صنعاء/ مدى برس/ تقرير خاص:
غابت الدولة، وغاب رجال أمنها، عندما سيطرت المليشيا الانقلابية على صنعاء، وبات المواطن يخشى على نفسه من الاعتقال أو الاعتداء، وأحياناً القتل برصاصة مسلحٍ حوثي، فبحث عن وسيلة لدرء الخطر، وحماية نفسه، فوجد صور وملصقات الحوثي و"زوامله" السبيل إلى ذلك، ولو أنها تقوم بدور بسيط في ذلك.
انتشرت في الآونة الأخيرة ملصقات لشعارات المليشيا، وصور زعيمها، وقتلاها بشكل كبير في مناطق سيطرة الجماعة، وأصبح جل الأشخاص يلصقونها على هواتفهم أو سياراتهم وجنابيهم، وعلى الجدران الخارجية لمنازلهم، لإيهام مسلحي الجماعة أنهم معهم، تجنباً لهمجيتهم.
وتعتبر الزوامل الخاصة بالحوثيين واحدة من أهم الوسائل التي تقي المواطنين من "التهباش" التي درج عليها مسلحو الجماعة، كما يقول أحد السكان المحليون في العاصمة صنعاء، وخاصة مالكي السيارات الأجرة والباصات، وأصحاب الدراجات النارية.
ويعمد السائقون إلى تشغيل "زوامل" على سيارتهم أو دراجتهم النارية، عندما تواجههم نقطة عسكرية تابعة للحوثي، في طرق المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، المنتشرة بشكل واسع في محافظة صنعاء، وفي الطرق الرئسية التي تربط العاصمة بمدن أخرى.
شعار المليشيا "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل.." الذي يضعه عبدالناصر الكوكباني، على سيارته الأجرة، حماه من الاعتداء عليه أكثر من مرة عندما يتعرض له مسلحو الجماعة ليلاً، كالكثير من المواطنين المُهددين بالخطر نفسه، في شوارع صنعاء.
يتحدث الكوكباني لـ"مدى برس"، أن عمله على الباص يتطلب منه التأخر أحياناً إلى حدود العاشرة مساء، ولذا فهو مُعرض بشكل أو بآخر إلى التقطع والابتزاز من قبل مسلحي الحوثي، من وقت إلى آخر، ولم يستطع حماية نفسه إلا بالملصق، ليوهم المليشيا أنه من مناصريهم.
وقال: "عندما كلمت واحد صاحبي عن الذي يحصل معي، قال لي افعل صورة للسيد أو شعار الموت لأمريكا... ولن يتعرضوا لك... وفعلا من وقتها لو أوقفوني يقولون هذا مع أنصار الله، خليه يَرِحله".
كان شعار المليشيا هو ما تسلّح به الكوكباني لدرء خطر وابتزاز مسلحي الحوثي، أما الطالب عبدالفتاح الجنيد فهو الآخر تنبه إلى الوسيلة التي لجأ إليها الكثير لتجنب بطش وجبروت الجماعة المستمرة في التضييق على كل مواطن، وفي كل يوم.
الطالب عبدالفتاح يضع هو الآخر صورة لزعيم المليشيا على غلاف تلفونه منذ أن اعترض ثلاثة من مسلحي الجماعة زميله داخل الجامعة وصادروا جواله، بحجة أنه يتحدث مع زميلته في الحرم الجامعي، الذي تُحرمه الجماعة.
لم يتعرض الجنيد، الطالب في كلية الهندسة، إلى أي نوع من انتهاكات المليشيا إلى حد الآن، ولكنه وضع صورة لعبدالملك الحوثي على جواله حرصاً منه للحفاظ على نفسه، من تلك الانتهاكات، والابتزاز والنهب، مثلما يفعل كثير من المواطنين الذين يحمون أنفسهم بها، كما يقول.
لم تعد الشعارات أو الصور الخاصة بالجماعة لدى المواطنين معنى سوى أنها طريقة وأسلوب لخدع مسلحي الجماعة التي تواصل التجسس على المواطنين والتضييق عليهم، ومعاداة كل من لا يؤيد انقلابها وكهنوتها.
ويرى أحد الحقوقيين أن المليشيا تتعمد عدم إيذاء الأشخاص الذين تجد بحوزتهم صورة لشعارها أو زعيمها، أو الذين يستمعون إلى زواملها من أجل أن يقبِل الآخرون على لصق تلك الصور، حتى يتوهم المواطنون أن الأغلبية من السكان يتماشون مع رؤى وتوجه الحوثي.
وقال لـ"مدى برس"، إن الجماعة لا تمتلك حاضنة شعبية، ولكن قوة السلاح مكنتها من السيطرة، ولذلك فهي تبحث عن ذلك القبول الاجتماعي ولو كان بأسلوب وهمي، فتوهم الناس بأنها تحظى بتأييد ورضا من المواطنين، وذلك عبر تكثيفها لشعاراتها وصور رموزها، بالإضافة إلى زواملها.
وهناك رأي آخر مُخالف ذهب إليه ناشط سياسي، يقول، إن الشعارات والملصقات بمثابة سلاح ممكن وبسيط يدفع به المواطن الخطر الذي يهدده في الشارع، في المحل، في البيت، عن نفسه من نهب واعتداء ومداهمات الحوثيين الذين لا يتقنون سوى الاختلاس ومصادرة حقوق الناس.
وقال لـ"مدى برس"، إن المواطن في ظل سيطرة المليشيا أصبح يعيش حالة من الرعب والخوف على ممتلكاته وعلى حياته، ومن أجل أن يتجنب ذلك اهتدى إلى الصورة أو الشعار، ليتخذ منها حِرزًا، كما يعتقد، من جبروت الحوثي، بالرغم أنه قد لا يحميه أحياناً.
"فإما أن تكون معي أو ضدي" هذا هو منطق الحوثي الذي يدرك الرفض الشعبي والساخط لسيطرته وممارساته، ولا تفرق المليشيا بين الأفراد إلا حسب البطاقة أو اللقب في مواقع معينة، وبالصور والشعارات والزوامل في مواقع أخرى، فقربت أصحاب اللقب الهاشمي وأقصت منهم دون ذلك، فالعقلية المليشياوية لا تتعامل مع الأفراد باعتبارهم مواطنين لهم حق الاختلاف، حتى وإن كان مُبطناً وغير ظاهر.