فنون

الخميس - 03 يونيو 2021 - الساعة 06:41 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ اليزا فيريرو *


أعلنت الحكومة الإيطالية يوم الخامس والعشرين من مارس يوما وطنيا لإحياء ذكرى الشاعر الكبير دانتي أليغييري حيث يعد الشاعر التوسكاني الأب الأول للغة الإيطالية، وقد تم اختيار يوم الـ25 من مارس لأنه، وفقًا للباحثين، كان التاريخ الذي بدأ فيه دانتي رحلته إلى الآخرة كما رواها في ملحمته الأشهر “الكوميديا”، والتي وصفها لاحقا جيوفاني بوكاتشيو، وهو أب آخر من آباء الأدب الإيطالي وأول من كتب سيرة دانتي، بـ”الإلهية”.

منذ العام الماضي يتم الاحتفال بهذه المناسبة بمبادرات وأنشطة ثقافية عديدة في جميع أنحاء إيطاليا والعالم، تنظمها المدارس والجامعات والمتاحف والمعاهد الثقافية الإيطالية المنتشرة في أنحاء المعمورة وتحمل اسم الشاعر الكبير. هذا العام تكتسب الاحتفالات بدانتي معنى خاصا، لأنها تتزامن مع الذكرى الـ700 لوفاة دانتي في الـ14 من سبتمبر 1321.

الفعاليات الثقافية التي رعتها لجنة الاحتفالات بذكرى دانتي التابعة لوزارة الثقافة الإيطالية تتجاوز المئة، وتتميز بالتنوع الشديد حيث لا تقتصر على الدوائر المحدودة للأكاديميين من علماء اللغة ونقاد الأدب ومؤرخيه، لتمثل “احتفالية” كبرى تشمل كل مجالات الإبداع البشري.

الأثر الجمالي لشعر دانتي عابر للقرون وللفنون، وهو ما يفسر تغلغله العميق في اللاوعي الجماعي. حيث نشعر أن دانتي لا يزال حيًا وأن إبداعه مازال محفزًا للتساؤل، ومثيرًا للدهشة، ومصدر إلهام عظيم. لم يتوقف دانتي أبدًا عن التحدث إلينا. وصفه “ت. إس إليوت” بأنه “أكثر شاعر كَتَبَ بلغة حديثة عالميةً”. فما سر هذه العالمية؟ وهل يجب البحث عنها على المستوى اللغوي والأسلوبي أم على مستوى آخر؟

سونيا جينتيلي، أستاذة الأدب في جامعة “لا سابينزا” في روما، تشدد على الطبيعة الاستثنائية للكوميديا الإلهية قائلةً إن لغة دانتي، في هذا العمل الشعري، حققت نموذجا ثوريا من المنظور الأدبي، مستلهمًا من النموذج الجمالي للكتاب المقدس، حيث تتبنى جينتيلي ما يؤكده عالم اللغة الألماني إريك أورباخ من أن لغة دانتي في الكوميديا – تمامًا كما في الكتاب المقدس- تتحدث عن واقع يتمتع كل شيء فيه بالحق في أن يسرد، من أحقر دودة في الأرض إلى أسمى ملائكة السماء – تتميز لغة دانتي بمزج مستويات مختلفة للغة تعكس مشاربها المختلفة في الواقع، هذه اللغة التي مزجت بين لغة الأدب الرفيعة ولغة الحياة اليومية في عصر دانتي كانت سببًا في تعرضه لانتقادات قاسية لفترة طويلة امتدت بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، من قبل النخبة المحافظة المدافعة عن التقليد الأدبي، والتي ترى في لغة دانتي “غير النقية” خطرًا داهمًا عليه، وكان من آثار هذه الحرب على دانتي ولغته “الجديدة” أن شعره لم يتولد عنه أيّ “مذهب شعري” يحاكي أسلوبه ويتبناه ويسعى لتطويره جماليًا، كما حدث مع معاصره اللامع فرانشيسكو بتراركا، الذي ألهم حركة شعرية متدفقة سميت بـ”البتراركية”، والتي امتد توهجها الشعري حتى بداية القرن العشرين. لكن، وعلى الرغم من هذه الانتقادات القاسية، فإن جميع الإيطاليين اليوم يكتبون ويتكلمون لغة دانتي، أي لغة الحياة في مدينة فلورنسا أحد أهم عواصم عصر النهضة، وهو ما يؤكد على حقيقة أن لغة الحياة “غير النقية” قد انتصرت في النهاية واحتضنتها الحياة.

إن ما تتمتع به لغة دانتي في الكوميديا “حديث” نسبيًا وبالتالي فهو لا يمكن أن يفسر بمفرده عالمية الشاعر المتفرد، ولذلك يظل التساؤل عن سر عالمية دانتي وتأثيره العابر للفنون طازجًا، ما سبّب خلود وعالمية شعره، وكيف يمكن أن يكون دائمًا معاصرًا؟

الفن الجهنمي

وول سوينكا الشاعر والكاتب المسرحي النيجيري الحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1986 حاول أن يجيب عن هذه الأسئلة. ففي الـ28 من أبريل 2021 شارك سوينكا في مؤتمر دولي نظمته رابطة دارسي اللغة والتراث الإيطالي (ADI) برعاية جامعات الدولة الثلاث في روما.

تناول سوينكا في مداخلته التي جاءت تحت عنوان “من يحتاج الكوميديا؟ تحيا الـ infernophilia!” موضوع تأثير دانتي على آداب العالم، مقدما قراءته الخاصة لجحيم الكوميديا. وكلمة infernophilia تعني محبة الجحيم، أو بتعبير آخر، الرغبة المرضية في تحويل عالم الأحياء إلى جحيم. فالكاتب النيجيري، ونظرًا لميله القوي إلى القضايا السياسية والاجتماعية، كان يريد بهذا العنوان أن يشير بالطبع إلى أشكال مختلفة ومتعددة من “الجحيم الأرضي” أشكال شديدة الشبه بالجنس الشيطاني في أمثولة دانتي، والذين يمكن أن نطلق عليهم اليوم لقب الدكتاتوريين، وينتمي لنفس الجنس الشيطاني أيضًا الأصوليون الدينيون، والذين تعتبر داعش وبوكو حرام مجرد تجسدات حديثة لهم، كما تتضمن أيضا عوالم الجحيم الأرضية رموز الإمبريالية لاسيما الإمبريالية البريطانية.

يرى سوينكا أن حب الجحيم هو في الأساس حالة عقلية “تشير كلمة infernophilia إلى نوع من الهوس بالجحيم الذي يُفهم على أنه بنية ذهنية أو مادية تستحوذ على الشخصي، إن لم يكن حتى على العائلي والحميمي”. وبحسب سوينكا، من الممكن إذن أن نفهم كيف استطاع الرئيس الأميركي السابق “في مواجهة أزمة عالمية، أن يزيد باستخفاف، وفقًا للتقديرات التي لم يتم المبالغة فيها بأيّ حال من الأحوال، عدد سكان الآخرة بربع مليون مواطن اكتسحتهم جائحة كورونا العنيفة. وعلى الرغم من ذلك، تعوّد ما يقرب من نصف الأميركيين ألا يقلقوا وأن يستمروا في حب الرئيس حتى الموت، بالطبع، من الصعب تقبل أمر كهذا، لكن بعض الظواهر الإنسانية أكثر ترويعا من انتظار حرب نووية شاملة”. وهنا، على حد قول سوينكا، يلعب الإبداع الفني دوره، فـ”يتنافس الشعراء وآخرون يقيمون معهم في عالم الخيال على الاستيلاء من ناحيتهم على الجحيم، وهذا له نتائج مذهلة إلى حد كبير”. ويضيف سوينكا بسخرية أن الشعراء “يجدون أنفسهم أحيانًا مصطفين على نفس جبهة رجال الدين، الذين يحتاجون إلى مؤسسة الجحيم أكثر من أيّ فئة مهنية أخرى معروفة في التاريخ، في مواجهة المساهمين العاديين في الجحيم وأصحابه الذين معظمهم من رجال السلطة”.

إنه “الفن الجهنمي”، كما يسمّيه سوينكا، مستشهداً ببيتر بروغل وويليام بليك كمثال. وهنا تساءل الشاعر “لماذا كان، ومازال، تخيل الجنة أصعب من تخيل الجحيم؟” وهذا ما أكده أيضًا رسام الكاريكاتير Dell’Otto الذي سأل نفسه، عند إصدار مجلده المصور الأول المخصص للجحيم، كيف يمكن أن يرسم الجنة، حيث أن دانتي لم يقابل هناك سوى أضواء ترك الفنان السؤال معلقًا إلى حين صدور المجلد الثاني هذا العام.

يقول سوينكا “بدءًا من الأساطير القديمة، والكتاب المقدس، ثم الأدب، شهد مفهوم الجحيم حضورًا يتطور باطّراد في الخيال الثقافي الجماعي للغرب كاستعارة قوية صامدة، حتى لو كان الإيمان بالجحيم كواقع مادي، ربما، قد ضعف…”. يشرح سوينكا هذه الحقيقة قائلا “حيث إننا غير كاملين بشكل لا يمكن إصلاحه، فمن المنطقي أنه من الأسهل استحضار صور رهيبة للمعاناة بدلاً من فهم الكمال، ناهيك عن تمثيله بصريًا.

ليس من المستغرب أن تكون فكرة الجحيم مصدر إلهام للعديد من الفنانين لأن “الحاجة لغرس الخيارات الأخلاقية الصحيحة في أفراد المجتمع تجد متنفسا في تصور مكان فظيع للعزلة كعقاب على الإهمال المعنوي. بعبارة أخرى، حتى من دون المستوى الديني، فإن الجحيم، بطريقة أو بأخرى، هو مبدأ مؤسس في تنظيم السلوك الاجتماعي”. ثم يذكر سوينكا وجود ثقافات، مثل ثقافة اليوروبة التي يشعر أنه ينتمي إليها، والتي لا تجد فكرة الجحيم المسيحية والإسلامية مكانا في مخيلتها، قد خضعت لما يطلق عليه “التشهير الروحي”، حيث تم تقديم بعض آلهتها في صورة الشيطان كما تصورها الإسلام والمسيحية.

ولكن سوينكا على الرغم من دفاعه عن هذه الثقافات يقر “بتحوله المتأخر إلى الاعتقاد بالضرورة المطلقة لوجود الجحيم” على أنه “مساحة معاناة لا ينبغي أن تخلو منها أيّ ثقافة محبة للذات، حتى كآلية تعليم، جاهزة دائمًا للاستحضار لأغراض وقائية أو تقييدية”، لأنه “لسوء الحظ، فإن أبسط شكل من أشكال العزاء في حالة العجز هو إسقاط عقوبة مستقبلية عادلة على المنتصر الذي يمارس سلطة مطلقة على ضحاياه وغالبًا ما تحدد الواقع المدني لملايين الأشخاص، من المهد إلى اللحد”.

كان سوينكا وهو قائل هذه الكلمات يلمح إلى الدكتاتوريين الأفارقة والجحيمات الأرضية التي يعرفها جيدًا، على الرغم من أنه لم يخجل من ذكر وجود عدد لا يحصى من الجحيمات الأخرى خارج القارة الأفريقية. وبالتالي، فإن تبني الشعراء والفنانين والفولكلور الشعبي للجحيم سيكون في الواقع تعبيرًا عن العجز السياسي، “الانتقام، مثل الهجاء السياسي، يعاني من نفس الضعف، حتى لو كان أقلّ خيرا إنه غريزة، حتى بالنسبة إلى الأشخاص الأقل تديناً، فهو لا يغيب تمامًا عن العقول المهووسة بالعدالة”. تمامًا مثل دانتي الذي، على حد تعبير الأستاذة جينتيلي “من وجهة نظر سياسية، يحمل تأكيدًا على المستوى الأخلاقي للتعاون العام بين البشر ضد الممارسات السياسية السلطوية مثل الهيمنة والصراع بين العصابات”. هكذا، تابع سوينكا، “بترسيخ الجحيم في وعيٍ الإنسان الهالك، يستحوذ الشاعر/عالم الأساطير بثقة على السلطة باسم عجز المجتمع”. هذا، بالنسبة إلى سوينكا، هو التفسير المنطقي للنصيب الأدبي الفني للجحيم، والذي يقترحه على أنه “ربة الإلهام العاشرة، التي حرمت تاريخياً من هذه المكانة”. في ظل الابتعاد عن “هدف الفردوس الديمقراطي”، “يستمر الجحيم” و”يبقى الفنان وفياً لمهنته”، ولربة إلهامه.

تأكيدًا على حقيقة الجحيم على الأرض والضرورة المطلقة لوجود جهنم في الآخرة، قرأ سوينكا الكلمات الافتتاحية لكتاب المؤلف الجنوب أفريقي أديكاي أديبايو بعنوان “محاكمة سيسيل جون رودس”، الرجل الذي يعتبر مؤسس الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. إنها قصة قصيرة ذات نكهة “دانتية”، يتخيل الكاتب فيها محاكمة رودس في الآخرة وأنه قبل أن تحكم عليه لجنة من الفقهاء الأفارقة، تتم قيادته عبر الجحيم. وبحسب سوينكا، فإن هذا هو الدليل على أن “كل مجتمع محروم من تصور خاص للجحيم”، مثل ثقافة اليوروبة النيجيرية، “ينتهي به الأمر إلى استعارته من التقاليد الجهنمية للآخرين”.

في نهاية حديثه، يسأل سوينكا “في الثقافة الجنائية المعاصرة ما هي الجرائم الناتجة عن إساءة استخدام السلطة؟” وما هي العقوبة الأنسب لها؟” لا تزال عند دانتي العقوبة المثالية، إنها “حل عبقري للغاية” فـ”من بين كل صور العذاب الأبدي التي استعادها دانتي، يبرز التجميد بالثلج باعتباره العقاب الأنسب لأشرار فريق القادة في المناطق الاستوائية من السياسيين. من المحتمل جدًا أن عدم الحركة إلى الأبد في بحيرة ثلجية قد يولد فيهم بعض التأملات التي تبشر بالتغيير. تبدو لي عدالة شعرية غير مسبوقة “. ويختم، مشيرا إلى كل أشرار الأرض والأقوياء “ثلّجوهم!”.
عندما سئل وول سوينكا عن أيّ جوانب الكوميديا الإلهية كانت أكثر تأثيرًا في أعماله من غيرها، أجاب بسخرية غير مقنّعة موجهة إلى نزعة المركزية الأوروبية الكامنة ربما دون وعي في السؤال الذي اعتبر هذا التأثير أمرًا مفروغًا منه “لا أجد نقطة يمكنني فيها الادعاء أنني كنت بوعي متأثرًا أو مستلهما دانتي. لذلك سأترك الأمر للخبراء ليفهموا ما إذا كنت قد تأثرت عن غير قصد بدانتي”.

بالنسبة إلى سوينكا، في الواقع، الاستخدام الشمولي لمواضيع دانتي الروحية يمثل عقابا للثقافات الشعرية المختلفة عن ثقافات دانتي، حتى لو كانت عبقريته غير قابلة للشك. ومع ذلك، فإن الحوار عن بعد بين دانتي وسوينكا يوحي بأن عالمية الكوميديا، التي امتد تأثيرها بلا شك إلى جميع آداب العالم، تكمن في الجمع بين القوة الاستدلالية لاستعارة قوية، أي استعارة الجحيم، المستعرضة لجميع الثقافات والمستقلة عن التقاليد الدينية – والتي تستمد، كما يقول كارل غوستاف يونج، من اللاوعي الجماعي الذي يعبّر عن نفسه من خلال النماذج الأصلية – والإتقان الشعري لمؤلفه الذي عبر عن هذه الاستعارة بطريقة فريدة من حيث الأسلوب واللغة.

بالنسبة إلى الأستاذة جينتيلي “من وجهة نظر أدبية، يمثل عمل دانتي توليفة صعبة للغاية بين الصورة الشعرية والمفهوم الفلسفي والتي تكون واقعية أيضا، أي أنها مرتبطة بتجربة الواقع”. أما الناقد الأدبي وعالم اللغة كارلو أوسولا، الذي يرأس لجنة الاحتفالات بالذكرى المئوية السابعة لوفاة دانتي، فهو يعتقد أن دانتي “شاعر المسلّمات الكونية التي دمغت مصير البشرية: في عصر مثل عصرنا، حيث عولمة الخير والشر يعطي درسُ دانتي المقياس الدقيق لما يجب أن يكون أفقنا، أي القدرة على التفكير في الحلول الصالحة للجميع وليس لفئة واحدة أو حتى لمجموعة اجتماعية واحدة، بل لكل فرد وللجميع، في آن واحد، كما قال عزرا باوند عن دانتي”. وربما يلخص خبير دانتي Marco Sant’Agata كل وجهات النظر السابقة عندما يقول إن عالمية دانتي تكمن في قدرته على تحويل حياته وحياة الآخرين إلى مرآة واستعارة للعصر، في عمل فني أصيل”.

دانتي والإسلام

في كتابه الأخير “دانتي والإسلام.. سماوات الأنوار” الصادر في 2019 بالإيطالية، حاول المستشرق الإيطالي ماسيمو كامبانيني تتبع علاقة دانتي ومؤلفه الأبرز “الكوميديا الإلهية” بالتراث الإسلامي وهي علاقة يمكن اعتبارها واحدة من الجذور الإسلامية للفكر الغربي الحديث.

يرى كامبانيني أن العلاقة بين الشاعر الإيطالي والثقافة الإسلامية مثيرة للجدل، وإذ ينظر للشاعر باعتباره عظيما ومتفردا وقياسيا وغير مسبوق فإن الجدل حول تأثره بالفكر الإسلامي يتسع ويكتسب أرضا جديدة كل يوم.

ويؤكد الأكاديمي الإيطالي الذي رحل عن عالمنا مؤخرًا أن في أعمال دانتي مثل “الكوميديا الإلهية” و”المملكة” و”المأدبة”، نظريات في علم الكونيات تظهر فيها آثار الفلسفة العربية الإسلامية بجلاء شديد، من التركيب المادي للسماء، إلى دور نظرية العقول العشرة.

ويحاول الكتاب ملء الفراغ المتبقي في ذاكرة الغرب، محققًا في إرث الفكر الإسلامي عند دانتي، والذي يقدم أيضًا فرضية سيرة ذاتية فكرية مبتكرة مع التركيز بشكل خاص على السياق السياسي، ما يوضح أن العالمين – العربي والأوروبي – لم يكونا منغلقين ومعاديين لبعضهما بعضا، بل كانا يتفاعلان باستمرار فيما وراء “صراع الحضارات”.
ويسلط الكتاب الضوء على دور الترجمة والمترجمين العرب الذين حفظوا معارف القدماء ونقلوها للاحقين، مؤكدا أن عصر النهضة العربية كان سابقا على زمن التنوير الأوروبي، ومنوها بدور العرب الأندلسيين في هذا السياق.

ويرى المؤلف أن دانتي لم يكن باستطاعته – خاصة في عصره – أن يبدي موقفا إيجابيا تجاه الإسلام وذلك تأثرا بمحيطه، لكنه يشير إلى أن الشاعر الإيطالي كان مطلعا على الفلسفة الإسلامية كما يظهر في مؤلفاته، مؤكدا أنه قرأ لابن رشد (ت: 595هـ/1198م) والفارابي وغيرهما.

ربما في الاحتفال بمرور سبعمئة عام على الكوميديا الإلهية لدانتي من الواجب أن نتحرر من المركزية الأوروبية، وأن نعيد الاعتبار لذلك الانفتاح على ثقافة الآخر والنهل منها لابتكار نصوص أصيلة تنتمي لثقافتنا المتفردة بقدر ما تنتمي لثقافات العالم الذي نعيش فيه.


* باحثة ومستعربة من إيطاليا / الجديد اللندنية