فنون

الأربعاء - 31 مارس 2021 - الساعة 11:12 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/زيد خلدون جميل*


يتملك المرء حلم يقظة متكرر يذكره بالزمن الجميل من الماضي، الذي يرى فيه أناسا يفتقدهم بمرارة، لأنه عرفهم أو قرأ عنهم، وفقدانهم يسبب ألما يعصر قلبه، ويستمتع المرء بهذا الحلم، على الرغم من الإحساس بالحزن، لكونه لن يعود. ويزداد تفكير كل إنسان تقريبا بالزمن الجميل، كلما تقدم بالسن خاصة عند تفاقم المشاكل والهموم. ولكن إلى أي درجة من الممكن أن يتعلق الإنسان بالماضي الجميل؟

كان هذا موضوع فيلم «منتصف الليل في باريس» Midnight in Paris الذي قد يكون أفضل أفلام الممثل والمخرج والكاتب الأمريكي وودي ألن، حيث كانت القصة الخيالية ذات مغزى يلمس أكثر مشاعر المُشاهد حساسية. وكان اختيار الممثلين موفقا، وكذلك الإخراج الرائع الذي جعل تطور الأحداث سلسا، ما جعل المشاهد يتابع الفيلم بسهولة واستمتاع، وكأنه حلم جميل. أما أحداث الفيلم، فكانت جميعها في العاصمة الفرنسية «باريس»، حيث تناول الفيلم حقبا مهمة من تاريخها الحديث غير معروفة لأغلبية المشاهدين.

أحداث الفيلم

تدور أحداث الفيلم في باريس عام 2011، حيث يقضي كاتب سيناريو الأفلام «جيل» وخطيبته ووالداها العطلة الصيفية في باريس. وكان «جيل» يطمح لأن يصبح أكثر من مجرد كاتب سيناريو، ويصبح كاتبا للروايات. ولذلك كان قد بدا بكتابة روايته الأولى عن شخص يملك متجرا للذكريات، مقتبسة من حياة «جيل» نفسه وتجاربه مع خطيبته. ولكن هذه الخطيبة لا تشاركه طموحاته الأدبية، وتسخر من الرواية طالبة منه الاقتصار على كتابة سيناريو الأفلام. أما والداها الثريان، فلا يخفيان كرههما واحتقارهما له، غير آبهان بمشاعره. ومما زاد من توتر الموقف الخلاف بين الخطيبين، إذ يفكر «جيل» جديا بالانتقال إلى باريس، التي وجدها جذابة، لاسيما عندما ينهمر المطر، ما يجعله يشعر بالإلهام للكتابة الروائية، بينما ترغب خطيبته السكن في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. ويلتقي الخطيبان بأحد أصدقاء الخطيبة وزوجته، وأثناء زيارة الجميع أحد المتاحف الباريسية، يقوم ذلك الصديق باستعراض معلوماته الثقافية عن المعروضات، ما أثار اعجاب الخطيبة وامتعاض «جيل». وبعد قضاء الجميع أمسية في إحدى حانات باريس، يقرر «جيل»، الذي كان قد ثمل بعض الشيء، العودة إلى الفندق مشيا بينما يقرر الآخرون العودة في سيارة أجرة.
وأثناء سيره في أجواء باريس الليلية، يسمع دقات الساعة معلنة منتصف الليل، وإذا بسيارة من سنوات العشرينيات تقف أمامه وعلى متنها أشخاص يرتدون ملابس تلك الفترة، ويدعونه للانضمام إليهم في حفلة، ويوافق «جيل» بدون تردد. ويدخل الجميع مكانا غريبا من فترة العشرينيات وفيه حفلة راقصة وصاخبة أثارت إعجاب «جيل»، الذي يلاحظ شيئا غريبا في أجواء الحفلة، فالموسيقى والرقصات وأزياء الحاضرين، وكل ما في المكان يعود إلى فترة العشرينيات، فيشعر وكأنه في فيلم سينمائي عن تلك الفترة، ما أصابه بالقلق والدهشة. في تلك الأثناء وجد نفسه أمام شاب وشابة في العشرينيات من عمريهما في غاية الأناقة، فسألهما أين هو، والارتباك واضح على محياه. وكان جوابهما إنها حفلة الشاعر الفرنسي الشهير جان كوكتو، وإذا بـ»جيل»يصاب بصدمة، حيث اكتشف فجاة أنه يتكلم مع الكاتب الأمريكي الشهير سكوت فيتزجيرالد وزوجته زيلدا، اللذين كانا من سكان باريس في العشرينيات، وهذا يعني أنه انتقل بطريقة ما إلى تلك الفترة. ولكن كيف؟ وقبل أن يجد الإجابة لهذا السؤال تشعر زيلدا بالملل، فتأخذ «جيل» وزوجها إلى جولة في حانات باريس، ويلتقون بشخصيات فنية كثيرة من فترة عشرينيات القرن العشرين مثل الراقصة الأمريكية جوزفين بيكر، والكاتب الأمريكي أرنست همنغواي، الذي يخبر زيلدا، أن روايتها الجديدة ضعيفة، ما يثير غضبها، وتغادر الحانة منزعجة مع مصارع ثيران إسباني شهير، وسرعان ما يلحقهما فيتزجيرالد، قلقا من كون زوجته وحيدة مع ذلك الإسباني المعروف بعلاقاته النسائية. ويدخل «جيل» في نقاش أدبي مع همنغواي، الذي يخبره عن استحالة الكتابة إذا كان الكاتب يشعر باليأس، وإذا كانت المرأة التي يحبها الكاتب لا تجعله يتخلى عن ذلك الشعور، فعليه البحث عن حب حقيقي لدى امرأة أخرى، وأن عليه ألا يتردد في الكتابة الجدية، إن أراد أن يكون الأعظم في الكتابة، ولكنه لن يكون الأعظم بسبب وجود همنغواي طبعا. ويطلب همنغواي منه اطلاعه على روايته، التي يحاول إنهاءها كي يعرضها على راعية الكتّاب الأمريكيين في باريس، الكاتبة المعروفة غرترود شتاين. ويخرج «جيل» من الحانة مسرعا باتجاه فندقه لجلب مخطوطة روايته، ولكنه عندما يعود إلى الحانة يجد نفسه قد عاد إلى عام ألفين وأحد عشر، وأن الحانة أصبحت محلا لغسل الملابس. ولكن هذا لا يحبط «جيل»، ففي الليلة التالية يسير في الشارع حاملا روايته ويسمع دقات الساعة معلنة منتصف الليل، وإذا بالسيارة الصفراء تتوقف أمامه وفيها أرنست همنغواي، الذي يدعوه للانضمام إليه. ويذهب الاثنان إلى منزل غرترود شتاين. وهناك يلتقي «جيل» بالرسام العالمي بابلو بيكاسو وعشيقته التي كانت تعمل موديلا لديه «أدريانا» التي تبدي إعجابها بـ»جيل»، وتخبره أنها تعشق الزمن الجميل. وتتكرر زيارات «جيل» للماضي، ويلتقي بأشهر فناني ومثقفي تلك الفترة، مثل الرسام الإسباني دالي. ويقلق غيابه الليلي المتكرر خطيبته، التي بدأت بالتساؤل إن كانت له علاقة بامرأة أخرى.

* القدس العربي