تفاصيل

السبت - 10 أبريل 2021 - الساعة 04:38 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ العرب/ أميرة فكري:


تنتظر القنوات الفضائية الموسم الرمضاني لاستقطاب المعلنين وزيادة أرباحها، ما جعل المسلسلات جزءا من الفقرات الإعلانية، وليس العكس، لكن الجمهور لديه البديل الرقمي الخالي من الإزعاج الإعلاني والذي يملك ميزة المشاهدة في أي وقت بمقابل بسيط.

يترقب الجمهور العربي انطلاق الموسم الدرامي الاستثنائي خلال شهر رمضان، لكن الشغف بهذا الحدث بات بعيدا عن انتظار معرفة خارطة القنوات الفضائية التي لديها ميراث سلبي مع المشاهدين، لإصرارها على استفزازهم بإطالة أمد الإعلانات في كل مسلسل وتكرار الفواصل، حتى فقدت الدراما جاذبيتها.

ولم تدرك القنوات أن المجتمعات العربية تغيرت، وأصبحت تمتلك بدائل عديدة تمكنها من التمرد على أن تكون أسيرة لواقع درامي يصيبها بالغثيان ويجعلها أسرى للشاشة.

استثمرت المنصات الرقمية النفور الجماهيري وقدمت عروضا سخية لإغراء المزيد من هواة الدراما بالاشتراك، لزيادة عوائدها المادية، فقد أتاحت قبل أيام منصة “واتش إت” المصرية لمن يريد الحصول على خدماتها دفع مبلغ زهيد، يقدر بسبعة دولارات ونصف الدولار لمدة ثلاثة أشهر، لمشاهدة نحو 18 مسلسلا جديدا في رمضان وما بعده، بلا فواصل إعلانية تقريبا.

وحققت المنصات نموا ملحوظا العامين الماضيين، على وقع هجرة الكثير من المشاهدين لشاشات التلفزيون التي تتلاعب بالجمهور، وتتحكم في مواعيد بث المسلسلات الهامة في توقيتات معينة، مع إغراقها بإعلانات التسول والأعمال الخيرية وعرض نماذج لأسر مريضة وفقيرة ترهق الناس نفسيا، في تناقض غريب مع التكلفة المبالغ فيها للأعمال الدرامية المصرية التي وصلت ميزانيتها هذا العام لنحو 800 مليون جنيه، أي حوالي 54 مليون دولار.

وميزة المنصات الرقمية التي تشارك القنوات في بث الدراما الرمضانية، أنها تتيح للمشاهد حرية مطالعة الإعلان أو تمريره لاستكمال حلقة المسلسل، والجمهور وحده من يحدد توقيت العرض، في حين أن المحطات التلفزيونية لديها خارطة ومواعيد بث للمسلسلات لا تتناسب مع ظروف نسبة كبيرة من المشاهدين.

وقال المنتج الدرامي والإعلاني عمرو قورة في تصريح خاص لـ”العرب”، إن القنوات التلفزيونية لم تدرك بعد حالة الانقلاب التي حدثت في عادات المشاهدين، وما كان مقبولا في الماضي لا يمكن الاستسلام له الآن.

وأضاف أن هناك حاجة ملحة لتفهم الفضائيات التطلعات الجديدة للجمهور، من محتوى درامي وإعلاني مختلف ومتطور وبطريقة مبتكرة، بعيدا عن الملل والرتابة وتجاهل أذواق الناس، وهي نقائص تعوضها المنصات.

ولأن هناك تُخمة في الأعمال الدرامية خلال الموسم الرمضاني، فمشاهدتها كلها أو حتى نصفها تتطلب من المتلقي البقاء أمام التلفزيون طوال اليوم، إذا تم حساب الوقت الفعلي للمسلسل مضافة إليه الفواصل الإعلانية التي تتجاوز مدتها الفترة الزمنية للحلقة، ما جعل رمضان موسما لهجرة الجمهور إلى المنصات الإلكترونية، حيث تمنحه حرية القرار وتحديد ما يمكن مشاهدته في الوقت الذي يناسبه.

ويُمني متابعون لهذه الحالة أنفسهم بأن تكون القنوات التلفزيونية، المصرية تحديدا، تعلمت الدرس من السنة الماضية، قبل أن تصل علاقتها بالجمهور حد القطيعة في الموسم الدرامي المقبل أمام الإصرار على أن تكون المسلسلات جزءا من الإعلانات، بعدما صار أغلب المشاهدين يمتلكون بدائل كثيرة لا تجعلهم أسرى للشاشة الصغيرة.

واستبعد قورة أن يكون المشهد الدرامي على الفضائيات مختلفا عن العام الماضي، إلا في القنوات التي أدركت مبكرا خطورة العداء مع الجمهور، مثل شبكة “إم.بي.سي”، حيث خفضت المساحة الإعلانية بالمسلسلات للحد الأدنى مع رفع سعر كل إعلان، مؤكدا أنه ليست هناك نية لدى الكثير من المشاهدين رؤية مسلسل مدته نصف ساعة في قناة تعرضه في وقت يتجاوز الساعة، إلا من يجهلون استخدام المنصات الرقمية.

وبغض النظر عن توجهات الفضائيات، هناك تنافس واضح بين المنصات الرقمية العربية على كعكة الإعلانات في ظل تزايد الإقبال عليها، حيث تسعى كل منصة لتوفير خدمات مميزة للمشتركين الحاليين أو الجدد، فالمشاهد المصري مثلا أصبح يفاضل حاليا بين “واتش إت” ولها 18 عملا، ومنصة “شاهد” التابعة لمجموعة “إم.بي.سي” التي حصلت على حقوق عرض 14 مسلسلا، ويترقب ما سوف تعلن عنه منصة “فيو” قبل رمضان.

وغير متوقع أن تعرض هذه المنصات الأعمال الدرامية في الموسم الرمضاني دون الحصول على عوائد قيمة من المشاهدين، سواء في صورة اشتراكات لفترة زمنية محددة، أو الدفع مقابل الوصول إلى المسلسل، أو حتى من خلال الفواصل الإعلانية المتحكم فيها، لكنها لن تغامر بالتعاقد على مساحات كبيرة من الإعلانات بشكل يصيب جمهورها بالملل الذي هرب من التلفزيون بسببه، لأن الذي يدفع مالا يريد خدمة ترضيه وتلبي احتياجاته.

وكشف مسؤول بقطاع الإعلانات في إحدى القنوات المصرية لـ”العرب”، أن هناك اعتقادا لدى الجمهور بأن كل الإعلانات التي تتم إذاعتها وسط المسلسلات الرمضانية مدفوعة الأجر، وما يحدث أن المحطة تتعاقد مع المعلن على إذاعة الإعلان في برنامج أو مسلسل بعينه، وتكرر إذاعته في توقيتات مختلفة ترضية لصاحب الإعلان، أي أنه يدفع التكلفة لمرة واحدة بمبلغ مرتفع والباقي مجاملة غير مربحة.

وما يعزز اتساع دائرة القطيعة بين الجمهور والقنوات خلال الموسم الرمضاني، أن عدد مشتركي الإنترنت تجاوزوا الخمسين مليون مواطن في مصر، وهو رقم تعوّل عليه المنصات الرقمية عند عرض المسلسلات، بالتالي فالحصول على اشتراك رمزي من بعض هؤلاء كفيل بتحقيق مكاسب ضخمة للمنصة المحلية.

ويرى متخصصون في قطاع الإعلانات أن المنصات الرقمية صارت توفر للجهات المعلنة ميزة استثنائية غير موجودة في القنوات التلفزيونية، وهي قياس نسب المشاهدة، في ظل غياب الحد الأدنى من الأدوات الإعلامية التي تقيس التأثير الدعائي للمنتج، أو المسلسل، فلا أحد يستطيع بالضبط معرفة عدد مشاهدي كل إعلان أو عمل درامي، فقياسات المشاهدة الراهنة دخلت فيها حسابات الدعاية والمصالح.

كما أن الكثير من المعلنين على القنوات بدأوا يشعرون بعدم جدوى التسويق للمنتج ضمن العشرات من الإعلانات، وهذا غير موجود على المنصات، إذ تتضمن حلقة المسلسل عرض إعلانين أو ثلاثة على أقصى تقدير لمواكبة احتياجات الجمهور، وتقليل المساحات الإعلانية للتسويق للمنصة نفسها.

في المقابل، مازالت القنوات مصممة على التعامل مع الجمهور بعقلية تجارية فقط، ما يهدد استمراره، ويهبط بنسبة المشاهدة إلى الحد الأدنى لصالح الهجرة الجماعية للمنصات، بشكل يعظم خسائر المحطات شعبيا واقتصاديا.

ولم يعد هناك بديل عن وجود اتفاق أخلاقي ومهني بتحديد مدة الفواصل الإعلانية والكف عن إجبار الناس على نمط معين، لأن تداعيات ذلك قد تقود إلى انقلاب مرتقب في سوق الدراما والإعلانات.

وستجد كل قناة تفتقر لامتلاكها خارطة مبتكرة لطريقة التعامل مع الموسم الرمضاني، دراميا وإعلانيا، نفسها في مهب الريح، لأن ما يحدث من المنصات الرقمية يمهد لتغيير جذري في السوق، والبقاء لن يكون إلا لمحطات تحترم عقل الجمهور.

ومن المرجح أن تتغير المعادلة وتصبح المنصات منفذا هاما لا غنى عنه للمعلنين، لأنه صار بإمكانهم معرفة جماهيرية كل عمل بوسائل قياس المتابعة لهم للتركيز عليه والتعاقد مع المنصة لتسويق المنتجات من خلاله بطريقة جذابة وأقل كلفة، ما يمهد الطريق لتطوير وتحسين المحتوى الإعلاني بدلا من العشوائية الحالية.