تفاصيل

الأحد - 13 يونيو 2021 - الساعة 06:09 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ عبدالكريم العرومة *


يمكننا القول إنه من جيل الستينات وما قبل، تعتبر تلك الاجيال هي التي عايشت وبشكل مكثف الحالة التواصلية الثقافية الشفهية والتي كانت من مساراتها الرئيسية مسار الحكايات، ومن مسار الحكايات أو ما سميت بالحزاوي، كان أغلبها مسار حكايات الرعب والأساطير، ثم اختلطت أيضا في مساراتها التاريخية بالمرويات المصبوغة دينيا مذهبيا، وكذلك بصبغة الاساطير والغرائبية، فكانت حكايات المسامرات وحكايات الجدات وتداول الحكايات في مختلف المناسبات والقصص المنشودة في المناسبات.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا ساد مسار حكايات الرعب هل هو دافع المغامرة والإثارة والتشويق وغريزة الفضول والاكتشاف؟ قد تكون تلك عوامل مسببة بالإضافة أنها تعتبر أسلوباً تعليمياً ونقليا وترفيهيا بل إنها اسلوب برمجة من خلال اسلوب التخويف، لأن البرمجة تتم في حالة التخويف ومن ثم أو بناء عليه الترغيب والتأمين، فكانت الحكاية تتضمن الترغيب، فيتمثل الترعيب في أنه إذا لم تعمل كذا سيكون بك كذا.. وأما الترغيب، فيتمثل في إذا عملت كذا ستنجو أو تحصل على منفعة ما وتتجنب شرا ما أو عقوبة ما، وهذا ما كان سائدا من اسلوب الأمهات وبرمجتهن لأبنائهن منذا الطفولة بالتخويف مثال.. نم.. وإلا سيأتي لك كذا.... مسمى بحسب ثقافة المنطقة والحكايات والمسميات المتداولة فيها، لا تبك، وإلا سيحصل لك كذا.. وعلى هذا السياق.

فأسلوب الترعيب والترغيب يظل اسلوبا للبرمجة، لأن الإنسان في مساره الحياتي يسير بدافع الثنائية الترهيب والترغيب أو الترعيب والتأمين، واسلوب التبرمج هذا يظل هو مرافق وسائد خلال مسيرة حياة الإنسان، ويمارس على الإنسان منذ وهو صغير، كما ذكرنا من أمثلة واسلوب تربية فمثلا يوجه الوالدين ابنهما للحرص على الدراسة في أنه إذا درس سيصبح في موقع مرموق وما يتبع ذلك من امتيازات وأما إذا لم يدرس فسيصبح بائعا متجولا أو شحاتا...الخ. وهذه برمجة من خلال ترعيب وترغيب، ويظل هذا الاسلوب لهذه البرمجة توجها للفرد منذ طفولته ويتعرض لمراحل من البرمحة في مختلف مراحل حياته وبتعدد صورها واساليبها من البرمجة على حسب فئته العمرية ومستواه الاجتماعي والثقافي، توجه للإنسان كفرد أو كجماعة ومجتمع فهذا الاسلوب البرمجي تمارسه الأيديولوجيات على الفرد والمجتماعات بمختلف مستواياتها، سواء الأيديولوجيات الدينية أو الحزبية، فتمارس مثلا جماعة أو حزب فتأتي بنقد واقع أو عهد سابق أو تحذير من أيديولوجية معينة خصيمة أو منافسة لها وتحذر أنها إذا لم تسيطر هي فسيكون الجحيم والدمار، وأما إذا سيطرت هي فتبشر بعهد جديد وتحقيق جنة الله في الأرض، وهذه هي برمجة الترغيب والتخويف، وتمارسها في خطابها التي توجهه للجمهور، وكما قال أحد المفكرين إن الحاكم السلطوي المسيطر يكون في محور خطابته بشكل مستمر متكرر التحذير من عدو وهمي، ومنعطف تاريخي لا ينتهي. كاسلوب وممارسة ليظل يبرمج من هم تحت سيطرته.

وعودة إلى حكايات الرعب، من خلال ما سبق فهي تتضمن منقذا أو بطلا، وهذا ما يدفع ويشوق المستمع إلى الاستماع للحكاية وإن كانت في بداياتها رعبا إلا أنه يحرص على نهايتها حتى ينجو البطل أو يكون المنقذ، وهذا ما يعجب الطفل، كونه يتقمص أو يسقط شخصية البطولة على نفسه وهو يستمع لتفاصيل ومراحل الحكاية.

وإذا حاولنا استخراج فوائد من أدب الرعب سواء ككتابة أو قراءة هو في النهاية التخلص من المخاوف، والانتباه لأساليب البرمجة، أن لا يكون الإنسان في حالة مخاوف ليسهل بعد ذلك برمجته ليتخذ مسارا أو سلوكا غير واع.

وأمثلة من الواقع والمستجدات الإعلامية كثيرة، منها مثلا كنموذج برنامج رامز، كذلك قضية وباء كورونا الذي يتم بطريقة ممنهجة بداية من نشر الرعب من الوباء ومن ثم البرمجة على اجراءات غير منطقية التي لم يكن لينفذها الشخص ولا تنفذها الحكومات دون تخويفات وترعيب مسبق.

أيضا الموضوع، أي موضع أدب الرعب، كان في حاحة إلى الحديث عن تقنيات كتابة الرعب، وعن تحويل الكتابة في الرعب وتحويلها إلى أفلام ودور المؤثرات الفنية من أصوات ونوعية الموسيقى وتوظيف الظلام والأضواء الذي به يتم تحويل العمل الكتابي إلى مستوى آخر من الكثافة ومستوى وحجم التأثير.

وتظل المتعة والفائدة والرسالة من أدب الرعب هو كسر برمجة وثقافة المخاوف، ومواجهتها وكشف زيفها.

* كاتب يمني