تفاصيل

الأربعاء - 08 سبتمبر 2021 - الساعة 10:23 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ الدكتور قائد غيلان:


يقدم بسام شمس الدين في رواية "زواج فرحان" عملاً أدبياً ثريا، ولأنه كذلك تتعدد المداخل الممكنة لقراءته، إذ سيجد التحليل السيوسيولوجي ودراسات الجندر مادة كافية لتأليف كتاب، كما يجد الدارس الذي يختار منهجا آخر مادة كافية للتحليل، ولأنه يصعب تقديم قراءة كاملة في حيز ضيق في مثل هذه المناسبة فسوف أختار المدخل النفسي، ولأنه يصعب كذلك تقديم قراءة نفسية للرواية فذلك يحتاج إلى مساحة لا تقل عن كتاب، فسوف أقدم قراءة نفسية لشخصية فرحان، ونرى مدى تماسك النص من خلال تماسك البنية النفسية للشخصيات، وسأركز على بعض المواقف أو المشاهد باعتبارها بنية حلمية، فالعلاقة بين الأحلام والأدب علاقة متينة، إذ إن كلا منهما تفريغ لاشعوري لرغبات مكبوتة، فالأحلام تستغل غياب الرقابة العقلية أثناء النوم فتفرغ شحناتها المكبوتة بكل حرية، وكذلك الآداب والفنون تفعل نفس الشيء تحت مبدأ التسامي، أي تفربغ الشحنات المكبوتة بطريقة مقبولة اجتماعيا. إن الحيل الفنية التي يستخدمها الأدب، تشبه كثيرا آليات عمل الحلم (النقل، التكثيف، المشابهة والتعيين، غياب الروابط). إن الأدب والفن حسب التحبيل النفسي تعبير غير واعٍ للرغبات المكبوتة، أو هي أحلامنا اليقظة يتم إخراجها بشكل مقبول اجتماعيا.
إن العقدة الكبيرة عند فرحان تتمثل في اضطراب هويته الجنسية وكذلك الموقف القلق من عضوه التناسلي، إذ يكتشف رفاقه لأول مرة عضوه التناسلي الضخم أثناء السباحة" انظروا، فرحان يملك ثعبانا ضخما" ص: 30 وتظل صفة " ثعبان" للدلالة على عضوه التناسلي تتكرر في كل الرواية، إنه لا يتقبل عضوه التناسلي، ويشمئز منه و " لا يحب أن يظهر ذلك الشيء البشع بين ساقيه" ص:30
هكذا يتعامل معه على أنه شيء بشع غير مرغوب فيه خاصة بحجمه ذاك. فالموقف السلبي تجاه العضو التناسلي قضية أنثوية لا ذكورية، فصّلها التحليل النفسي في عدة عقد مثل عقدة الكترا وحسد القضيب وعقدة الخصاء، ولا يوجد عند الرجال عقد مشابهة عمظ الرجال عدا عقدة أوديب المقابلة الذكورية لعقدة الكترا، وكون فرحان يعاني من هذه العقدة فهذا دلالة على اضطراب هويته الجنسية، أي ميله لاتباع السلوك الأنثوي أكثر من ميله للسلوك الذكوري.

نأتي إلى أول مشهد حلمي ص: 33 حين يذهب للنوم في المستودع المظلم، ينام على بطنه، ثم يحس يدين تتحسان جسده، وشعر بالارتياح، وهو لا يلعم بهوية من يفعل ذلك، ثم يأمره الشخص أن يقتلب على الجهة الأخرى " وهنا هزته المفاجاة، ووجف قلبه"..

في هذا الموقف يتجلى اضطراب هويته الجنسية، فقد كان ينام على بطنه، وشعر بشخص يتحسس جسده، وهو لا يعلم أهو رجل أم امرأة، ومع ذلك لم يقلق أن يكون رجل، ولم يحرك ساكنا، بل العكس شعر بالارتياح، وحين عرف من الصوت أنها امرأة وأمرته أن يقتلب على الجانب الآخر "هزته المفأجاة، ووجف قلبه" لم يشعر بالخوف والقلق عندما كانت مؤخرته في خطر، لكنه انزعج حين وجدها امرأة تهدد عضوه التناسلي، وكما يحدث في الأحلام، جاءت المرأة فجاة ودخلت وخرجت فجأة وبكل سهولة ودون أي جهد، ودون أن يتعرف على شخصيتها أو يحدث بينهما أي شيء غير المداعبة من جانبها، ذلك لأنه لاشعوريا يرفض الممارسة الجنسية، أو عنده تخوف منها، وفي الأحلام لا يكون الشخص الظاهر في الحلم مقصودا لذاته، فالأهم تفريغ الشحنات، الشخص يختاره اللاشعور عشوائيا، لذلك لم يتعرف على المرأة، ولم يتعرف على شخصيتها إلا من خلال أمه التي اخبرته أنها الأرملة سلمى دخلت بحجة أنها تعالج له العصبة التي كانت تؤلمه، وفي الشكوى من ألم في العصبة دلالة جنسية، لكنها عصبة في الخلف، تفقد صفتها الذكورية، لهذا ظهر مستلقيا بأمان وارتياح على بطنه حتى عندما شعر أن شخصا ما يتحسس جسده.

لكن هذا الحلم مثل كثير من الأحلام ينقطع قبل أن يكتمل، ومثل أي حلم يأتي الشخص موضوع الحلم ضبابيا لأن لا أهمية للشخص موضوع الحلم فهو مجرد موضوع لتفريغ الشحنات، وبما أن الشخص الحالم "فرحان" يعاني من اضطراب الهوية الجنسية فليس ضروريا أن يحدد الشخص الظاهر في الحلم هل هو رجل أو امرأة، فكلاهما يؤدي الغرض، وهكذا يظهر الشخص بدون أي جهد من الحالم، وقد ينقطع الحلم في أي لحظة لأي سبب دون تحقيق الرغبة.

نأتي إلى المشهد الحلمي الثاني في صفحة 37 ذهابه إلى موعده الليلي الأول في بيت الأرملة سلمى، والطبيعي في هذا الموقف أن يأتي فيجدها تنتظره وتأمن له الطريق وتتأكد ألا أحد قد لمحه، فتفتح له الباب وتغلق بعده وتصطحبه إلى المكان الذي سيقضيان فيه ليتلتهما، لكن الأمر لم يحدث هكذا بل حدث بشكل مختلف كما يحدث في الأحلام تماما، إذ وصل إلى باب البيت فوجده مفتوحا، فدخل ثم وجد باب الغرفة مفتوحا، ووجدها مستلقية عارية وطلبت منه أن يتعرى ويلتحق بها، إنه مشهد حلمي بامتياز، موقف مثالي لمن يرغب في إشباع الرغبة الجنسية، لكنه لا يصلح لرجل يعاني من اصطراب الهوية الجنسية والتخوف من الجنس، فهو يتردد عند الباب في موقف أنثوي، وعندما اصبح إلى جانب امرأة عارية سمح لها أن تفتح قصة أبيه وجده وقصة وضحى، وعندما بدأ بالنعاس يئست من رجولته فطلبت منه أن يغادر و"نهرته قائلة:
قم يا فتى لتنام في حضن أمك" ص: 40
انه موقف يثبت اضطراب هويته الجنسية وتخوفه من الجنس، وهروبه منه.

ثم يذهب فرحان وأبوه للخطبة من قرية أخرى، فيقوم أب الفتاة باختبار فرحان للتاكد من جدارته في الحصول على البنت بتجربة الحرث، وفي الحرث دلالة جنسية واضحة " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" ورغم أنه نجح فيه لأن التعامل مع الأرض تعامل عضلي، والرجل مستعد عضليا وبدنيا، لكنه يفشل في الاختبار النفس بدني الذي نفذته النسوة، فقد وضعن له ثعبانا عند البركة وطلبن منه تخلصيهن منه، ونتذكر أن الثعبان هو المعادل الرمزي لعضوه التناسلي الذي يوصف في كل الرواية أنه " ثعبان" لكنه عندما يشاهد الثعبان يدوّخ، فيفشفل في الاختبار ويرفَض، أن يدوخ أمام الثعبان فهذا سلوك أنثوي، فالرجل في هذه المواقف يواجه أو يهرب، أما يدوخ فذلك سلوك أنثوي، ومادام الثعبان صفة ورمز لعضوة التناسلي فهذا دليل آخر على رفضه لهويته الجنسية والتهرب من تبعاتها.

ورغم فشله في الاختبار يُعطٰى فرصة أخرى في الجلوس مع الفتاة المخطوبة ص" 53 و 54، فيتبادلان الأدوار، هي موقفها ذكوري وهو موقفه أنثوي، هي توافق على الخطبة وتدفعه لإتمامها وهو يتردد ويبحث عن مخرج للرفض.
كما إن هنالك موقف آخر ذي دلالة وهو موقف إلباسها خاتم الخطبة وإضماره طعنها، في صفحة 128 و 129، وفي هذا المشهد يتأكد اضطراب هويته الجنسية فالبنت رابطة الحأش شجاعة صامدة وهو يرتعد خوفا وقلقا، وسقط منه الخاتم مرتين، وفي مشهد إلباس الخاتم يتبادلان الأدوار أيضا، فالبنت قوية وشجاعة كما إن أصبعها يمثل رمزا ذكريا، والحلقة من جانبه " رمزا أنثويا"، ويتوجب أن تدخل الأصبع في الخاتم رمزيا "عملية جنسية"، لكنه يفشل فيها، بمعنى يفشل حتى في تمثل الدور الأنثوي، وفي نفس الوقت كان يخفي خنجرا "رمز ذكري"، يضمر طعنها، والطعن عملية اختراق لجسد المراة، أي رمزيا "عملية جنسية" لكنه يفشل في ذلك أيضا.

وآخر مشهد رمزي نقرؤه في آخر صفحة في الرواية، قصة الخرقة البيضاء التي يجب ان تخرج وفيها بعض دم الفتاة كدليل عل عذريتها ودليل على فتوته الجنسية، لكنه يفشل ويُعكَس الدور حتى في هذه، فقد خرجت الخرقة وهي ليست ملطخة بالدم الذي نزفته الفتاة كما يفترض، بل بالدم الذي نزفه هو من أنفه، حتى دم العذرية نزفه هو بدلاً عنها..