كتابات

السبت - 09 أبريل 2022 - الساعة 11:12 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ إرم نيوز:


تقدم الشاعرة السورية المغتربة فداء البعيني، تأملات في المشاركة الإنسانية للمشاعر مع الآخر، والأماكن، مبينة أثرها في صناعة الذات، والتجربة، والوعي، في مجموعتها الشعرية ”يدك التي تملؤني قمحًا“ الصادرة عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع 2022.

وتقوم مجموعة فداء البعيني على استكشاف ومراجعة الذات، من خلال تفنيد مشاعر مختلفة، عبر التجارب الطويلة مع الحياة. فتكتب الشاعرة عن الخيبة الإنسانية، والصوت الغائر في المرء تجاه الذكريات الجميلة، والحزينة منها.

الضوء خارج السجن

وتنطلق في قصائدها نحو تحرر الإنسان من ضعفه، بعد الخذلان الطويل، واصفة تلك العملية بالترميم.

كما تبحث عن الأجوبة الشافية، لا الوهمية، للأسئلة، معبرة عن الاكتفاء من التوهم، من خلال المناداة المفتوحة للكون ”كوني أيتها السماء أكثر كرمًا / وأمطري أجساد أجوبة / لا كما تُسقى الورود خلف زجاج النوافذ“.

وتبحث البعيني عن المادة الخام للأشياء، النقية الخالصة، من خلال صوتها الشعري الصارخ، المتفكك من القيود، كما الضوء الذي تخرجه من السجن ”خلق الضوء ليشع /بلا قضبان“.

رمزية العنوان

وتنطلق فلسفة البعيني الشعرية عبر التراكبية البنائية بين الإنسان والآخر، والإنسان والمكان؛ فجميع قصائدها تقوم على المشاركة مع الآخر، مفصلة التجربة، والأثر، ومبينة النتيجة بعد هذه التجربة التشاركية، بالنضج أو الوعي أو حتى الوهم والندم.

كما أن عنوان المجموعة يحمل هذا التجسيد، وكأنما يد الشاعرة ممدودة لالتقاط اليد التي تتسبب في إثمار الحياة داخلها حينما قالت ”يدك التي تملؤني قمحًا“.

تنوع

ويلحظ في الطريقة البنائية لنصوص فداء البعيني، اتّباعها نقاط بدء مختلفة في الصياغة والتركيب، وحتى خلال إتمامها جسد القصيدة. وذلك يتحقق باستخدام الحواريات خلال النصوص، واستخدام المونولوج الشعري في أماكن أخرى، واتباع بنائية التساؤل والتجريب في أمكان أخرى.

كما تستخدم في صياغة جملها، ضمير الأنا، والغائب المفرد، والجمع، عبر قصائد امتدت إلى 100 صفحة من القطع المتوسط.

ابتعاد

ويتضح من نهج المجموعة، بأنها تمثل تجربة الغربة عن المكان والأشياء، فتتأجج فيها ملامح الحزن والتورط مع مشاعر الغصة والتعب بفعل مجريات متراكمة عبر الزمن. ويظهر في السياق، صورة الإنسان البعيد عن كل الشيء، الدائم الصراخ والتلويح، من خلال العودة المكررة للذكريات، واستخدام أسلوب النداء، في أكثر من صورة، وكذلك اتباع صيغة الأسئلة الاستدراكية الوجودية.

وتبتعد الشاعرة عن نمطية اليوميات التي تقوم عليها قصيدة النثر الحداثية، معتمدة على التذكر، عبر سحب الماء من البئر القديم؛ ما يجعل صوتها الشعري، يميل للكلاسيكية، ودعّم ذلك وجود العديد من القصائد تعتمد القافية، والموسيقى عبر الكلمات والسجع.

وغاب في الكثير من الأماكن الإيقاع الداخلي الذي تقوم عليه قصيدة النثر الحداثية.

نافذتان

تقدم الكاتبة في نص ”نعمة الارتداد“ كاستهلال لمجموعتها نافذتين مشرعتين في المشهد ذاته، مبينة وجه الاختلاف في تلقي الأحداث، وكيفية التعامل معها.

المشاعر عند فداء البعيني جمهور إما يعزز الخيبة وإما يقتلها. وهي أيضًا من يمنح الثقة والقدرة على تواري الإنسان خلف ضعفه ومأزقه، من خلال امتلاك أدوات التعالي والثقة، فيصنع المرء حاجز القوة حول ذاته لحمايتها، من خلال اللا مبالاة والتمرير.

هذه المفارقة هي لب العلاقات الإنسانية القائمة على القوة والضعف، والأخذ والعطاء.

والارتداد هنا، مقدرة يمتلكها الإنسان، من الاستمرار في ممارسة هدم ذاته، لحمايتها من الهلاك.

من نص ”نعمة الارتداد ”:

”يحييني جمهوري الواهم،
لبراعتي المكتسبة،
في القفز من الخيية،
والمعاودة بثقة مغمَضة،
ويصفق لك جمهورك الواثق،
لاحترافك الاختباء
والتلاشي،
وراء ستائر اللامبالاة“.

حوار مونولوجي

ومن غربتها، تعكس فداء البعيني صوت الشعر وقدرته على اختزال التجربة بالكلمات، فهي من خلال القصيدة تعبر عن الحوار المونولوجي للإنسان مع ذاته، بعد التغرب عن المكان، هذه الأزمة التي تحرف مسار العمر والجسد والمعنى، وتجعل من التجربة أكثر قسوة وأثرًا في الإنسان.

تسترجع الشاعرة لحظاتها في دمشق، المكان الذي تعلمت فيه تجريب مشاعرها مع الهواء والماء والحجارة، وهي في غربتها الآن، ليست شريكة في صنع ماضي المكان، لذا تخاطب في خيالها وطنها، معبرة عن حسرتها لعدم القدرة على الاختيار وقت المغادرة، فهي هربت من حرب سوريا، لحرب أخرى مع ذاتها ومع الذكريات،في الغربة،

تكتب البعيني لوطنها، في نص“وداعًا للياسمين“:

”يا وطن،
لا البقاء فيك بمأمن،
ولا هجرك كان سلامًا
مَدوم،
يا قدر لماذا ألوانك مخاتلة،
أم إنها لا تتقن خواتم الرسوم“.

جذور

كما تعطي الشاعرة خلال تجريبها الشعري، تفاصيل المرأة المعبرة عن هويتها، وفلسفتها في الحياة. إذ تضع صفات المرأة الغائرة كأفكار في الخيال، مبينة صلابة هذا الكيان، وانغراسه كجذر في عمق الأشياء، وهنا تدليل على قدرة المرأة على زيادة قوة الأشياء حين تتجذر فيها والقدرة كذلك على العودة بعد الانكسار.

وتكشف الشاعرة عن تجربة المرأة المُركّبة، القائمة على الجزئيات الصغيرة، والتفاصيل المتناهية، إذ إن أصغرها يهدم أكبرها، وفي كتلتها يمتلئ الكون، وهذا الامتلاء هو ذات المرأة، وكيانها.

وتقدم الشاعرة أسلوب النص البؤري بتكرار كلمة المرأة ومن ثم الانطلاق لنظم المعنى، وهو ما يحمل دلالة بنائية الكون، القائمة على المرأة.

هذه المعاني تقدمها الشاعرة في نص ”ربيع النهايات“:

”أنا امرأة،
تزرع جذورها عميقًا
وتفتح ذراعيها
باتساع السماء،
امرأة
تقدس تفاصيل
من ألقت عليهم بفيئها،
تهمس في أذن النسمة،
سر الشفاه تخبرها،
أنا امرأة كلما اقترب الخريف منها
أزهرت
من رحم النهايات“.