نافذة على السياسة

الخميس - 28 أبريل 2022 - الساعة 11:17 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ متابعات خاصة:


ناقش الباحث محمود قاسم، في المرصد المصري، أثار إعلان الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” تشكيل مجلس قيادة رئاسي ونقل كافة الصلاحيات وفقًا للدستور والمبادرة الخليجية، وإعفاء نائبة على محسن الأحمر من منصبه، تساؤلًا رئيسيًا حول مستقبل الأزمة اليمنية في ظل هذا التحول اللافت، حيث تدخل الأزمة عامها الثامن دون تحقيق انفراجة حقيقية على مستوى الجهود الدبلوماسية وتسوية الصراع.

وبحسب الباحث يمثل هذا التغير انتقال جديد للسلطة، حيث يتوقف نجاحه من عدمه على عدد من الاعتبارات، يرتبط بعضها بالتفاعلات داخل المجلس الرئاسي ذاته، وحدود التوافق الداخلي، والقدرة على صياغة ترتيبات مناسبة وفقًا لخارطة طريقة محددة المعالم ومحكومة بإطار زمني واضح.

ومن ناحية أخرى تظل التحديات المرتبطة بتعنت الحوثي ورفضه الانخراط في التفاعلات السياسية أحد القيود التي يمكن أن تجهض عملية التحول، وهو ما قد تكشف عنه التفاعلات القادمة في الساحة اليمنية.

وتضمن الإعلان الرئاسي، ميلاد مجلس القيادة الرئاسي، يتولى إدارة شؤون البلاد، والإشراف على كافة الترتيبات القادمة، وتشكيل هيئة التشاور والمصالحة، وتشكيل فرق معاونة، قانوني يتكون من رئيس و9 أعضاء، وآخر واقتصادي يتكون من رئيس و14 عضو، ويضم كلا منهما مجموعة من الكفاءات والمتخصصين.

بالإضافة إلى مواد مكملة، وضعها الإعلان خلال المادة 6 و7 و8، حيث أعلن الثقة في الحكومة التي تشكلت بموجب اتفاق الرياض، مع منح مجلس القيادة الرئاسي حرية إجراء ما يراه ملائمًا سواء إدخال تعديلات على الحكومة القائمة أو الإطاحة بها وتشكيل حكومة جديدة. كما دعت المادة السابعة المجلس لبحث سبل التفاوض مع الحوثيين ومحاولة وضع حد للأزمة عبر التوصل لحل سياسي، وجاءت المادة الثامنة لتشير لنهاية ولاية المجلس الرئاسي بمجرد إقرار السلام مع ما يتضمنه من تحديد المرحلة الانتقالية ومتطلباتها، أو من خلال إجراء الانتخابات وفقًا للدستور الجديد وتنصيب رئيس جديد للبلاد.


تطور لافت

هذه القرارات يمكن وصفها بالإعلان الدستوري، الذي يؤسس لمرحلة جديدة في الأزمة اليمنية، بل ويطرح عدد من المسارات المحتملة، خاصة أن المادة التاسعة من بنود الإعلان الرئاسي قد أقرت بأن هذا الإعلان يُلغي ما يتعارض مع احكامه من نصوص الدستور والقوانين، ما يعني ضمنًا أنه أصبح بمثابة مرجعية جديدة أو أحد المرجعيات التي ستتحكم في التفاعلات المقبلة، وفي هذا السياق يمكننا الوقوف على جملة من الدلالات فيما يلي:


- الحاجة لاختبار فرص التسوية، فعلى الرغم من كثرة المبادرات ومساعي حلحلة الازمة، إلا أن التصعيد العسكري والابتعاد عن مسارات التسوية كان بمثابة السمة الأساسية في عمر الصراع، خاصة بعدما شهد عام 2021 مستوى غير مسبوق من العسكرة وتوظيف الأدوات الخشنة من قبل الحوثيين والعمل على تمديد النفوذ الميداني وتحقيق مزيد من السيطرة الترابية بما يتجاوز حدود المدن والمحافظات التي تسيطر عليها الميليشيا، وعليه يأتي الإعلان تمهيدًا لبحث فرص التسوية وإمكانية حلحلة الصراع ووقف تجدد دورات العنف.تجاوز إشكاليات الشرعية، نظرت بعض التقديرات لأن أحد التحديات التي تواجه الأزمة اليمنية تكمن في الحكومة الشرعية ذاتها، وما تحمله من أزمات وتباينات داخلية، علاوة على تفشي الاتهامات بالفساد، وغياب التوافق حولها، ما اتضح على الأقل في الصراع لفترات سابقة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية.

 وعليه ينظر لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي كونه مدخلًا لتجاوز تلك الإشكالية، خاصة أنها تأتي برعاية ومظلة خليجية، ما يشير لإمكانية حدوث تغيير ملحوظ على غرار مبادرة الخليج الأولى (نوفمبر2011)، والتي أسهمت في صياغة ترتيبات سياسية أفضت لعملية انتقال سياسي عبر إجراء انتخابات رئاسية (فبراير 2012) وانتقال السلطة للرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي”، ما أعتبر “آنذاك” تحركًا جادًا لرسم ملامح اليمن في أعقاب الحراك الشبابي، إلا أن هذا المسار قد تبدد في أعقاب انقلاب الحوثيين على السلطة والسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء(سبتمبر2014)، ما قاد البلاد فيما بعد لمرحلة شديدة التعقيد والتأزم. 

- تكوين جبهة داخلية صلبة، يُشير السياق العام المصاحب لإطلاق الإعلان عن وجود اجماع غير مسبوق أو على الأقل توافق كبير يجمع كافة المكونات والفصائل اليمنية في جبهة واحدة ضد الحوثيين، ما قد يضع مزيد من القيود على مساحة الحركة المستقبلية للميليشيات الحوثية، الأمر الذي يعول عليه في تجاوز حالة القتال الداخلي وبحث الخروج الآمن مع دورات العنف المتجددة، كما أن نمط الحكم الذي أفرزه الإعلان يبتعد بشكل واضح عن مسار السلطة المتمركزة في يد الرئيس، وقد يوفر الابتعاد عن نمط المركزية في إدارة البلاد فرصة كبيرة لبناء الثقة بين مختلف المكونات الداخلية، خاصة وأن المجلس الرئاسي يتكون مناصفة بين الشمال والجنوب، ما يعني تجاوز إشكالية التمثيل العادل، وهو ما يصب في نهاية المطاف في تكوين جبهة موحدة يمكن أن تتبني تحركات جماعية ضد أية محاولات حوثية للتصعيد فيما هو قادم. انفراحة أم تعقيد؟


تحولات اقليمية ومحلية ودولية:


يأتي هذا التحول، وسط تحولات إقليمية ملحوظة فيما يشبه إعادة ترتيب الأوراق وصياغة التحالفات بين القوى الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، كما تتزامن مع عدد من التطورات الدولية التي يمكن أن تنعكس أصداؤها على قضايا الإقليم. وفي ظل السياق الحالي تبدو مؤشرات التعقيد وحدود الانفراجة حاضره في الساحة اليمنية، ما يمكن تحديد ملامحه فيما يلي.

اولًا) مؤشرات الانفراجة، يفترض أصحاب تلك الرؤية نجاح المجلس الرئاسي الجديد في تحقيق أهدافه ومن ثم تسوية الأزمة وإنهاء حالة الجمود السياسي، انطلاقًا من جملة من الاعتبارات يأتي في مقدمتها، حالة التوافق بين مختلف الأطراف على رئاسة المجلس والأعضاء الممثلين له، إذ يحظى رئيس المجلس الجديد بعلاقات وثيقة مع الأطراف الإقليمية، والمكونات السياسية داخل اليمن، علاوة على تجاوز بعض الشخصيات التي كانت محلًا للجدل في الأوساط اليمنية وفي مقدمتهم نائب الرئيس “علي محسن الأحمر”، كما تضع الأطراف المنخرطة في الصراع آمالها على النظرة التفاؤلية التي صاحبت مشاورات الرياض وإجراء حوار يمني يمني، حيث يمكن أن ينقل الصراع لمرحلة جديدة، تنهي الحرب وتحجم من الأداة العسكرية لصالح الجهود الدبلوماسية.

 وقد عملت تلك المباحثات على بحث الحلول السياسية للأزمة اليمنية عبر التشاركية في صياغة تلك الحلول من خلال مشاركة كافة الأطراف والقوى المؤثرة في المشهد اليمني، وكذلك الجهات والمكونات الفاعلة، إذ تم الإشارة لمشاركة نحو 500 شخصية سياسية وقبلية يمنية، ما يُعد ضامنًا لتوسيع حدود التوافق وبناء الثقة الغائبة بين الأطراف المنخرطة في الأزمة اليمنية، وذلك على خلاف المفاوضات أو المسارات السابقة والتي ارتكزت بالأساس على طرفي الصراع الأساسية ممثلة في ميليشيا الحوثي والحكومة الشرعية.

كما يرتكز هذا التوجه بشكل كبير على امكانية تثبيت عملية وقف إطلاق النار في ظل الزخم والجهود الدولية والاقليمية لإنهاء الحرب، إذ أعلن المبعوث الأممي ” هانس غروندبرغ” (فبراير 2022)، عن الإعداد لمبادرة متعددة المسارات وتضم كافة الأطراف الفاعلة في الأزمة للعمل على بحث سبل الخروج من الأزمة، كما تبلورت مؤشرات الانفراجة من خلال الإعلان عن هدنة تستمر لمدة شهرين، ويعول على تلك الهدنة خاصة أنها الأولى من نوعها على مستوى الدولة منذ سنوات.

من ناحية أخرى، يمكن أن تنعكس المباحثات النووية والتوصل لاتفاق نووي على مسار الأزمة اليمنية، وذلك في ظل الترابط بين القضيتين، حيث تشير التقديرات إلى أن رفع العقوبات عن إيران وإعادة دمجها في النظام الدولي، سيدفعها لإقناع الحوثيين بالقبول بمسار التسوية، ويدعم هذا التوجه التقارب بين طهران والرياض عبر المباحثات التي انطلقت منذ أبريل 2021، ورغم أنها لم تحقق أهدافها بعد، إلا أنها تشير لوجود رغبة لدى الطرفين لإعادة العلاقات الدبلوماسية وتسوية القضايا العالقة بينما، ما قد تنعكس أصداؤه على الملف اليمني، نظرًا للانخراط الكبير للطرفين وحيازتهم أدوات التأثير على الأطراف الرئيسة في الأزمة.

ثانيًا) مؤشرات التعقيد، ينطلق هذا المسار من صعوبة حلحلة الأزمة، وعدم قدرة مجلس القيادة الرئاسي على بناء مسار ينهي الصراع اليمني، وينظر أصحاب تلك النظرة التشاؤمية لعدد من الاعتبارات من بينها، رفض الحوثيين الدائم ومساعيهم المستمرة لإجهاض أية توافقات سياسة والخروج عن مسار التسوية السياسية كما هو الحال في أوقات سابقة، سواء ما حدث عبر الانقلاب على اتفاق الشراكة والسلم، أو اتفاق ستوكهولم، علاوة على رفض الاندماج في أية ترتيبات من شأنها تسوية الأزمة، كما تم عبر رفض مبادرة السعودية (مارس 2021)، يضاف لذلك رفض ميليشيا الحوثي الانخراط في مباحثات الرياض التي انتهت فعالياتها ( 7 أبريل الجاري)، حيث رأت أنها لا تعقد في أجواء ملائمة، وتفتقد للحياد نظرًا لانعقادها في السعودية، كما أن رد فعل الحوثيين على الإعلان الرئاسي واعتبار أن المجلس الرئاسي يفتقد للشرعية قد يضع قيودًا مضاعفة على عمل المجلس، أو على الأقل قد يجعل الترتيبات المستقبلية منقوصة في ظل غياب أحد الأطراف الأساسية للصراع عن تلك التفاعلات، كما قد يرفض الحوثي الاندماج في أية مشاورات مع المجلس لتسوية الأزمة.

من ناحية أخرى، ترى بعض التقديرات أن ميليشيا الحوثي قد لا تقدم أية تنازلات للمجلس، خاصة أن الجناح المتشدد داخل الجماعة لا يزال يشعر أن لديهم فائض قوة يمكن توظيفه في تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، وأن أية تنازلات يمكن أن تُضعف من موقفهم، كما أن الرهان العسكري لا يزال يسيطر على ذهنية الجماعة وتحركاتها في المشهد اليمني، ما يمكن ملاحظته من التصعيد المستمر سواء في الداخل أو عبر تنامي العنف الإقليمي ممثلًا في تصعيد الحوثي تجاه السعودية والإمارات.

في ذات السياق، ورغم ما يحمله الاتفاق النووي المحتمل من ملامح للانفراجة، إلا أنه يحمل قيدًا لا يمكن تجاهله فيما يرتبط بالملف اليمني، إذ يمكن أن تعمل طهران على الإبقاء على ورقة الحوثيين ضمن أدوات المساومة، بهدف اختبار صلابة الاتفاق، وضمان عدم الانقلاب عليه في حال تغير الإدارة الأمريكية، ومن هنا قد لا تدفع طهران الحوثي لتقديم تنازلات كاملة قبل أن تضمن مصالحها المتمثلة في استمرار الاتفاق.

في الأخير، يمكن القول إن الإعلان الرئاسي بمثابة انتقال جديد للسلطة، ويتوقف نجاحه من عدمه على عدد من الاعتبارات، يرتبط بعضها بالتفاعلات داخل المجلس الرئاسي ذاته، وحدود التوافق الداخلي، والقدرة على صياغة ترتيبات مناسبة وفقًا لخارطة طريقة محددة المعالم ومحكومة بإطار زمني واضح، من ناحية أخرى تظل التحديات المرتبطة بتعنت الحوثي ورفضه الانخراط في التفاعلات السياسية أحد القيود التي يمكن أن تجهض عملية التحول، وهو ما قد تكشف عنه التفاعلات القادمة في الساحة اليمنية.