كتابات

الخميس - 11 مارس 2021 - الساعة 01:15 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ علي أحمد قاسم*:


كنت أتابع نصا قصصيا بحيث كل مشارك يتخير عنوانا بديلا للعنوان الأصل والذي وضعه كاتب النص والبعض يعلق بالقول (العنوان المفتوح) وكأن بقية العناوين أو العنونة المقترحة ليست مفتوحه بل مغلقة.. باختصار شديد العنوان المفتوح هو: (العنوان القابل للتأويل من المتلقي بتفسيرات مختلفة ودلالات مختلفة بحسب رؤية التلقي وثقافته وفكره وقدرته النقدية بينما العنوان المغلق هو: (ذلك العنوان الذي يعطي دلالالة واحدة وغير قابل للتأويل وغالبا ما يكون كلمة من النص أو أنه واضح لا يقبل التعدد والتفسير).

ومن هنا يقودنا الطرح إلى مفهوم العنوان في النص الأدبي.
وقبل تناول هذا ذلك نعرج على دلالات في المعجم.
فقد جاءت العنونة من الأصل اللغوي "عنن" والتي أتت بالمعاني التالية:
- عن له الأمر "بدا وظهر"
- عن الأمر بفكره "عرض"
- عن الشيء "انصرف عنه وارتد"
- عن الرجل "عجز عن الجماع"
- عن الكتاب "اتخذ له عنوانا"
- عنان السماء "الشيء المرتفع والظاهر منها"
- عنان الفرس "لجامه الذي يضبط به".

ومما سبق يمكن القول:
الدلالات عكست للقارئ:
- الظهور دون الوضوح والظهور قد يكون جزءا وليس الوضوح للشيء كله.

والظهور بعد اختفاء لذلك يقال: ظهر الهلال "فهو تبشير لمراحل لمنازل القمر خلال شهر لفت للجديد المتراكم والمغاير لماسبقه وكأن العنوان تبشير بدلالات لا تنتهي وظهور لشفرة للولوج لعوالم النص.

- من خلال "عن لي الأمر" إذا عرض على الفكر وشاغب الذهن بعد تأن أو غفلة أو تأمل فعن له الأمر "خطر بباله" ويكون ذلك حول مشكل لإبداء الحل أو التلويح بالتجديد ففي العنوان إثارة للفكر واستفزاز للمشاعر.

- وفي: "عن الكتاب" "اتخذ له عنوانا" أي ميزه عن غيره ووسمه بما لا يشبهه ليس فحسب جاء ذلك بعد جهد ومشقة حتى بلغ الغاية في تخصيص الكتاب بما يميزه.

وعليه فإن الدلالات في المترادفات ارتبطت بالفكر بإثارة المخيلة والمشاعر ويتطلب ذلك جهدا كبيرا من المتلقي.

وكان ظهور وغموض ووضوح وجزء من كل وإثارة وحذب وتعلق ولفت بما يفضي لفنية العنوان.

أما من الناحية الفنية فالعنوان هو: "يعد العنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية؛ نظرا لكونه مدخلا أساسيا في قراءة الإبداع الأدبي والتخييلي بصفة عامة، والروائي بصفة خاصة. ومن المعلوم كذلك أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى. وهو العلامة التي تميز النص وتسميه وتميزه عن غيره".

أو أنه: تلك الجملة المختارة بعناية والتي ترتبط بالنص والمتلقي وآفاق التأويل.

وإذا تساءل القارئ ما أهمية العنونة؟
أولت الدراسات الحديثة العنونة بوصفها الإشارة الأولى للنص والعتبة الموازية لدلالات النص وهي القدرة الاحترافية من الكاتب بإشهار نصه وتمييزه عن غيره فضلا أنها علامة سيميائية للنص وجنسه ودلالاته وخطابه ناهيك عن وظيفية العنوان التداولية بين الملقي والمتلقي والسياق العام للدراسة والعنونة هو تلك الأيقونة والنافذة للولوج لعوالم النص الداخلية فضلا عن الوظيفة التأثيرية للعنوان ومن شروط العنوان أن يكون مثيرا جاذابا وملغزا وليس بالواضح كل الوضوح ليحيل لدلالة صفرية.

ولأن العنوان نص مواز فما المقصود بالنص بالنص الموازي؟
فالنص الموازي هو "تلك العتبات والمحلقات التي نطأها قبل الولوج لعالم النص".

ومن خلال المفهوم يلحظ "العتبات التي نطأها قبل الولوج "بمعنى تثير مخيلة المتلقي لقراءة النص وتفسيره وتهدي القارئ لسبر الدلالات العميقة في النص ولذلك قيل في موازٍ:
- يشابه النص من حيث جنس النص ومن حيث دلالته ونعلم أن العلاقة المشتركة بين المشبه والمشبه وجه الشبه ولا يشبه في كل شيء.

- يماثل النص: أي يوازنه بحيث يختزل نسيج النص ولا يشترك في شتات الخطاب عبر نسيج النص.

- يجانس النص: يأتيه متوائما مع جنسه وليس من خيث الخصائص والمميزات فعلى سبيل المثال في الققج من الضرورة بمكان أن يكون النص مختزلا مكثفا لكن في الرواية قد يكون طويلا إما يأخذ عنوانا يهتم بالمكان لأن مكثفا قد يختار الأحداث والشخصيات.

ولأن العتبة هي "المكان الأول في البيت ومن خلالها نصل لأي مكان في البيت" فإن العتبات عموما من العنوان لعلامات الترقيم والألوان ونوعية الغلاف والتواريخ والتمهيد والخاتمة كلها عتبات توصل المتلقي للغاية من النص وقراءة أسراره وكشف دلالته وكل ترتبط بالنص والكتاب وليس بعيدة فلا يكون العنوان في واد والغلاف في واد آخر، فعلم النص يهتم بتلك الإشارات.

وآخرا أنوه، العنوان قدرات كاتب يكشف عن قدراته الإبداعية وثقافية النقدية.

* كاتب وناقد أدبي