تفاصيل

الأربعاء - 09 يونيو 2021 - الساعة 05:07 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ إعداد: سماح عادل*:


أذهل ظهور فيروس كوفيد 19 الناس، فأخذوا وقتاً حتى يستوعبوا ما هم فيه، تمكنت الكآبة من نفوسهم، وسعوا لمعرفة هذا الفيروس اللعين أكثر ليتمكنوا من مقاومته أو على الأقل حماية أنفسهم من شروره، منهم من استأنف الكتابة لكنه افتقد الشغف القديم ومنهم من لم يطاوعه الإلهام وفر هاربا منه، ومنهم من اتخذ الكتابة وسيلة للشعور بذاته وبحريته، وظل التواصل الالكتروني المتنفس الوحيد لهؤلاء كي لا تبتلعهم العزلة في جوفها المظلم.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:
– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

– ما هي البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل والتفاعل في مجال الثقافة؟.

انحسار الشغف..

يقول الروائي والقاص العراقي “عادل رافع الهاشمي”: “لا يخفى على أحد أن الصحة النفسية والبدنية هي من الأمور المهمة التي يحتاجها الكاتب لكي يبدع ويستمر بعمله الأدبي والتي تدفعه إلى الاستقرار النفسي والصفاء الذهني وتبعده عن القلق والتوتر لذا فإن ظهور فيروس كوفيد 19 كان تأثيره سلبيا عليَّ وأدى إلى انحسار الشغف إلى الكتابة عندي، كيف لا وأنا معزول في بيتي وممنوع من مغادرته، أعيش القلق المستمر على نفسي وأولادي الأطباء الذين يعيشون قريبين من الفيروس.

كنت أتبادل فيديوهات الفيروس وطرق العدوى منه مع الأصدقاء والمعارف، ورغم جلوسي الدائم في البيت إلا أن الوقت كان يهرب مني في قراءة معلومات عن الفيروس أو تتبع أخبار الأصدقاء والمعارف. صار القريب والصديق والجيران أعداء محتملين بل صار كل منا عدو لنفسه لو فكر أن يدلك انفه أو يلمس وجهه.  فخلال عام 2020 لم أنتج سوى مجموعة قصصية واحدة هي (الأيام تمضي). أنا الآن عندما أعيد قراءة كتاباتي في تلك المجموعة القصصية أجد تأثير الجائحة واضحا في المادة القصصية.

فالحالة النفسية للكاتب أثرت على طبيعة الكتابة فالقلق والتوتر النفسي ومحاولة التأقلم مع الظروف كانت بادية على شخصيات تلك القصص، كما أن كثير من أبطال قصصي كانوا مرضى ويعانون من ظروف قاسية وظلم اجتماعي كأن الخوف من المرض والموت ترك أثره على نفسيتي وطريقة تفكيري.

ف(فيروس كورونا اللعين أربك العالم! كيف لمدينة مكتظة بالسكان ويطلق عليها اسم شيكاغو الصينية كمدينة يوهان أن تبعثر كل المدن على امتداد الأرض وتجعل الدول تغلق حدودها وتوقف طيرانها وتوقف أعمالها وتلزم سكانها الجلوس بالبيت، حتى الملكة التي لا تغيب عن إمبراطوريتها الشمس اعتكفت في قلعة وندسور، وأخذت تنظر إلى بلادها من خلف النافذة) هذا ما جاء في إحدى القصص.

وفي قصة أخرى أخذت إحدى الشخصيات تردد (بدأت اقلق عندما بدأ فيروس كورونا في الانتشار، كنت خائفة ومتوترة طيلة الوقت، بيتنا كله معقمات، لا أفتح الباب ولا الشباك ولا أخرج من المنزل، لا استقبل أحداً في بيتي، أخاف على أطفالي من الإصابة).”.

ثقافة الشك أو الاستسلام..

وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يضيف: “نعم، كان تأثير العزلة كبيرا على الحركة الثقافية لأنها تتطلب تواصل وتفاعل مباشر مع الزملاء والأصدقاء الذي أصبح صعبا جدا، كما أن مفاهيم وأفكار كثيرة تغيرت فالانكفاء لحماية النفس والأهل طغت على أفكار الناس ومنهم المثقفين فأصبح ميلهم للمتابعة والثقافة الاجتماعية متداعيا، ثقافة الشك وعدم الثقة بالغرب ازدادت كثيرا عند قسم كبير من الناس فيما أصبح الآخرين يميلون إلى الاستسلام والانقياد للأفكار الأجنبية في ظل الشعور (كعرب) بأننا بدون العالم المتحضر معرضون للموت بسبب تلك الفيروسات.

في النهاية ستعود الثقافة لتأخذ موقعها الريادي في المجتمع لكن هل تعود نفس تلك الثقافة التي نعرفها أم ستنبثق ثقافة جديدة؟، لأن العالم بعد كورونا لن يكون مثل ما قبلها فالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والثورة المعلوماتية والانترنت أصبح واسعا وسريعا. فيا ترى كيف سينظر العالم ما بعد كورونا إلى القصة والرواية والشعر وكيف سيتعامل مع الكاتب؟!

كما أن العزلة كانت عائقا كبيرا أمام نشر وتوزيع الكتب فقد منعتنا من حضور ومشاركة المعارض، إضافة لعزوف الكثير من القراء عن المعارض والندوات الثقافية والأدبية”.

وعن البدائل للتواصل يقول: “لم يكن أمامنا خيار للتواصل والتفاعل في المجالات الثقافية سوى وسائل التواصل الالكتروني بأساليبه كافة رغم أن الكثير من المثقفين واجهوا صعوبات في التأقلم مع هذه الوسائل، ففي صالون الاثنين الثقافي الذي أديره مع الأعضاء الآخرين واجهنا صعوبة كبيرة في عقد جلساتنا الثقافية لكون عدد من الأعضاء وخاصة كبار السن لا تلاؤمهم الجلسات الالكترونية عن بعد، لعدم استطاعة قسم منهم استخدامها ولعدم تحبيذها من قسم آخر لأن الاجتماع الحضوري كان يسبغ على الجلسات شعور من السعادة والبهجة افتقدتها الجلسات عن بعد، فلم نستطع عقد أكثر من جلستين فقط خلال عام 2020 في الوقت الذي كنا نعقد أكثر من عشرين جلسة في السنوات السابقة”.

أكتب لأعيش حرا..

ويقول الشاعر والكاتب الصحفي السوري “عمر الشيخ” والذي يعيش في قبرص منذ عام 2016: “أعدت النظر بشكل بطيء إلى السلوك الاجتماعي المحيط بي، والذي يؤثر بشكل كبير على ديمومة يومياتي وعملي كصحفي وشغفي كشاعر. هذا التأمل الذي كنت أقيّم من خلاله صورة حياتنا وتحولاتها، بدأ كمقارنات بين قبل الجائحة، وما بعد الجائحة، ثم توقفت عن ذلك، وبدأت أبحث عن طرق للتعايش مع هذا الوباء وآثاره النفسية علينا إلى جانب قيوده الكارثية على مستوى الحركة بحضور الحجر الإجباري.

كتبت فكرتي الأولى عن الأمر “تاج الوباء صديق الدكتاتوريات” إنه يذكرني بمسرحية “المرقمون” للكاتب الألماني “إلياس كانتي”. وكأن كوفيد19 هو إمبراطور وقد رقمنا واحداً تلو الآخر وبدأ يسقطنا في دوامته ورعبه! فيما بعد واجهت الجهل الذاتي بالاطلاع والقراءة حول هذا الفيروس، وتعرّفت عبر تجارب في قراءاتي عن مواجهة نمو هذه المصيبة وصدمتها المباشرة، بعد شهور من الانتشار بدأت أتفهم حجم ما بدأت عليه حياتنا وكيف يمكنني أن أنظم وقتي واهتماماتي بالحياة وفق الشروط القاسية التي تأسر حرية العالم تقريباً!

فيما بعد وجدنا حلولاً إسعافية للتواصل كمجتمع محلي، ثم بدأت أرتب أفكاري ومحاولاتي في التأمل وفرصي في الخيال، كي أستطيع الإمساك بلحظة الكتابة وصوت العالم في داخلي. بعد عام ونصف من انتشار كوفيد 19، الكتابة أصبحت بالنسبة لي من أكثر الأشياء التي تجعلني أقاوم الجهل وأعيش حراً! وبلا شك مع حضور مكتبتي مؤخراً من سوريا إلى مكان إقامتي، أصبحت الحياة أكثر جمالاً، بوجود الكتاب الورقي بين يدي”.

ويواصل عن تأثير العزلة ثقافيا: “بالتأكيد في عالمنا العربي، أصبحت الحركة الثقافية محدودة بالحضور الفيزيائي للمشاركين بسبب قيود كورونا، وهذا ما جعلنا نكتشف كم كان هناك مئات الآلاف من القرّاء بحاجة لمثل هذه المناسبات الثقافية التي تجعلهم على تماس مع صنّاع المحتوى الإبداعي الأدبي، سواء كانوا ناشرين أو كتّاباً. وبرأيي أن كلمة “عزلة” غير دقيقة لوصف القيود الصحية التي فرضت للتخفيف من انتشار عدوى الفيروس، بالعكس، العالم العربي -على الأقل- يعيش في عزلة افتراضية في أغلبه وهو مقيم منذ سنوات على منصات التواصل الالكترونية، ولكنه إذ انتبه -أي هذا العالم العربي- إلى أهمية التواصل الفيزيائي مع الآخر، للتعرّف على العوالم المشتركة وتبادل الأفكار وجوديّاً، والأحاديث بطريقة أكثر حميمية وصدق من العالم الافتراضي، أدرك أن ثمّة “عزلة” إجبارية فُرضت، وكان قد فوّت عليه ملايين الساعات برفقة الأصدقاء إلى ندوة ثقافية، أو لحضور مسرحية، أو حضور حفل توقيع كتاب ومتابعة أخبار الكتب الجديدة في المعارض الدورية”.

وعن البدائل يقول: “أعتقد أن الأغلبية اعتمدوا على وسائل التواصل الشهيرة “زوم- سكايب” من أجل إقامة غرف ثقافية وندوات فكرية وقراءات شعرية ونقاشات تخص الأدب في مختلف جوانبه. تم التحوّل كلياً إلى الوسائل الالكترونية- حسب ما رأيت واختبرت- وأصبح الكاتب أكثر استماعاً للآخر، سواء كان كاتباً أو مستمعاً أو قارئاً، أعتقد أن جدية التواصل أصبحت أكثر جدوى لأننا نركز بدقة لكل كلمة تقال ونسجل ملاحظاتنا ونحن في منازلنا مرتاحين دون ضجيج المحيط، ولهذا حسنات وسيئات مثل أي شيء في الطبيعة له حدين تقريباً.

شخصياً حضرت فعاليات كثيرة ومناسبة عبر “زوم” هنا في قبرص أو عبر الأثير مع بلدان عربية أو في أوروبا، وقرأت من قصائدي أمام وجوه الأصدقاء على الشاشة، واستمعت لهم بكثير من الحرص حين جاء دورهم، خلاصة القول أحياناً تكون التقنيات، مفيدة لدرجة تحويلنا إلى آلات، أرجو ألا نستمر فقط في هذه الطرق من التواصل، لأن الكتابة بحاجة إلى لحم ودم ورائحة وطاقة، وهذه الأشياء لا يمكن أن تقدمها خدمتي “زوم وسكايب” حالياً!”.

البؤس النفسي وامتناع الكتابة..

وتقول الكاتبة المصرية “إنجي مطاوع”: ” واكب تلك العزلة العديد من المشاكل من حولنا مما سبب حالة من الكآبة والبؤس النفسي داخلي مما أدى إلى معاناتي مع الكتابة فتوقفت عن القراءة وبالتبعية عن الكتابة الأدبية، خاصمني إلهامي وقلمي للأسف لكن حاولت تحفيز نفسي وتشجيعها على العودة للقلم والكتابة، عن طريق محاولة استغلال وقت الفراغ الطويل واللامنتهي معي بكتابة عده أفلام قصيرة ومراجعة ما كتبته في الماضي”.

وتضيف: “أثرت العزلة بشدة على المبيعات عربيًا حسب ما علمت من دور النشر التي أتعامل معها فدور النشر تعتمد على المعارض خاصة الدولية والعربية في توزيع مطبوعاتها، وتوقف الحراك على مستوى العالم أثر بالسلب على دور النشر وحركتها وبالتالي التوزيع والبيع والنشر”.

وتؤكد بخصوص البدائل أن: “الأغلب اعتمد نشر أعماله علي هيئة كتب إلكترونية أو نسخ pdf وزاد التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الكتب الإلكترونية لإيصال الأفكار والكتابات والتواصل مع جمهوره وقرائه ومتابعيه”.
 
* موقع كتابات