كتابات

الجمعة - 09 أبريل 2021 - الساعة 09:12 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ علي عبدالله العجري:


لم يعرف له سيدا سواه مذ عرف نفسه كلب حراسة وقنص وصيد وسطو كذلك. كلب فريد من نوعه لم يحصل ان كلبا حاز كل هذه المميزات مجتمعة. كان سيده يتباهى به ولا يكف عن التغني بشجاعته واقدامه ووفائه برغم انه لا يعطيه من الطعام إلا أقله.

كان يسلطه على المارين بشارعه والساكنين من جيرانه لانتزاع ما في أيديهم. يعود بما نهب إلى سيده ولا يتغذى الا بالفتات.

وكان من عادة السيد أن يجوّع كلبه حتى يتحول إلى وحش كاسر فينقض على أول فريسة أمامه بكل ما له من غريزة التوحش المدفوعة بنهم الجوع المفرط ومسلحا بحاسة شمه الخارقة في اكتشاف ما يمكن ان يُؤكل أو يُسلب في محيطه... يحدد هدفه على بعد مسافات مدهشة وينقض عليها كالصاعقة الرهيبة.
***
حسنا يا كلبي العظيم، يبدو أن حاستك الفذة اكتشفت قطعة لحم في مكان ما من الحي انطلق والتهمها هي لك وحدك اليوم.... وما هي إلا لحظات حتى تكون قطعة اللحم تلك قد استقرت في جوف الكلب المرعب.

لا أحد يستطيع رده رغم كل وسائل التحوط ورغم ما يلاقيه الكلب من صنوف الضرب المبرح والطعنات بالالات الحادة والجارحة التي تثخن فيه الجراح في معظم عمليات السطو والمهاجمة. الكلب يدرك جيدا أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنه ان يأكل من خلالها، بل أصبح معتادا على هذا السلوك اليومي.

وإلى جانب اشباع جوعه كان يقوم بخدمات اخرى لسيده منها سرقة الاشياء الثمينة والعودة بها من أماكن لا تخطر على بال احد، فضلا عن حراسته الامينة للمنزل والنباح المزلزل الذي يشبه احيانا زئير الأسد وقد ينقض عاصفا على اي شخص بمجرد اشارة من سيده. لا يتجاوز حوش البيت الى الداخل حيث البناء المترف والبذخ الفاحش وكل ما لذ وطاب من المأكل والمشرب. يظل رابضا اغلب الوقت في باب الحوش الكبير يترقب المارة ويجول بحاسة شمه آفاق الحي لتحديد ما يمكن ان يؤكل او يسرق.


اشتكى الناس كثيرا من هذا الكلب البغيض في نظرهم واكثر من شخص هم بقتله لكن سيد الكلب لهم بالمرصاد مستغلا سطوته وسلطته واهل الحي في الغالب فقراء وبسطاء وجبناء كما قال احد مجانينهم.

اغلبهم هجر الحي بعيدا، مما صعب المهمة على الكلب. لم يعد امامه ما يسطو عليه. وصاحبه يصر على عدم اطعامه. بل اصبح يشتمه ويهينه ويتهمه بالكسل وعدم الفعالية.
وذات ليلة كان السيد يلتهم غذاءه في حديقة المنزل، وعلى المائدة ما لذ وطاب من اللحوم، والكلب رابضا تحت قدميه يتضور جوعا ويتمسح بحذاء سيده عله يرمي له بعظم او فتات دون فائدة.

قال الكلب لنفسه: لماذا لا أنقض عليه وانتزع ما اريد من طعام؟ لكن ذلك يخالف وفاء الكلاب وستكون بدعة سيئة في جنسنا!

ليس وفاء وإنما هو الخنوع والامتهان. هذا السيد طالما استغلني. وكم قدمت له من خدمات، وها هو يأكل بإسراف وانا اتلوى جوعا...

فجأة قفز الكلب كالأسد الغاضب وانقضّ على رقبة سيده ولم يتركه إلا جثة هامدة، هامسا لنفسه: لم أخنه، هو من خانني، ولم أعضّه وهو من عضني.