عربي ودولي

الإثنين - 17 يناير 2022 - الساعة 08:40 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ جريجوري دي جونسون:


في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، تقدم الحوثيون بطلب غير عادي. طلبت الجماعة، التي تسيطر على صنعاء وجزء كبير من المرتفعات الشمالية في اليمن، الإذن من المملكة العربية السعودية للسماح للسفير الإيراني لدى الحوثيين بالعودة جوًا إلى وطنه. في البداية، اعتبر المسؤولون السعوديون، الذين يسيطرون على المجال الجوي فوق اليمن، الطلب على أنه محاولة من قبل الحوثيين للنأي بأنفسهم عن إيران.

على امتداد الحرب الدائرة منذ سبع سنوات في اليمن، تطورت العلاقات الوثيقة بين إيران والحوثيين بشكل متزايد. تقوم إيران بتهريب الأسلحة للحوثيين وتزودهم بمستشارين عسكريين، في حين ينهك الحوثيون السعودية، ويوفرون الغطاء، وإمكانية الإنكار، للأعمال الإيرانية من وقت لآخر. ولعل من أبرز هذه الأعمال حصول الحوثيين على الثقة في هجمات أيلول/سبتمبر 2019 بالصواريخ والطائرات المسيرة على المنشآت النفطية السعودية. أصدرت الولايات المتحدة في وقت لاحق تقريرًا يتهم إيران بارتكاب الهجمات.

كما أن إيران هي أول دولة تعترف بالحوثيين كحكومة في شمال اليمن، وفي أغسطس/آب 2019، عين الحوثيون سفيرًا لهم في طهران. وبادلتهم إيران العمل نفسه بعد أشهر بتعيين حسن إيرلو سفيرًا لها في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين. تم تهريب إيرلو، وهو عضو في فيلق حرس الثورة الإسلامية، إلى اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وتعرض لاحقًا لعقوبات من الولايات المتحدة. خلال الفترة التي قضاها في صنعاء، كان إيرلو يتمتع بمكانة عامة مرموقة، وغالبًا ما كان يظهر جنبًا إلى جنب مع قادة الحوثيين في الأحداث الرئيسية. ويُذكر أن إيرلو قد لعب أيضًا دورًا في صياغة الاستراتيجية العسكرية للحوثيين داخل اليمن.

يذهب الاعتقاد إلى أن هذا أصبح يشكل مشكلة للحوثيين. على الرغم من أن العديد من المعلقين الخارجيين، ولا سيما المحللين الغربيين، يرون في الحوثيين وكيلًا لإيران، إلا أن الحوثيين لا ينظرون إلى أنفسهم بهذه الطريقة، ويروا أنفسهم دولة ذات سيادة – حليفة لإيران وليست وكيلًا لها.

كما أن الاعتقاد بأن إيرلو هو صاحب القرار قد تسبب في صعوبات داخلية للحوثيين. إن قيادة الحوثيين، الزيدية الشيعية المتميزة عقائديًا عن الشيعة الاثني عشرية التي تمارس في إيران، ليست كتلة متجانسة. فهنالك أعضاء موالون لإيران بقوة داخل القيادة الحوثية، لكن هناك أيضًا أعضاء ذوو مواقف متأرجحة، ما يشير إلى تكاليف الدعم الإيراني.

تم تشكيل حركة الحوثيين في الأصل للحفاظ على المذهب الزيدي التقليدي في اليمن، والذي يمكن القضاء عليه بسهولة من قبل الشيعة الاثني عشرية كما هو الحال مع المذهب السني العام، الذي كانت تدعمه الدولة اليمنية في التسعينيات. في الواقع، هناك بالفعل دلائل على أن الزيدية التقليدية آخذة في التآكل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. على سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول 2019، بعد فترة وجيزة من تعيين الحوثيين سفيرًا في إيران، أقاموا أيضًا احتفالًا عامًا بمهرجان عاشوراء الشيعي الاثني عشري. لم يتم الاحتفال بالمهرجان قط في اليمن حتى في ظل أَئِمة الزيدية.

قال مسؤول إقليمي لصحيفة وول ستريت جورنال إن إيرلو أصبح يشكل “مشكلة سياسية” للحوثيين. لكن بينما كان السعوديون يناقشون مدى الحكمة في الموافقة على طلب الحوثيين، أبلغهم الحوثيون أن إيرلو يعاني من فيروس كورونا، وأنه إذا سمحت له السعودية بمغادرة البلاد، فلن يستبدله الحوثيون بـ “دبلوماسي إيراني جديد”.

توصلت السعودية في نهاية المطاف إلى تسوية، تسمح بموجبها لطائرة إخلاء طبية عراقية بالعودة بإيرلو إلى طهران. وبعد أيام قليلة، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، توفي إيرلو نتيجة لما وصفه المسؤولون الإيرانيون بمضاعفات فيروس كورونا.

على الرغم من أن إيران قد صرحت في البداية أنها ستعين سفيرًا آخر في اليمن، إلا أنها عينت فيما بعد عبد الرضا شاهلاي، وهو مسؤول آخر في حرس الثورة الإسلامية، وموجود بالفعل في اليمن، كبديل لإيرلو. كما كان الحال مع إيرلو، يخضع شاهلاي لعقوبات أمريكية، وله علاقة أيضًا بمؤامرة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عام 2011. نجا شاهلاي من ضربة بطائرة مسيرة أمريكية في يناير/كانون الثاني 2020 استهدفته في اليمن في اليوم نفسه الذي قتلت فيه الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية اللواء قاسم سليماني في العراق.

هناك طريقتان لقراءة تعيين شاهلاي. إذا كانت رواية الشرخ في العلاقات بين الحوثيين وإيران صحيحة، فمن الملاحظ أن شاهلاي لن يشغل منصبًا دبلوماسيًا، وباختيار مسؤول موجود أصلاً في اليمن، تكون إيران قد احترمت التزام الحوثيين للسعودية بعدم جلب “دبلوماسي جديد”. وفي المقابل، كان من الممكن للتحول في المشهد العسكري في اليمن منذ وفاة إيرلو أن يقنع إيران بأهمية وجود قائد متمرس يتحمل المسؤولية على الأرض.

في أوائل يناير/كانون الثاني، ومع إحياء إيران لذكرى حياة إيرلو، تحركت وحدات من كتائب العمالقة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة إلى محافظة شبوة جنوب اليمن. كانت كتائب العمالقة، التي تأسست في عام 2016، تتمركز على ساحل البحر الأحمر في معظم أوقات الحرب. ولكن عندما تقدم الحوثيون في شمال شبوة في أواخر عام 2021 مهددين بتقسيم الجنوب، وفصل عدن عن حضرموت، الأمر الذي يمنح الحوثيين منفذاً آخر على البحر، قامت كتائب العمالقة بإعادة انتشارها.

في غضون بضعة أيام، دحرت كتائب العمالقة الحوثيين من المقاطعات الثلاث التي سيطروا عليها في شمال شبوة، بالإضافة إلى مناطق جنوب محافظة مأرب. ويقف الحوثيون، حاليًا، في مأرب موقف المدافع، الموقف الذي لم يشهدوه منذ أكثر من عام. إذا نجحت كتائب العمالقة في دحر الحوثيين إلى الوراء في مأرب، فإن ذلك سيغير اتجاه الحرب. ويمنح المفاوضين فرصة للضغط على الحوثيين للتوصل إلى تسوية.

بالنسبة للحوثيين، تعد مأرب وبالأخص حقول النفط والغاز في المحافظة ضرورية. ولكي يحصل الحوثيون على قاعدة اقتصادية لدولة مستقلة في المستقبل فإنهم يحتاجون للسيطرة على مأرب، على أقل تقدير، إن لم يكن أيضًا على حقول النفط والغاز في شبوة وحضرموت.

إذا اعتقد الحوثيون أن هجومهم العسكري على مأرب في خطر، فمن المرجح أن تتوجه أنظارهم إلى حليفهم الحقيقي الوحيد، ألا وهو إيران. كلما زاد شعور الحوثيين بالتهديد في ساحة المعركة، زادت سطوة إيران عليهم، بصرف النظر عن الانقسامات التي كانت قائمة قبل شهر.


معهد دول الخليج العربي في واشنطن

جريجوري دي جونسون

عضو سابق في فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن