ملفات وتقارير

الإثنين - 13 يونيو 2022 - الساعة 03:35 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ محمد منصور:


كانت القاهرة دومًا على رأس العواصم الداعية إلى إيجاد حلول سلمية نهائية للأزمة اليمنية التي دخلت عامها الثامن، وسط ظروف حياتية ومعيشية وأمنية صعبة، عانى منها المواطن اليمني على طول البلاد وعرضها. وتعد العلاقات بين مصر واليمن من أهم الأمثلة التي تعبر بجلاء عن دور مصر التاريخي في نجدة أشقائها؛ إذ لم تتخلَ مصر في حقبة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عن القضية اليمنية، ولم تتوانَ أيضًا في الحقبة الحالية عن القيام بكل ما يلزم للتوصل إلى صيغة سلمية يمكن من خلالها إيقاف المعارك وتطبيع الأوضاع السياسية والحكومية في اليمن، وتمكين اليمنيين من النهوض بدولتهم، وإنهاء أية تدخلات خارجية تخريبية في الشأن اليمني.

المواقف المصرية السابقة من تطورات الملف اليمني كانت تجسيدًا واضحًا للرؤية المصرية المتعلقة بالأمن القومي العربي؛ إذ شاركت مصر مشاركة إيجابية في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، لكنها في الوقت نفسه عملت بشكل حثيث على التوصل إلى حلول سلمية، على قاعدة أن الحلول السياسية هي دومًا الخيار الأفضل في أي نزاعات داخلية في المنطقة العربية.

وهذا يفسر -إلى حد كبير- الترحيب المصري المستمر بأي تواصل يمني داخلي، مثل الاتفاقيات التي تم عقدها بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وكذا دعم القاهرة للجهود الدولية والإقليمية لبدء مسار سياسي لحل هذه الأزمة، ووقف العمليات القتالية، بما في ذلك مفاوضات جنيف عام 2015، واتفاقية ستوكهولم عام 2018، ومحاولات إيقاف إطلاق النار السابقة، سواء تلك التي تمت في ديسمبر 2015، أو التي تمت في أغسطس 2016، وصولًا إلى الهدنة الحالية.

المعالجة المصرية لهذا الملف تضمنت التأكيد الدائم على رفض الهجمات الحوثية على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والإعراب عن الإدانة الكاملة لأي تهديد للأمن القومي في منطقة الخليج، والذي يعد -في الذهنية الاستراتيجية المصرية- جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي الذي تحاول مصر استنهاض الجهود الإقليمية من أجل معالجة الأضرار العديدة التي أصابتها جراء تراجع العمل العربي المشترك، والذي أدى إلى نشوء تدخلات سلبية من قوى إقليمية في الشأن الداخلي العربي على عدة مستويات. 

لذا كان من المنطقي أن تكون القاهرة في طليعة المنددين بهذه الهجمات على مدار السنوات الماضية، ليس فقط لأنها تعد عدوانًا سافرًا على دول عربية ترتبط بعلاقات متينة وحيوية مع مصر، لكن أيضًا لأن هذا الموقف يتسق مع الرؤية المصرية الخاصة بملفات مكافحة الإرهاب، خاصة الإرهاب الممول من دول وقوى تريد فرض هيمنتها على القرار العربي.

ضمن هذه الجهود كافة، جاء استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم لوفد مجلس القيادة الرئاسي اليمني برئاسة رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي. ضم هذا الوفد كلًا من مدير مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية الدكتور يحيى الشعيبي، ووزير الخارجية أحمد بن مبارك، ووزير التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب، ووزير النقل عبد السلام حميد، ووزير الصحة قاسم بحيبح، والمدير التنفيذي لجهاز تسريع استيعاب تعهدات المانحين أفراح الزوبة. 

وتأتي زيارة الوفد اليمني رفيع المستوى إلى القاهرة في سياق جولة عربية بدأها في الكويت، مرورًا بالبحرين، ومن المقرر أن يتم اختتامها في قطر. وهي تأتي كذلك في أعقاب تطورات مهمة شهدها الميدان اليمني، أهمها إعلان وقف إطلاق النار أواخر مارس الماضي، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي أوائل أبريل الماضي، وهي خطوات بدا منها إمكانية الوصول إلى حلول نهائية للأزمة اليمنية، أو على الأقل إيقاف القتال وتهيئة الظروف لاحقًا لإطلاق مفاوضات سياسية. 

هذه التطورات سبقتها تحركات مصرية سريعة لبحث مآلات الوضع الحالي في اليمن، وذلك عبر عدة زيارات قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الأشهر الأخيرة، منها زيارته إلى أبو ظبي في يناير الماضي، وزيارته إلى العاصمة السعودية في مارس الماضي، وصولًا إلى استضافته للملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي في أبريل الماضي.

ملفات مهمة في زيارة الوفد اليمني إلى القاهرة


تم خلال زيارة اليوم التأكيد على متانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين حكومةً وشعبًا، واستعداد مصر لتقديم خبرتها لدعم وحدة وسيادة الدولة اليمنية الشقيقة وسلامة مؤسساتها الوطنية، وعن تمنيات مصر بكل التوفيق للمجلس الرئاسي اليمني في مهامه خلال المرحلة المقبلة. في حين أعرب الدكتور رشاد العليمي عن التقدير لمواقف مصر الثابتة والداعمة لأمن واستقرار اليمن والمحيط الإقليمي ككل، مشيرًا إلى تطلع اليمن إلى تكثيف التعاون المشترك بين البلدين على مختلف الأصعدة خلال الفترة المقبلة.

تضمنت هذه الزيارة بحث عدة ملفات مهمة، خاصة الملف الداخلي في اليمن، حيث استعرض الدكتور العليمي تطورات الأوضاع في بلاده، وجهود الحكومة اليمنية لاستعادة السلام والاستقرار، والأوضاع في المحافظات التي يشرف عليها مجلس القيادة، خصوصًا على الصعيدين الاقتصادي والخدمي، وجهود توحيد مؤسستي الجيش والأمن، وما تتطلبه هذه الإصلاحات من إسناد ودعم من الدول الشقيقة خاصة مصر. 

وقد أشاد الدكتور العليمي بالرعاية والمعاملة الطيبة التي تلقتها الجالية اليمنية في مصر، معربًا عن التطلع إلى استفادة اليمن من الخبرة المصرية في عملية إعادة الإعمار والبناء والتنمية، خاصة في مجال تطوير البنية التحتية، ومشروعات الطاقة، وأوضح أن التجربة المصرية خلال السنوات الماضية تعد فريدة من نوعها وملهمة لكل الوطن العربي.

أمن البحر الأحمر كان أيضًا من ضمن الملفات التي تم بحثها، في ظل زيادة الأنشطة العدائية المدعومة من إيران، عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إضافة إلى ما يمكن أن يمثله انهيار الناقلة “صافر” من كارثة بيئية ضخمة، في ظل وضعها الحالي. لذا كان من الضروري تناقش الجانبين حول آليات تعزيز منظومة الأمن البحري في هذه المنطقة، بجانب تناول العلاقات الثنائية وسبل تقديم الدعم للجانب اليمني بما يمكنه من تجاوز الأزمة الراهنة، فأكد الرئيس السيسي استعداد مصر الكامل لتعزيز التأهيل والدعم المقدم لإعداد الكوادر اليمنية في مختلف المجالات، فضلًا عن استمرار الدعم المصري للجهود الدولية للتغلب على الأزمة الإنسانية والمعيشية في اليمن، وكذا تطوير البنية التحتية بها.

الدكتور العليمي أوضح خلال مداخلته في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس السيسي رؤيته للأوضاع الحالية في مصر، وأشار إلى دور مصر التاريخي في الدفاع عن استقلال جنوب اليمن من الاستعمار، والمساعدات التي قدمتها مصر إلى اليمنيين من أجل إرساء دعائم الجمهورية وإعادة بناء الدولة اليمنية خلال ستينيات القرن الماضي، وربط بين هذه المواقف التاريخية ووقوف مصر في صف التحالف الداعم للشرعية الدستورية في اليمن.

وقد أعرب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن تضامن بلاده مع حقوق مصر المائية، مشيرًا إلى أنه تم التأكيد في كافة المحافل الدولية والإقليمية على موقف اليمن الثابت والداعم إلى جانب مصر وشعبها وحقوقه المشروعة. وفي نهاية كلمته أكد الدكتور العليمي قرب توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين الحكومتين المصرية واليمنية، معربًا عن خالص شكره للرئيس السيسي والشعب المصري وحكومتها على حسن الضيافة والاستقبال.

الرئيس السيسي من جانبه أكد على دعم مصر لجهود التوصل إلى حل سياسي عادل للأزمة اليمنية لتعزيز السلام والاستقرار وإنهاء معاناة الشعب اليمني، وعلى موقف مصر الثابت والمستند إلى العلاقات التاريخية الراسخة والمتشعبة التي تربط بين الشعبين المصري واليمني بدعم مصر للشعب اليمني الشقيق وللشرعية اليمنية ولوحدة الدولة اليمنية واستقلالها وسلامة أراضيها، والذي يمثل أهمية قصوى بالنسبة لمصر. 

كذلك أشار الرئيس السيسي إلى دعم مصر، لكافة الجهود الهادفة إلى تحقيق السلام في اليمن وفقًا لمرجعيات الحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ونتائج المشاورات اليمنية الأخيرة في “الرياض” برعاية مجلس التعاون الخليجي، و قـرارات مجلـس الأمن ذات الصلة، وكذا ترحيب مصر بإعلان الأمم المتحدة في الثاني من يونيو 2022 عن تمديد اتفاق الهدنة في اليمن، وتقديرها لجهود الحكومة اليمنية الشرعية، في احترام التزاماتها وفقًا لما نص عليه الاتفاق، ودعواتها لكافة الأطراف للتنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، لما يمثله ذلك من تطور إيجابي يمكن البناء عليه لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن.

أشار الرئيس السيسي إلى الخطوة المصرية الداعمة لاتفاق الهدنة الموقع مؤخرًا في اليمن، حين استجابت لطلب الحكومة الشرعية اليمنية والأمم المتحدة بتسيير رحلات طيران مباشرة بين مطاري “القاهرة” و”صنعاء” حيث انطلقت أول رحلة منها بالفعل أوائل الشهر الجاري، لافتًا إلى أن الاستجابة المصرية جاءت تأكيدًا للحرص على التخفيف من معاناة الشعب اليمني، ودعم كافة الجهود التي تصب لصالحه، معربًا عن تصميم مصر على مساعدة اليمن، وتقديم أوجه الدعم المختلفة للأشقاء اليمنيين، خاصة في مجال تدريب الكوادر البشرية، وتقديم المساعدات الطبية والغذائية. وقد ترافقت خطوة تسيير الرحلات الجوية بين مصر واليمن، مع تمديد الهدنة الحالة في اليمن لمدة شهرين، مع تصاعد الآمال بالتوصل إلى هدنة دائمة.

تطورات هامة في المشهد اليمني ومحاولة جادة للبناء عليها


كانت القاهرة من أوائل العواصم التي رحبت بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن اوائل أبريل الماضي، وعدّته خطوة إيجابية يمكن البناء عليها لدفع الحل السياسي قدمًا في اليمن، إذ يعد هذا التشكيل بمثابة إعداد للمرحلة المقبلة من المفاوضات السياسية في هذا الملف، وقد تضمنت هذه التشكيلة تعيين الدكتور رشاد العليمي رئيسا للمجلس، بجانب سبعة نواب هم سلطان العرادة، طارق صالح، عبدالرحمن المحرمي، وعبدالله العليمي، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني”، وتضمنت هذه التشكيلة أيضًا، تأليف “هيئة تشاور ومصالحة”، تضم 50 عضوًا مساندًا للمجلس وفريقًا قانونيا وفريقًا اقتصاديًا، مع استمرار ولاية البرلمان وتجديد الثقة لحكومة الكفاءات.

جدير بالذكر أن صلاحيات المجلس الرئاسي الحالي تشمل “‏إدارة الدولة سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا طوال المرحلة الانتقالية واعتماد سياسة خارجية متوازنة بما يحفظ سياسة الدولة وحدودها”، يضاف إلى ذلك صلاحيات “تيسير ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها طوال المرحلة الانتقالية واعتماد السياسات اللازمة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الجمهورية اليمنية، وتعزيز المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات وتحقيق الشراكة الواسعة”. أما الصلاحيات الخاصة برئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، فشملت “القيادة العليا للقوات المسلحة، وتمثيل الجمهورية في الداخل والخارج، وتعيين محافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي، وإنشاء البعثات الدبلوماسية، وإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة”.

وقد شكل المجلس أواخر مايو الماضي اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار، وإعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية والأمن بموجب إعلان نقل السلطة في البلاد، وهي لجنة تتشكل من 59 عضوًا، برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، وتمت مواكبتها بلجنة أخرى تتولى تقييم وإعادة هيكلة الأجهزة الاستخبارية.

التحديات التي تواجه مجلس القيادة اليمني الجديد كبيرة وأساسية، على رأسها تفعيل مؤسسات الدولة اليمنية بشكل كامل، بما في ذلك المؤسسات التشريعية والوزارات السيادية؛ لدفع عجلة العمل الحكومي إلى الأمام، وتحسين الوضع الاقتصادي. هذه التحديات رغم صعوبتها البالغة، إلا أن أهمها يبقى تحدي الحفاظ على الهدنة الحالية التي رغم صمودها تعاني من خروقات متعددة من جانب الحوثيين، بشكل يهدد استمرارها في المدى المنظور. لجوء هذا المجلس إلى الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها مصر، ليس فقط بمثابة اعتراف بدور القاهرة التاريخي في اليمن، بل يمكن أن يُعد إيمانًا قويًا بقدرة مصر على دعم اليمن خلال المرحلة الدقيقة المقبلة.


المرصد المصري