نافذة على السياسة

الجمعة - 11 يونيو 2021 - الساعة 06:47 م بتوقيت اليمن ،،،

تعز/ مدى برس/ خاص:


استبق حزب الإصلاح -الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- حالة الغضب الشعبي المتنامي في تعز ضد الفساد، بمحاولات الاستحواذ على هذه الاحتجاجات وتسخيرها لخدمة أجندته السياسية، واعتبارها ورقة ضغط في المشاورات السياسية الهادفة لإنهاء الحرب في اليمن والبدء بعملية التسوية السياسية.

حاول حزب الإصلاح التنصل من مسؤولياته في تعز باعتباره سلطة الأمر الواقع، والذي يسيطر فعلياً على المؤسستين العسكرية والمدنية في المحافظة، وعلى الرغم من مسؤوليته عن الفساد الذي هو صانعه بامتياز، إلا أنه حاول تصوير نفسه بصورة المتضرر من الفساد، كما لو أنه لا علاقة له به.

ومن السماجة السياسية التي مارسها حزب الإصلاح بتعز، أن دفع ببعض المدرسين الذين منحهم بفساده رتباً عسكرية وصلت إلى رتب عقيد وعميد، دفع ببعض هؤلاء وفي مقدمتهم ”وهيب الهوري” للاستحواذ على زمام هذه الاحتجاجات وتوجيهها.

مطلع العام 2016 أصدر رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً بتعيين البرلماني علي المعمري محافظاً لمحافظة تعز، وهو القرار الذي حظي بدعم حزب الإصلاح الذي قاد قبل ذلك مسيرات احتجاجية ضد المحافظ الأسبق رجل الأعمال شوقي أحمد هائل، على الرغم من النجاحات التي حققها الأخير، والالتفاف الشعبي حوله.

لكن قوة الشخصية والحنكة الإدارية التي كان يمتاز بها شوقي أحمد هائل كانت سبباً كافياً لإثارة حنق حزب الإصلاح منه، كون ذلك لن يتيح للحزب تمرير أجندته، وهو يدرك أنه لن يستطيع ذلك إلا في ظل وجود محافظ ضعيف وهش يكون في الواجهة، بينما الإصلاح وعبر المرشد يكون هو الحاكم الفعلي، وهو ما تحقق بالدفع بعلي المعمري لتولي المنصب.

بعد نجاح حزب الإصلاح بالدفع بعلي المعمري لتولي منصب محافظ محافظة تعز، عمل الحزب على تعيين مدير مكتب المحافظ والذي كان بمثابة المحافظ الفعلي، وصاحب القرار الأول، وهو ما أتاح لحزب الإصلاح الاستيلاء على الغالبية العظمى من المكاتب التنفيذية عبر القرارات التي صدرت بالجملة، ومعظمها بشكل مخالف للقانون، حيث بلغ الحد بحجم الفساد في قرارات التعيين هذه بتعيين أشخاص غير موجودين بالهيكل الوظيفي للدولة.

امتلاك حزب الإصلاح للقرار في تعز، جعل الحزب يدفع ببعض الشخصيات الموالية له والمحسوبة على أطراف أخرى لتعيينها في بعض المكاتب، ليبقى هو المتحكم الفعلي فيها، وهذا الأمر جعل الحزب يسيطر فعلياً على تعز من خلال السيطرة على السلطة المحلية في المحافظة، وهي السيطرة التي جاءت بالتوازي مع سيطرته على المؤسستين الأمنية والعسكرية.

مثلت فترة المحافظ علي المعمري الفترة الذهبية لحزب الإصلاح في تعز، حيث إن وجود علي المعمري على رأس المحافظة قد كتب تاريخا جديدا لحزب الإصلاح في تعز باعتباره ”سلطة الأمر الواقع” وهي الصفة التي لا تزال تلازم الحزب حتى اليوم.

استمرت مرحلة التمكين لحزب الإصلاح عامين كاملين، نجح فيها الحزب بإحكام سيطرته بشكل كامل على تعز، وهو ما تسبب بتزايد وتفشي حالة الفساد، وانعدام الخدمات، في ظل انفلات أمني غير مسبوق تشهده المحافظة التي قضى المحافظ معظم فترته خارجها تاركا السلطة والقرار لقيادة الظل الإخوانية، والتي حولت تعز إلى إمارة إخوانية.

هذا الأمر تسبب بتعالي الأصوات المطالبة بالتغيير وإقالة المحافظ، وهي الأصوات التي تم الاستجابة لها نهاية ديسمبر من العام 2017 عبر تعيين رئيس الجمهورية لمحافظ جديد اسمه الدكتور أمين أحمد محمود، وهو إداري محنك وشخصية قوية، وكادر وطني مميز يبرز اسمه في رأس قائمة التكنوقراط في اليمن، بالإضافة إلى أنه بعيد عن الأضواء وغير محسوب على أي طرف سياسي.

بخطى متسارعة ومع قدومه إلى تعز نجح المحافظ الجديد بتحقيق أكبر منجز وهو إعادة صرف رواتب الموظفين من أبناء المخافظة، وانتظام صرفها، بالإضافة للبدء بتصحيح الاختلالات الإدارية التي ورثها من سالفه المعمري، كما قام بتفعيل مؤسسات الدولة وافتتاحها لتباشر عملها من جديد، وقام بتقديم الخطط الأمنية بهدف تثبيت الأمن في المحافظة، وغيرها من الخطوات التي أحدثت تغييرا فعليا لمسه الشارع التعزي بمختلف أطيافه.

لكن ذلك لم يرق لجماعة الإخوان التي حاولت استهداف المحافظ الجديد وصولا لمحاولات اغتياله، حيث تعرض لأكثر من محاولة اغتيال داخل المحافظة وخارجها، كما عمد الإخوان إلى شن حملات تحريض إعلامية ضد المحافظ الجديد، وصلت إلى حد اتهامه بالعمالة، لكن الرجل الذي كان مسنودا بأفعاله على الأرض وبحب أبناء المحافظة له كان أقوى من كل تلك الحملات.

أدرك حزب الإصلاح بتعز أنه عاجز عن الإطاحة بالرجل، ما جعله يصعد الأمر إلى المستويات القيادية العليا لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، وبضغوط مباشرة من علي محسن الأحمر وعبدالله العليمي، وتحايل وخداع تم ممارسته ضد رئيس الجمهورية تم إقالة الرجل من منصبه فجأة، بعد إكماله العام الأول فقط من تولي منصبه.

أدرك الإصلاح أن إقالة المحافظ القوي أمين أحمد محمود كان صعباً، وأن مرحلته في قيادة المحافظة كانت أصعب على الحزب الذي يريد الحفاظ على كونه سلطة الأمر الواقع، فرفض الحزب تحمل المسؤولية وتعيين أحد قياداته في منصب المحافظ، ولجأ إلى تكرار سيناريو دعم المحافظ الضعيف والهش، ودفع بنسخة جديدة من علي المعمري، حيث قام الحزب بدعم المحافظ الحالي نبيل شمسان لتولي المنصب.

بممارسة سياسة الترغيب والترهيب نجح حزب الإصلاح بالسيطرة على قرار المحافظ نبيل شمسان، حيث بلغ بسياسة الترهيب الممارسة ضده أن قامت ميليشيا حزب الإصلاح بقتل اثنين من مرافقي المحافظ في مدينة التربة في أكتوبر 2019 ولا يزال القتلة طلقاء حتى الآن.

واليوم يحاول حزب الإصلاح تبرئة نفسه من المسؤولية عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، والتي تحولت تعز بسببه إلى إمارة إخوانية تغيب كل مظاهر الدولة فيها، حيث يحاول الحزب تمييع غضب الشارع وحرف مسار الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بتغيير سلطة الأمر الواقع واستعادة الدولة، ويبدو أن التحدي الأكبر لدى الشارع التعزي يكمن في قدرته على تحصين هذه الاحتجاجات من الإخوان وسياستهم المعهودة في سرقة الثورات وقطف ثمارها.