عربي ودولي

الإثنين - 06 يونيو 2022 - الساعة 11:33 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ المرصد المصري:


في الوقت الذي عانت فيه موسكو من ضغوطات منذ بدء عمليتها العسكرية على أوكرانيا في فبراير الماضي، استطاعت دول الخليج المصدرة للنفط الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا انعكست في عدد من الأوجه منها الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الرياض منذ أيام والتي تعد الزيارة الثانية للسعودية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

كانت الزيارة الأولى منذ بدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في مارس الماضي؛ وربما يفهم من تكرار الزيارات على مدى زمني متقارب أن موسكو تبعث برسالة للرياض والعواصم العربية مفادها أن روسيا قادرة على ملء الفراغات التي تخلفها واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على خلفية تراجع خطوط التحالفات واستدارة الولايات المتحدة نحو الهادئ، ويعول على التعاون المستقبلي بين روسيا ودول الخليج باعتباره تحالفًا يمكن أن ينافس تحالف موسكو- أنقرة في قوته لاعتبارات اقتصادية قبل الاعتبارات الجيوسياسية.

ويعد من أهم الاعتبارات الاقتصادية مساعدة دول الخليج في امتلاك الطاقة النووية السلمية التي ستساهم في تغطية الطلب المتزايد على الكهرباء وكذلك الطلب المتزايد على مياه الشرب الناتجة عن التحلية.

موسكو-أبو ظبي

بالتركيز على الحالة الإماراتية في التقارب مع روسيا، يتضح أن الجانب السياسي يتغلب على العلاقات بين موسكو وأبو ظبي مدفوعًا بنوع من التقارب فيما يتعلق بالملف السوري، بشكل يصف أبو ظبي كشريك استراتيجي لموسكو في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا أن الإمارات يمكن أن تسهم إسهامًا فعالًا في ملف إعادة إعمار سوريا،  ومن جانب آخر تنظر روسيا إلى الموقف السعودي باعتباره مؤثرًا ناحية الأزمة السورية وتأمل في أن تتخذ الرياض موقفَا مقاربًا لأبو ظبي فيما يتعلق بالأوضاع في دمشق، في ظل وجود بعض المؤشرات الإيجابية تضمنت طرح الملف في زيارة لافروف الأخيرة للرياض.

وبالعودة إلى زيارة لافروف الأخيرة إلى السعودية، فقد هدفت إلى التأكيد على الموقف المتوازن لدول الخليج تجاه الأوضاع في أوكرانيا، وعلى فهم التفاقم الموجود في أزمة الغذاء وأن الأزمة مرشحة للمزيد من التضخم، خصوصًا وأن أوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم وخطر المجاعة هو خطر عالمي، في الوقت الذي يحرص فيه الغرب على إطالة أمد الحرب من خلال الدعم المادي والعسكري الذي يقدمه لكييف.

كما هدفت الزيارة بشكل أساسي إلى التأكيد على ضبط أسواق النفط العالمية، من خلال الاتفاق بين موسكو والسعودية على عدم زيادة حصة الإنتاج المتفق عليها، ولكن في الوقت الذي قررت فيه أوبك بلس بالفعل رفع الإنتاج إلى 648 ألف برميل يوميًا، ينظر البعض إلى الزيارة باعتبارها فارغة من مضمونها ولكن هذا الدفع مردود عليه بأن الحصة التي تمت زيادتها لم تؤثر على أسعار النفط في الأسواق العالمية، بل على العكس سجلت الأسواق ارتفاعًا في السعر العالمي يوم الجمعة الماضي، وإلى جانب ذلك فإن الحصة التي تمت زيادتها لا تغطي الفاقد من النفط الروسي كما أنها لا تغطي الطلب المتنامي لدى الصين على مصادر الطاقة، في ظل مخاوف من قيود الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا هناك.

تقارب حذر 

من منظور التاريخ القريب اتخذت موسكو خطوات واسعة نحو الدول العربية منذ اندلاع انتفاضات 2011، وهو نفس التوقيت الذي بدأت فيه دول الخليج باكتساب صفة الفواعل الإقليمية على الصعيد السياسي بعد تراجع الدبلوماسيات التقليدية في المنطقة، ولم يمض الكثير من الوقت حتى أصبحت روسيا منبوذة في محيطها الأوروبي والغربي بعد ضم جزيرة القرم في 2014، وسط سيل من العقوبات الاقتصادية التي لم تسقط الاقتصاد الروسي ولكنها بلا شك أضعفته، مما جعل الروس يبحثون عن أسواق بديلة حتى وجدوا ضالتهم في منطقة الشرق الأوسط.

كما تسعى موسكو لبيع منظومة إس 400 في منطقة الخليج، وتعمل على تسويق المنظومة بشكل مطرد وخصوصًا لقطر والسعودية في وقت تتزايد فيه وتيرة العسكرة في منطقة الشرق الأوسط، وجدير بالذكر أن دول الخليج مجتمعة من بين أكثر عشر دول استيرادًا للسلاح في العالم، وينبغي أن نأخذ بالحسبان هنا أنه مهما تنامي التعامل في مجال تصدير الأسلحة بين روسيا ودول الخليج، إلا أن هذه التعاملات تبقى خارج نطاق المقارنة إذا ما قيست على نسبة تصدير الأسلحة من الولايات المتحدة إلى العواصم الخليجية.

وتتشارك دول الخليج مع موسكو في نظرة عدائية لفكرة الإسلام السياسي أو بلفظ آخر الإسلاميين، كما أن موسكو لديها ميزات نسبية أخرى في التقارب مع مجلس التعاون الخليجي، فالمحرك الرئيس لها هو البراجماتية القائمة على المصالح الاقتصادية ومدفوعة بذلك، فهي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولا تسوق لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان كذريعة للتدخل في شؤونها.

ولكن على قدر الميزات النسبية التي تتمتع بها روسيا في علاقاتها مع دول الخليج، فهناك ملفات تدعو للتباعد أو على أقل تقدير التقارب الحذر- ومنها الملف الإيراني؛ صحيح أن روسيا لا تنظر لإيران باعتبارها حليفًا استراتيجيًا، ولكنها في نفس الوقت فإن هناك الكثير من المصالح المشتركة بينهما، وهو ما يجعل دول الخليج تضع الكثير من علامات الاستفهام حول موقف روسيا من التهديد الذي تشكله إيران بالنسبة لأوضاع الأمن الإقليمي في منطقة الخليج، باعتبار روسيا جزءًا من خطة العمل المشتركة ومن هنا فإن التساؤل الأهم هل ستتمكن موسكو من إقناع العواصم الخليجية بمفهومها للأمن في منطقة الخليج؟ وفي حال لم يحدث ذلك، فإن الخطأ لا يقع على عاتق موسكو لأن دول الخليج لازالت أكثر تقاربًا على المستوى الأمني من الولايات المتحدة، ومن ثم سيكون على دول الخليج أن تتحمل كلفة احتسابها على المدرسة الأمنية الأمريكية في الوقت الذي لم تفلح فيه هذه المدرسة في حماية الهجمات المتكررة للحوثي على أبو ظبي والمنشآت النفطية في السعودية.

ومن زاوية إيجابية فإن تقارب الروس مع الإيرانيين يسمح لهم بأن يكونوا وسطاء لتقريب وجهات النظر بين الأطراف على افتراض أن تكون هذه الوساطة نزيهة، مع الأخذ بالحسبان هنا أن عمان وقطر تمتلكان علاقات خاصة وعلى مستوى آخر بطهران بهدف إخراجها من حالة العزلة ودمجها سياسيَا، بما يحقق المنفعة للطرفين أو على أقل تقدير لتجنب إثارة حالة العداء مع الإيرانيين، وتنبغي الإشارة هنا إلى أن واشنطن نظرت بعين الريبة لتحالفها مع الخليج بعد الموقف الإماراتي من العملية الروسية العسكرية ضد أوكرانيا في مجلس الأمن، في الوقت الذي وظفت فيه أمريكا صواريخ باتريوت لدعم أبو ظبي للمرة الأولى في حربها ضد الحوثي بعد الهجمات الأخيرة على مصفح الإماراتية.


مؤشرات التقارب

وقد انعكست مؤشرات بداية التقارب الروسي – العربي خلال التصويت داخل الأمم المتحدة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان؛ حيث امتنعت البحرين- الكويت- عمان – قطر – السعودية- الإمارات عن التصويت كدول خليجية، وعلى الصعيد العربي امتنعت مصر واليمن والعراق والأردن والسودان وتونس عن التصويت على نفس القرار في الوقت الذي صوتت فيه الجزائر ضد القرار.

على أية حال؛ تدرك روسيا أن علاقات الخليج مع واشنطن يمكن أن تهتز وبالتحديد بعد مناطق الفراغ التي يخلفها البيت الأبيض، ولكنها متيقنة في نفس الوقت من أن الغياب الأمريكي عن الساحة الخليجية في الوقت الحالي غير ممكن لأسباب سبق ذكرها، ومن هنا تسعى الرياض لخلق شراكات جديدة تتضمن توافقات حول الملفين الأكثر إثارة للجدل بالنسبة لأمنها القومي وهما الملف اليمني والملف الإيراني.

ولأن روسيا تمتلك اتجاهات مغايرة للسعودية والخليج فيما يتعلق بإيران فربما تسعى الرياض في وقت لاحق إلى إحياء تحالف مبني على الشراكة العسكرية والأمنية الموجهة ضد إيران، مثلما فعلت مسبقًا في 2015 ضد الحوثي في اليمن، بجانب أنها يمكن أن تقدم على إعادة تقييم لتحركاتها السياسية والعسكرية في الوقت الذي أخذت الولايات المتحدة فيه خطوات إيجابية نحوها تمثلت في زيارة وفد من مسؤولين رفيعي المستوى إلى الرياض حول قضايا مثل ملف الطاقة والملفين اليمني والإيراني- ولا شك أن المباحثات بين الأمريكيين والسعوديين حول ملف الطاقة هي الأكثر إثارة لمخاوف الروس.