كتابات

السبت - 17 أبريل 2021 - الساعة 11:12 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ كمال القاضي*:


سيناء هي الإشارة للأرض والمكان والزمان والأوطان، والرمز الأكثر حضوراً في الأفلام المصرية والأغاني الوطنية، ذلك أنها لم ترد بالذكر والفكر إلا مقرونة بالحروب والانتصارات والانكسارات، فقد تم التركيز عليها إعلامياً بحكم المعارك التي جرت على أرضها واستغرقت سنوات. ففي حرب عام 1967 التي انتهت بنكسة عسكرية أدمت القلوب، كانت مشاعر المصريين مُتعلقة بها كأهم بقعة في أرض مصر المحروسة، ولم تكن أحداث النكسة سوى مقدمة لإشعال جذوة الحماس واستنهاض الهمم واستلهام الإبداع الشعري والغنائي والقصصي والروائي والمسرحي والسينمائي.
لم تمر الأحداث الثقيلة مرور الكرام ولكنها بقيت ركيزة إبداعية في الوجدان المصري، حيث جاءت على إثرها أجمل الأغنيات الوطنية والوصفية، فقد غنى عبد الحليم حافظ في إشارة إليها «خلي السلاح صاحي» و»ابنك يقولك يا بطل هات الانتصار» و»أحلف بسماها وبترابها» و»البندقية» و»فدائي» و»يا بلدنا لا تنامي». ففي غمرة الإحساس بالألم كان الشعور العام بالأزمة متوحداً والكل على قلب رجل واحد، وكان لا يزال جُرح النكسة ينزف والملايين من المصريين يتطلعون إلى نشيد النصر المرتقب.

وقد حدث بالفعل، انقضت أيام الوجع والانكسار وجاءت معركة الاستنزاف لتُعيد دوران رحى الحرب مجدداً على أرض الكنانة ورمال الذهب والبقاع المُقدسة من أرض الفيروز، فيغني حليم أيضاً مع رفاق النضال والكفاح المُسلح، بليغ حمدي وكمال الطويل ومحمد الموجي وعبد الرحمن الأبنودي ومحمد حمزة وصلاح جاهين ومحسن الخياط وعلي إسماعيل أغانية وملاحمه الشهيرة، «اضرب – أشجع الرجال – بركان الغضب – راية العرب – الاستعمار – روح الأمة العربية – جمال يا حبيب الملايين – بستان الاشتراكية – يا أهلاً بالمعارك – بالدم» فيُلهب القلوب ويمحو عار الهزيمة ويصنع من نيران الحرب سراجاً للضوء يهدي الجنود والشعوب إلى المستقبل الواعد.

ويتكرر ذكر سيناء كبطل للأحداث وترد الأنباء بوسائل الإعلام لتُعطي فكرة وافية عن حجم التضحيات والاشتباكات، إلى أن يأتي يوم العبور العظيم في السادس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 فتتركز الأخبار كلها داخل الأراضي المُحررة وتنتقل الصورة الواقعية بملامحها الإنسانية والبطولية إلى شاشة السينما عبر أفلام مهمة، كـ»العُمر لحظة» و»الرصاصة لا تزال في جيبي» و»يوم الوفاء العظيم» و»بدور وجيوش الشمس» فتتكشف لنا تفاصيل الأحداث ونعرف النقاط الحصينة داخل سيناء وخارجها وأهم الأماكن فيها.

وتنتهي الحرب التاريخية بالانتصار، وتبدأ مرحلة جديدة للتعريف بسيناء، المناجم والآثار والمعالم الدينية، جبل موسى ودير سانت كاترين وجبل الحلال إلى آخر المواقع المهمة التي جعلت منها مركزاً للحضارات والديانات ومهبطاً سياحياً عالمياً تُشد له الرحال، وتعود الأغنية لتوثق المكان والزمان والتاريخ ويشدو حليم بآخر إبداعاته الوطنية الخاصة بالأرض الطيبة «صباح الخير يا سينا» فارداً مساحة صوته الشجي عن آخرها بأحلى الكلمات وأعذب الألحان: الأوله قولنا جاييلك وجينالك – والتانية قولنا ولا رملايه في رمالك – والتالته إنتي حملي وآنا حمالك – صباح الخير يا سينا.

وتبقى الأغنية عنوان الإصرار والصمود والتحدي وتعيش طويلاً في وجدان الشعب ويرددها الملايين فتكون جسراً يصل الماضي بالحاضر، فتأتي من بعد عبد الحليم شادية لتشدو ثانية «سينا رجعت كاملة لينا» و»مصر اليوم في عيد» ثم يأتي الدور على ياسمين الخيام في مرحلة لاحقة فتُغني «طالعين على أرض الفيروز» بأداء مُبهج من حنجرة قوية تقلب موازين التقييم وتُعيد نبرة الفرح والتفاؤل للآذان الصاغية للإيقاع الوطني بشكل يُثير المشاعر ويجدد الأمل في الانتصار والاستقرار، حيث تكامل العناصر الجمالية للأغنية الوصفية الفارقة كلمة ولحناً وأداءً ومعنى.

بيد أن السينما المصرية الوثائقية والتسجيلية لم تكف من جانبها عن تقديم الصور المختلفة لإبراز القيمة الحضارية والكونية لسيناء، الجبال والثروات والمُقدسات فتسجل بالصوت والصورة مآثر المكان وجلاله وقداسته السماوية، فتُرينا جبل الطور وجبل الجلالة وجبل موسى ومواطن التأثير الروحاني بالبقاع المُختارة، وكما هو معهود تتبلور الصور التسجيلية بالعناصر التأثيرية المطلوبة للجمال والإيضاح، من خلال التصوير والموسيقى والتعليق والمونتاج.

وللدراما التلفزيونية أيضاً إسهاماتها الوفيرة في هذا المضمار، فهناك مُسلسلات ضخمة الإنتاج ومتعددة الحلقات نقلت مبكراً التاريخ الحضاري والديني المُتعلق بالأماكن والأزمنة، كمسلسل «محمد رسول الله» في خمسة أجزاء مهمة استعرضت تاريخ الديانات السماوية ورسالات الأنبياء، إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد في بانوراما مُتكاملة جسدها نجوم كبار، شكري سرحان وعبد الله غيث وحمدي غيث وفردوس محمد ومحمود ياسين وتوفيق الدقن وأمينة رزق وعبد الغفار عودة ورشوان توفيق وعبد المنعم إبراهيم وسناء مظهر وصلاح منصور وليلى طاهر وياسمين الخيام وأحمد ماهر وغيرهم من كبار الممثلين. غير أن المسلسل قام بإخراجه ثلاثة مخرجين متميزين، هم أحمد طنطاوي ونور الدمرداش وأحمد توفيق، ويعد مسلسل «محمد رسول الله» واحداً من الأعمال التاريخية المهمة التي تمثل قيمة إضافية للأعمال الأخرى المماثلة كمسلسل «على هامش السيرة» و»عمر ابن عبد العزيز» و»عمرو ابن العاص» و»الأبطال» وإن اختلفت السياقات والموضوعات وزوايا التناول والرؤى

*القدس العربي