ملفات وتقارير

الأربعاء - 07 ديسمبر 2022 - الساعة 10:33 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ العرب:


في أول رد عملي على التصعيد الحوثي الذي يستهدف الموارد المالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن الثلاثاء تجميد وحظر حسابات بنكية لشركات وأفراد وكيانات تمول جماعة الحوثي، من بينها شركات نفطية واستيراد وشركات صرافة مملوكة لقيادات حوثية بارزة تم إدراجها في القائمة السوداء.

وفي سياق ما يبدو كحزمة من الإجراءات التي تستهدف الرد على الحرب الاقتصادية الحوثية على الحكومة الشرعية، أعلن البنك المركزي اليمني تجميد حسابات وحظر 12 شركة، وفقا لقرار صادر عن النيابة بإدراج كيانات في قائمة الإرهاب لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويأتي القرار الحكومي في أعقاب رفع الحوثيين مستوى تصعيدهم السياسي وضغطهم الاقتصادي على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، إلى مستوى جديد، بعد أن كشفوا عن منعهم سفن المشتقات النفطية من الرسو في الموانئ الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، إلا عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتهم في البحر الأحمر.

وقال الباحث الاقتصادي اليمني ورئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية عبدالحميد المساجدي في تصريح لـ"العرب"، "إن جماعة الحوثي ذهبت بالتصعيد في الجانب الاقتصادي إلى ذروته غير آبهة لمصير الملايين من اليمنيين، وهو ما ستكون له بكل تأكيد تداعيات على جميع اليمنيين في مختلف مناطق اليمن، بمن فيهم أولئك الذين في مناطق الحوثي، حيث إن عددا كبيرا من الشركات التي تقع مراكزها الرئيسية في مناطق الحوثي تستخدم المؤسسات المصرفية في المناطق المحررة لإنجاز معاملاتها المالية مع الخارج، أو لإجراء عمليات المصارفة لتأمين العملة الصعبة لاستيراد السلع والخدمات".

واعتبر المساجدي أن القرار الذي اتخذ سواء من النيابة العامة أو البنك المركزي بمنع التعامل وتجميد حسابات 12 شركة يأتي ترجمة لقرار مجلس الدفاع الوطني ومجلس القيادة بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.

وعن انعكاسات هذا القرار، أضاف "نتوقع أن تلي هذا القرار مخاطبة البنك المركزي لوحدات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في كافة دول العالم وتعميم القوائم السوداء دوليا، في إطار التنسيق والتعاون المشترك من أجل مكافحة الإرهاب الحوثي والأفراد والكيانات المتعاونة معه، كما نتوقع أن تلي هذه القائمة قوائم أخرى لتضاف إلى قائمة الشركات الحوثية التي سبق وأدرجتها الولايات المتحدة في القوائم السوداء".

ولفت المساجدي إلى أن إدراج الشركات في القوائم السوداء يجعل الجماعة الحوثية تلجأ إلى الطرق غير الرسمية للاستيراد وتأمين السلع، وهو في كل الأحول له كلفة مرتفعة ستنعكس بالتالي على المواطن في أسعار السلع سواء كانت الغذائية أو النفطية.

وجاء الموقف الحوثي على لسان وزير المالية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها رشيد أبولحوم، الذي كشف في لقاء مع قناة "المسيرة" الحوثية عن رفض الميليشيات المدعومة من إيران إدخال سفن المشتقات النفطية عبر الموانئ في المحافظات المحررة، واشتراط إدخالها عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتزامن التصريح الحوثي مع مؤشرات على أزمة وقود قد تعاني منها المحافظات اليمنية المحررة، وخصوصا الوقود المخصص لتوليد الطاقة، حيث ناشدت قيادة مؤسسة كهرباء عدن مجلس القيادة الرئاسي ضرورة الإسراع بتوفير وقود محطات الكهرباء، من مادتي الديزل والنفط الخام الخاص بمحطة بترومسيلة في حضرموت، قبل خروج ما تبقى من محطات جراء نفاد الوقود.

ويأتي التصعيد الحوثي المستمر على المسارين السياسي والعسكري، في ظل تعثر تام لمحاولات إحياء الهدنة الأممية، في الوقت الذي لا تزال فيه الشرعية اليمنية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة تبحثان سبل التعامل مع سياسة الخنق الاقتصادي، التي يمارسها الحوثيون من خلال استهداف موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة.

وقال المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ الأربعاء إن "مطالب متطرفة" للحوثيين عرقلت جهود الأمم المتحدة في تجديد هدنة بالبلاد انتهت في أكتوبر الماضي بعدما استمرت 6 أشهر. وجاء ذلك خلال شهادة قدمها ليندركينغ أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي عن الوضع في اليمن، نشر فحواها حساب سفارة واشنطن باليمن عبر تويتر.

وقال ليندركينغ إن "اليمن يشهد حاليا أطول فترة هدوء منذ بدء الحرب قبل ثماني سنوات، ما خلق فرصة فريدة لعملية السلام". وأضاف "رغم ذلك لا يزال الوضع هشا، خاصة أننا شهدنا تراجع الحوثيين عن التزاماتهم وتقديم مطالب متطرفة وشن سلسلة من الهجمات التي تهدد الملاحة البحرية الدولية".

وبشأن تعثر تمديد الهدنة أوضح ليندركينغ أن "مطالبة الحوثيين في اللحظة الأخيرة (قبيل انتهاء الهدنة) للحكومة اليمنية بتحويل عائداتها المحدودة من صادرات النفط لدفع رواتب مقاتلي الجماعة، منعت الأمم المتحدة من تأمين اتفاق هدنة جديد بين الأطراف في أكتوبر الماضي".

وأخذ التصعيد الحوثي منذ انتهائها مطلع أكتوبر الماضي طابعا تصاعديا، بدأ من خلال استهداف موانئ تصدير النفط وتعطيل تصدير الحكومة اليمنية للنفط، ومن ثم المطالبة بتقاسم إيرادات النفط والغاز في المناطق المحررة مع الحكومة الشرعية، وصولا إلى منع وصول أي مشتقات نفطية إلى الموانئ المحررة، بما في ذلك الشحنات المخصصة لتوليد الطاقة، إلا عبر ميناء الحديدة.

ويعتبر مراقبون أن تضييق الخناق الاقتصادي على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ومحاولة تجفيف مصادر تمويلها ومن ثم شل حركتها، هو أكبر تحد يواجه مجلس القيادة الرئاسي في ظل تفاعلات إقليمية ودولية تقلل من هامش الخيارات العسكرية لدى الشرعية والتحالف العربي.

ووصف يعقوب السفياني، مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن" لـ"العرب" تصعيد الحوثيين بأنه غير مسبوق، ويهدد الملايين من السكان في مناطق المجلس الرئاسي بأزمات مدمرة، إضافة إلى رصيد الأزمات الحافل الموجود بالفعل والذي فشلت الحكومة اليمنية في خفضه طيلة الأعوام الماضية.

وأشار السفياني إلى أن الحوثيين يفرضون عمليا حصارا متكاملا على الموانئ البحرية اليمنية بشكل كامل في ما يخص شحنات الوقود، وهو واقع خطير لم يكن في الحسبان في وقت يفترض أن تكون فيه هذه الجماعة محاصرة بشكل كامل برا وبحرا وجوا، لإضعافها وحرمانها من مصادر التمويل للحرب التي تشنها منذ ثمانية أعوام.

وأضاف "أوقف الحوثيون تصدير النفط إلى الخارج بعد هجماتهم بالطائرات المسيّرة التي يتفوقون بها على الخصوم المحليين ضد موانئ نفطية في محافظتي حضرموت وشبوة، وهو ما أدى إلى وقف الإنتاج بقطاعات رئيسية، وسط الإدانات المستمرة من المجتمع الدولي المفتقرة للموقف الجاد والصادق".

وعن رؤيته لخلفيات التصعيد الأخير المتمثل في منع وصول سفن المشتقات النفطية إلى الموانئ الخاضعة لسلطة الحكومة، قال السفياني "اشتراط الحوثيين دخول السفن النفطية فقط عبر ميناء الحديدة يضاف إلى قائمة الاشتراطات المتطرفة المستحيلة من قبل الجماعة، لكنها اشتراطات يعززها الموقف المتراخي من قبل المجلس الرئاسي المتخم بالمشاكل والتباينات الداخلية، التي من المتوقع أن تتفاقم مع وصول أزمة الوقود إلى ذروتها في المحافظات المحررة خلال الأيام القادمة".

وحول الانعكاسات المحتملة لهذا الإجراء، أضاف “انعكاسات حصار الحوثيين لميناء عدن وبقية الموانئ بدأت تتضح في مستوياتها الأولية بعد إعلان مؤسسة الكهرباء العامة في العاصمة عدن الأحد، خروج 40 في المئة من القدرة التوليدية بسبب نفاد الوقود. وعلى الأرجح، قد تصل القدرة التوليدية للكهرباء إلى أدنى مستوى لها في غضون أيام فقط في حال استمرار الوضع كما هو عليه الآن".

وتمتلك الحكومة الشرعية، وفقا لمراقبين، قائمة طويلة من أوراق القوة في مواجهة التصعيد الحوثي الاقتصادي الأخير، في حال تحررت من الضغوط الدولية والأممية والحسابات السياسية، ومن أهم تلك الأوراق إغلاق ميناء الحديدة ومطار صنعاء وفرض سلسلة من الإجراءات التي تندرج في إطار الحرب الاقتصادية، التي من شأنها تجفيف الكثير من مصادر التمويل الحوثية التي ما زالت تأتي من داخل مناطق الشرعية أو عبر المنظومة الاقتصادية للحكومة الشرعية ذاتها.