تنس أنها ما زالت مرعوبة من أي شيء يأتي من بلدها، ولا يهم أن تكون كاتبا أو حتى إلها، فأنت في النهاية رجل وهي ببساطة تمقت الرجال...".

*روائي وقاص يمني