عربي ودولي

الخميس - 02 يونيو 2022 - الساعة 07:35 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ إبراهيم الجبين:


على النقيض من العرب، لا تضيّع إيران الوقت، فلم يكد رئيس النظام السوري بشار الأسد يلتقط أنفاسه بعد اليد العربية التي مُدّت إليه مؤخرا، حتى عاجلته طهران بتصعيد مواقفها في ما يتعلق بالملف السوري، لتقطع عليه الطريق أمام أي محاولة للإفلات من هيمنتها ونفوذها.

لم يتوقف الأمر على رفع وتيرة تهريب المخدرات إلى الأردن ومن ثم إلى الخليج العربي، وهو ما دفع العاهل الأردني إلى التدخل شخصيا والإعلان من الحدود الشمالية لبلاده عن أن جيشه لن يسمح لجنوب سوريا بعد ما سماه بالفراغ الناتج عن الانسحاب الروسي منها بالتحول إلى تهديد لأمنه القومي. الملك عبدالله الثاني الذي قال إن الوجود الروسي في جنوب سوريا “كان يشكل مصدرا للتهدئة”، ترّدد أنه نقل معلومات إلى واشنطن تتعلق باستراتيجية إيرانية ينفّذها حزب الله بالتعاون مع الجيش السوري تستهدف الأردن ودول الخليج بتخطيط وإشراف إيراني.

فوق ذلك سارعت إيران إلى عقد سلسلة من الاجتماعات في شمال وشمال شرقي سوريا، وفي مدينتي دير الزور والبوكمال قرب الحدود العراقية – السورية، لتكثيف واستئناف النشاط الحوثي فيهما. وهاتان المنطقتان تخضعان لإشراف مباشر من غرفة عمليات الحرس الثوري الإيراني التي لا تكتفي فقط بتنظيم عمل الأذرع الميليشياوية لطهران، بل تعمل على تغذية هذه الشبكة بالمزيد من تأسيس الخلايا وتجنيد المرتزقة في صفوفها.

النشاط الإيراني الأخير في دير الزور تعتبره قيادة الحرس الثوري المرحلة التالية على التغيير الديموغرافي والمذهبي الذي أخذت بتطبيقه منذ سنوات انطلاقا من قرية “حطلة” و”هرابش” حيث مركز قيادة الحرس الثوري المكلفة بالشأن اليمني في دير الزور وصولا إلى الميادين والبوكمال ومجرى الفرات، وكافة المواقع الأثرية التي قامت بتحويلها إلى مزارات شيعية ومراكز تشغيل نشطة.

لكنّ نهجا عسكريا جديدا قررت إيران انتهاجه لضرب الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة التي عوّلت على التقارب مع الأسد لإبعاده عن الحضن الإيراني، وفي الوقت الذي كان الحوثيون يستهدفون دولة الإمارات العربية المتحدة، كان وفد من الحوثيين يصل إلى دير الزور أواخر مارس الماضي، بقيادة عبدالعزيز اليباس وعلي محمد الخدروش وحيدر علي الضالعي، بعد الحصول على إذن مباشر من الحاج حميد صفار هرندي ممثل خامنئي في سوريا. ولم تكد تمضي أيام حتى انطلق نشاط مكثف قاده الحاج آباد، وهو الإيراني جواد محمد غلام دياني ليشرف بنفسه على افتتاح مكتب تجنيد مخصص للحوثيين في البوكمال، ومنذ ذلك التوقيت وعملية التسجيل مستمرة بشكل يومي، لجمع مرتزقة يجري توقيع عقود عمل معهم تمتد إلى ثلاثة أعوام للعقد الواحد وبمرتب شهري يصل إلى ألف دولار للمدنيين وألف ومئتي دولار للعسكريين.

برنامج الحرس الثوري يقضي بنقل هؤلاء إلى إيران أولا، للخضوع لدورات تدريبية مكثفة في تشكيلات “فيلق القدس”، وبعد تخريجهم يصبحون جاهزين للالتحاق بمرتبات الحوثيين في اليمن.

ويبدو زج إيران للسوريين في حرب اليمن، أبعد من حاجة الحوثيين إلى العديد والعتاد، بل هو توريط للأسد في المزيد من التعقيدات المتصلة بالمنطقة، بحيث تكون الرسالة التي تلقاها في زيارته إلى طهران أكثر وضوحا “لا تغيير في خارطة علاقاتك حاليا”.

تعتقد إيران أن الحصار الذي بدأت روسيا تعيشه هذه الأيام، بعد أن تجرّعت ثورة الخميني مرارته منذ اندلاعها، كفيلٌ بقلب الأمور لصالحها، خاصة وأنها خاضت خلال الأعوام الخمسة الماضية صراع نفوذ في العمق السوري مع الروس تنقّل من مكتب إلى مكتب ومن دائرة إلى دائرة ومن وزارة إلى وزارة ومن قطعة عسكرية سورية إلى أخرى.

ولكل من موسكو وطهران في هذا الصراع أهداف تتقاطع حيناً وتتنافر في غالب الأحيان، غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا أسال لعاب الإيرانيين، وجعلهم أكثر اندفاعا إلى درجة أنهم كانوا هم أول من سرّب معلومات تقول إن الروس ينفذون انسحابا مبرمجا من سوريا، محققين بذلك غرضين، الأول إنذار الأردن بأن إيران ستقوم بملء الفراغ، والثاني الضغط على ملف المفاوضات المتعلقة بالتفاهم النووي الإيراني الذي كاد يصل إلى نتيجة، وكادت إيران تحقق فيه اختراقا حقيقيا بجعل الولايات المتحدة ترفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب، لولا أن التقط الخليجيون ذلك في التوقيت المناسب، فكانت مناورتهم في ملف تعويض إمدادات الطاقة الروسية لأوروبا، معبّرين لإدارة بايدن عن أن الكيل طفح من هذه السياسة غير المتوازنة التي أوشكت على شرعنة الحرس الثوري الإيراني وهو المؤسسة العقائدية الأبرز والجسم العسكري الأكثر خطورة في الصراع الإيراني العربي.

ولم يكن كشف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في منتدى دافوس الاقتصادي قبل أيام عن أن الرياض حققت بعض التقدم في المحادثات مع طهران لاستعادة العلاقات الثنائية، إلا رسالة لاستكمال الرسالة الخليجية إلى بايدن، مع أنه اعتبر أن ذلك التقدم “ليس كافيا”.

ما هو كافٍ بالنسبة إلى السعودية، على حد قوله، أن تقوم إيران بخطوات لبناء الثقة، لكن لا يُعرف أين يريد الخليجيون لتلك الخطوات أن تكون، في اليمن التي لم يحسم الأمر فيه بعد، رغم كل التغييرات التي أحدثتها السعودية على بنية الشرعية والانفتاح الذي أظهره التحالف العربي أكثر من مرة في الآونة الأخيرة؟ أم في لبنان الذي تركت السعودية الساحة فيه لشعبه كي يظهر إن كان يريد الخلاص من الهيمنة الإيرانية ومظلة حزب الله السوداء أم أنه سيصوّت لها في الانتخابات النيابية، وكانت النتيجة مخيبة لآمال حسن نصرالله أمين عام حزب الله بفقدانه للأغلبية هو وحليفه ميشال عون، بعد سنوات قليلة فقط على تباهي قائد فيلق القدس قاسم سليماني بأن إيران تمكنت من الظفر بالأغلبية في الحياة السياسية في لبنان.

أم أن الرياض تنتظر خطوات بناء الثقة في سوريا التي كلما اقترب العرب منها كلما ابتعدت؟ أم في العراق الذي يعجز عن حل معضلة تشكيل الحكومة الجديدة واستعصاء الرئاسة؟

فيا لها من إجراءات بناء ثقة تقوم بها إيران؛ من بغداد، ساحة التفاوض التي تحرّك طهران أذرعها فيها لشن حرب مسعورة ضد الرموز العربية للعراق، بتدمير تمثال أبي جعفر المنصور، إلى شمال الأردن الذي لم يعد لديه شغل سوى عرض ما يضبطه من شحنات في حرب الكبتاغون الإيرانية الممنهجة عليه وعلى العرب، إلى دير الزور ينبوع الموارد البشرية الجديدة للحوثي وحربه على خاصرة الجزيرة العربية ودولها.

ولكن السؤال الأهم؛ هل حقاً تستطيع إيران، ببنيتها الداخلية الحالية عقائديا وعسكريا، حتى إذا أرادت، تقديم أي شيء آخر غير ما تقدّمه الآن؟


العرب اللندنية