كتابات

الخميس - 01 أبريل 2021 - الساعة 10:54 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ الدكتور يوسف زيدان*


الجهاد بحسب الأصول الإسلامية، هو جهادان: أكبر وأصغر
الجهاد ليس مفهوماً إسلامياً خاصاً، ولكنه مفهومٌ دينى عام، أصيلٌ، فى اليهودية والمسيحية والإسلام.. فإذا عرفنا ذلك، فلا بد أيضاً من أن نعرف أن الجهاد بحسب الأصول الإسلامية، هو جهادان: أكبر وأصغر. وقد ورد فى الحديث الشريف، أن الجهاد الأصغر هو القتال.. أما جهاد النفس، فهو الجهاد الأكبر.

وقد أدَّت التفرقة الإسلامية المبكرة بين هذين الجهادين (الأصغر والأكبر) إلى فروق كبيرة بين تراث هذا الجهاد وذاك. فمن خلال الاجتهادات الفقهية المتوالية، اجتمع تراثٌ فقهى عُرف فى مجال الدراسات الإسلامية باسم (فقه الجهاد) وهو الباب الفقهى الذى يؤطِّر السعى الجهادى، بالمعنى الحربى، ويحدِّده بضوابط ومعايير كان بعض القادة الفاتحين يلتزم بها، والبعض الآخر يصرف عنها النظر!

أدى مفهوم الجهاد الأصغر إلى النتاج الفقهى المسمى اصطلاحاً «فقه الجهاد»، فما الذى أدَّى إليه مفهوم الجهاد الأكبر فى تاريخ الإسلام، أعنى مفهوم: جهاد النفس؟.. منذ القرن الهجرى الأول.

بدأت النشأة الأولى للتصوف الإسلامى كطريقٍ روحىٍّ يهتم اهتماماً خاصاً بإصلاح عيوب النفس. والنفس الإنسانية، حسبما ذكر الصوفية السابقون، جُبلت على خصال مذمومة كالكسل وحُب الراحة والتنعُّم والجهل والميل للأمور الدنيوية.. إلخ، ولو ترك الإنسان العنان لنفسه، مالت به إلى حيث تشتهى.

لكن النفس الإنسانية كما قال الإمام البوصيرى فى (البردة) هى كالطفل: إن تهمله شبَّ على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم. وهذا (الفطام) المشار إليه، هو الجهاد الأكبر الشاق على النفس. ولذلك، فالعملُ جهادٌ شاق، وتحصيلُ العلم جهادٌ شاق، ومخالفةُ نوازع الهوى جهادٌ شاق، ومواصلة الجهود جهادٌ شاق.. إلخ.

لكن إخواننا من المسلمين المعاصرين الذين أعطوا لأنفسهم مؤخراً اسم (المجاهدين) تركوا الجهاد الأكبر هذا، ونذروا أنفسهم للجهاد الأصغر.. الأسهل.. الأَهْوى.. الأَسْيس! بل ولم يلتزموا أصلاً بفقه هذا الجهاد الأصغر، فجنحوا إلى إصلاح حال البلاد بقتل العباد.

ولجأوا إلى المغارات والكهوف، فارِّين من «الحكومات» التى رأوها على اختلافها ظالمة، وهاربين من بلادهم التى صارت بحسب مذهبهم كافرةً فاسدةً.

وقد اختاروا الحل الأسهل، كيلا يصبروا ويصابروا ويجاهدوا الجهاد الحقيقى (الأكبر) الذى من شأنه إصلاح أحوال البلاد والعباد، وهو ما يقتضى الاحتمال والكدَّ والجهد من أجل تحصيل العلوم والمعارف، والصبر على العمل المنظم، ومخالفة أهواء النفوس..

ولأنهم يائسون من الحياة، فهم يطلبون الموت لغيرهم، بل ولأنفسهم إن احتكم الأمر! آملين أن يحصِّلوا فى الآخرة، ما فقدوه فى الدنيا.

* كتاب "متاهات الوهم"