ملفات وتقارير

الأربعاء - 16 يونيو 2021 - الساعة 03:07 م بتوقيت اليمن ،،،

تعز/ مدى برس/ تقرير خاص:


يعيش أبناء محافظة تعز -التي تعد أكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان- حالة انعدام شبه تام للخدمات العامة، ما يجعل المحافظة في مقدمة المدن اليمنية المنكوبة، والتي تعيش كارثة حقيقية في مختلف المجالات.

فالمحافظة، التي ترزح تحت قصف وحصار جماعة الحوثي الانقلابية لأكثر من ست سنوات، ما جعلها أكثر المحافظات تضرراً، تعاني أيضاً من استهداف وحرب داخلية تشنها عليها سلطة الأمر الواقع المتمثلة بحزب الإصلاح الإخواني، وهو استهداف أكثر بشاعة كونه يستهدف المواطنين في أمنهم وقوتهم وحياتهم أيضاً.

فحزب الإصلاح الذي يسيطر على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية في تعز، ويديرها من داخل مقره وبتوجيهات وأوامر المرشد، عمل منذ سيطرته على تعز على إشعال حرب الخدمات ضد المواطنين في المحافظة التي باتت تعيش حالة من الفوضى وغياب تام للدولة، لتجد نفسها وقد تحولت إلى إمارة إخوانية وتراجعت فيها عجلة التاريخ نحو الوراء لعقود من الزمن.

تدشيناً لحرب الخدمات ضد المواطنين في تعز، كان حزب الإصلاح الإخواني قد وضع نصب عينيه إفساد المؤسسة الأمنية، باعتبار أن الأمن هو الأساس الذي تقوم عليه سلطة النظام والقانون، وتستطيع في ظله مؤسسات الدولة تقديم خدماتها المختلفة للمواطنين، وتحصيل الإيرادات وغيرها من مهام الدولة.

لذا ومع البدء بما تسمى عملية إعادة بناء الجيش والأمن، بادر الإخوان، الذين يمثلون سلطة الأمر الواقع، للتخلص من الكادر السابق للمؤسسة الأمنية وتهميشه تحت مبرر أنهم ”نظام سابق” كما يصفهم إعلام الإخوان وذبابه الإلكتروني، وتزامن هذا التهميش والإقصاء مع حملات تخوين وتحريض جعلت حياة الأفراد المنتمين للمؤسسة الأمنية في خطر، ما جعل غالبيتهم العظمى يلزم بيته حرصاً على سلامته.

في ظل هذه الأجواء، وجد حزب الإصلاح الإخواني الملعب أمامه ليلعب ويعبث كما يشاء، فأعاد تشكيل المؤسسة الأمنية في تعز بقوام يقترب من 10 آلاف فرد، وتعيين أفراده -الذين قام بمنحهم الرتب- على رأس مؤسسات الأمن المختلفة.

في العام 2017 تقدمت الرئاسة اليمنية إلى الدكتور أمين أحمد محمود بعرض تعيينه محافظاً للمحافظة، لكن الرجل الذي كان -اعتماداً على خبرته الإدارية والسياسية- يمتلك تشخيصاً دقيقاً لمشاكل تعز، والتي وضع مشكلة الأمن في مقدمتها، اشترط لقبول قرار التعيين أن يقوم هو باختيار مدير أمن المحافظة، وهو ما وافق عليه هادي.

غير أن سيطرة الإخوان على القرار السياسي والعسكري للرئاسة اليمنية، جعلتهم يسارعون لاستصدار قرار جمهوري يقضي بتعيين أحد المتحوثين الذين تم استدعاؤه من منصبه الأمني في محافظة إب الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، وهو المدعو منصور عبدالرب الأكحلي، والذي صدر القرار الجمهوري بتعيينه مديراً لأمن محافظة تعز، وترقيته إلى رتبة عميد، وليبدأ مسلسل الفوضى الأمنية في أبشع صورها.

تحول الجهاز الأمني في تعز إلى جهاز مسؤول عن قيادة وتنظيم الجريمة ونشر الفوضى، حيث تم تشكيل عصابات إجرامية من أفراد الجيش والأمن متعددة المهام، حيث هناك مجاميع خاصة بالاغتيالات ما زاد من عدد جرائم القتل والاغتيال والإعدام خارج القانون بشكل مضاعف عن السنوات الماضية، كما انتشرت مجاميع اغتصاب الأطفال والتي مارست أبشع الجرائم في ظل حماية من السلطات الامنية والمحلية، قبل أن تفضحها التقارير الحقوقية التي جعلت الرأي العام المحلي والدولي يمارس دورا مجتمعيا وحقوقيا في مواجهة هذه الجرائم، ويشكل حائط صد لحماية الأطفال.

غير أن أبرز مظاهر الفوضى الأمنية تتمثل في عصابات نهب الأراضي التي انتشرت بشكل مهول، وتم تشكيلها بقيادة قيادات عليا في الجيش، وتقوم قيادات عليا في السلطة المحلية والقضائية في المحافظة بتوفير الغطاء لهذه العصابات مقابل التقاسم معها.

وقد قامت هذه العصابات بنهب أراضٍ عامة وخاصة، ونهب منازل وفلل وممتلكات عامة وخاصة، ويكفي لنعرف حجم جرائم النهب الذي تشهده تعز، أن نتحدث، مثلاً، أن 3350 قصبة من أراضي الأوقاف تم نهبها في منطقة حبيل سلمان، وأن أكثر من 7000 قصبة في الموافي بالحصب تتعرّض للنّهب.

وكما انتشرت عصابات نهب الأراضي في ظل سلطة حزب الإصلاح، فقد انتشرت أيضاً عصابات منظمة ومحمية لنهب معدات تابعة للدولة، كما حدث مع معدات مؤسسة الكهرباء، والتي تم نهب معداتها بالكامل بما تحويه من مولدات وأسلاك، بقيادة مدير فرع المؤسسة الإخواني عارف عبدالحميد، وتسخير هذه المعدات لصالح شركات كهرباء تجارية تابعة لقيادات إخوانية.

ليست معدات مؤسسة الكهرباء فقط هي ما تعرضت للنهب والسرقة، بل إن الوضع نفسه حدث في مؤسسات أخرى مثل المياه، وصندوق النظافة والتحسين، وغيرها من المؤسسات الخدمية.

لم يتوقف إجرام المؤسسة الأمنية في تعز عند هذا الحد، بل ذهبت لمحاربة جهود تفعيل مؤسسات الدولة، وقامت بتعطيلها عبر توجيهات رسمية بإيقافها، كما حصل مع فرع مصلحة الهجرة والجوازات، والتي تم التوجيه بإيقاف عملها أكثر من مرة، آخرها قبل أربعة أشهر من الآن، والمثير للسخرية أن مدير أمن المحافظة يبرر أمر توقيف العمل فيها بسبب الزحام عليها، ودخول مواطنين لقطع جوازات من محافظات أخرى.

حالة الفوضى الأمنية انعكست سلباً على جميع جوانب الحياة في تعز، واكتوى بنارها المواطن المغلوب على أمره، فالتجار والمستثمرون غادروا تعز غير الآمنة، وهو القرار الذي اتخذته مؤخراً عدد من المنظمات الدولية التي غادرت بشكل كلي، أو اتخذت قراراً بالمغادرة على مراحل ونقل مقراتها إلى مناطق سيطرة الحوثيين التي تعد مناطق آمنة، تماماً كما فعل الصليب الأحمر الدولي وأطباء بلا حدود.

مغادرة المنظمات الدولية الداعمة وتوقف دعمها، أثر سلباً على الكثير من مجالات الحياة في تعز، وفي مقدمتها القطاع الصحي، حيث أعلن مستشفى الثورة العام، أكبر مستشفيات المدينة، قبل أسبوع، توفف العمل في جميع الأقسام، بسبب نفاد الوقود وتوقف الدعم، ليلحقه بعد أيام فقط مستشفى الأمومة والطفولة بتوجيه نداء استغاثة لإنقاذه كي لا يتوقف عن تقديم خدماته، ولنفس السبب المتمثل بتوقف الدعم.