كتابات

السبت - 04 سبتمبر 2021 - الساعة 04:12 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ عبدالوهاب سنين:


أستعرض في هذا المقال مدى أحقية الكاتب، وكذا الناقد في النص الروائي او الأدبي بشكل عام، واستهل هذا المقال بقولين اثنين هما الركيزة الجوهرية لهذا التناول، إذا فيهما التوجيه للمؤلف حول عمله الروائي، ووضع علاقة بينهما، أو بمعنى أدق حدا فاصلا بين المؤلف وروايته، التي خطها يراعه.

القول الأول
للفيلسوف والناقد الفرنسي الكبير (رولان بارت) وقد ترك الساحة الثقافية، إثر حادث بشاحنة صدمته و اودت بحياته في الخامس والعشرين من شهر شباط 1980م، وخسرت الساحة الأدبية والفكرية عملاقا من عمالقة النقد.
اما قوله او مذهبة فهو مقالة نادى فيها (بموت المؤلف)
ويعني بذلك ان المؤلف تنتهي علاقته بروايته التي دونها يراعه. ويقول في كتابه الفريد لذة النص : ((لقد مات المؤلف بوصفه مؤسسة: واختفى شخصه المدني، والانفعالي، والمكون للسيرة، كما أن ملكيته قد انتهت، ولذا فإنه لم يعد في مقدوره ان يمارس على عمله تلك الأبوة الرائعة))ص٥٦

وبارت محق في ذلك إذ لابد للمؤلف أن يسلم، بذهاب عمله الروائي من بين يديه وأصبح ملكا للقارئ، وهو الأب الجديد الذي سيمنح ذلك العمل حلة جديدة، وهي بذلك موازية للعمل المزبور من قبل الأب الأول، وليس من حق المؤلف الاعتراض او التهكم على الأب الجديد.

وإنما من حقه أي المؤلف حضور مؤتمر، او مقابلة في التلفاز دعي إليهما بخصوص عمله، ومن حقه ان يعتذر او يرفض ذلك. ولكنه لا يحق له الاعتراض على القارئ الذي تناول النص ونقده نقدا منهجيا لا اعتباطيا.

لذلك فلابد من وعي لهذه العلاقة المشروعة، بين الناقد والنص المزبور الذي يقع بين يديه، ويقضي معه أيام واسابيع يستجلي سطوره، ويستنطق حروفه بنظام متسق، وينتج بتلك الدراسة والتحليل نصا موازيا، يجمل ذلك النص من خلال تلك العلاقة ( بين الفارس والنص).
ويقول أيضا بارت ايضا (( حينما أكون مع من أحب ويأخذني الهاجس في شيء آخر سواه: هذه هي كيفية وقوعي على أفضل أفكاري، وهي أفضل حالة لابتكار ماهو ضروري لعملي، وكذا هي الحال مع النص: إنه يبعث في أجمل المتع... إن كنت في قراءتي له أندفع إلى الاستماع إلى شيء آخر.. الخ)).ص٢٤

أما القول الثاني
هو للدكتور عبدالله الغذامي الناقد السعودي المشهور بكتاباته الرائجة، واهمها كتاب ( الخطيئة والتكفير).

وقوله ( من ألف فقد استهدف) وهو بقوله هذا لايعني المؤلف، وإنما يعني النص الذي يقع في مائدة النقد ويتناوله القارئ، ويستخرج منه زبدا رابيا يلتذ بقراءته القارئ المتطلع على كشف اسرار الرواية التي سلمت حبكتها وشخصياتها وخطاباتها وبنائها السردي، إلى متمرس في النقد. هذه خلاصة العلاقة بين الناقد والنص، لذا على المؤلف ان يترك العنان لنصه ليصادق ويعشق من يشاء، ولا غرابة في ذلك فالناقد هو العين الرائية لخبايا النص، فهو من يستجلي الخطاب وأنواعه، وهو من يطلق التجنيس على ذلك العمل الروائي، ويكشف الرمزية في الشخصيات والمكان، ويحلل الخطاب الروائي، ويكشف عن العقدة وتعددها، ومدى تجانسها والتحامها مع الأحداث.

هذا هو الناقد الذي جعل بينه وبين النص وشائج، وهو بنقد ذلك العمل وتوجيهه توجيها منهجيا، بذلك نرى الرواية المنقودة بحلتها الجديدة وزينتها الأنيقة.

واذكر مثالا قاله الدكتور الغذامي فيه أشارة، رائعة لعلاقة النص بين مؤلفه وناقده، حيث قال : (( لو كتب لقيس بن الملوح ان يصل إلى ليلاه فما هو طريقه إليها؟

لا طريق له سوى أن يموت زوجها الذي حال بينه وبينها، وهذا تماما هو طريق رولان بارت إلى معشوقه ))ص٧٣

والمؤلف في كل ذلك غير معني بالنقد وإنما النص الذي خرج من بين يديه، ولابد للمؤلف أن يتسع صدره، كونه أديبا وكاتبا
اما من يرد على نقد العمل المنقود بتهكم، فذلك ليس من اختصاصه بل من اختصاص نقد النقد، أي نقد النقد للعمل المنقود، وهو ما أثرانا بذلك الدكتور القدير محمد الكميم في محاضرته الشيقة في نادي القصة.

وفي الأخير نقد النقد هو من سيفصح عن الإخفاقات، وكذا الخطوات الصائبة معا في العمل المنقود.

المراجع

(لذة النص ) لرولان بارت، ترجمة د. منذر عياشي
(الخطية والتكفير ) د. عبدالله الغذامي

* كاتب وناقد يمني