مدى الثقافي/ رينا يحيى علي*:
للألحان أثرها الجميل في النفس لما تتركه إيقاعاتها من انطباعات تتراوح فرحاً وحُزناً بحسبِ اللحنِ المعزوف، فكم أطربتْ محزونًا، وكم أدمعت منتشيا فرحانا.
وحين يتماهى اللحن بالكلمة ويرتبط ذلك بأوقات السمر، يُحلق المتلقي في عوالمَ من الطربِ والشجن، ولعل ذلك ما ألهم سمر الرميمة لاختيار اسم (ترانيم السمر) عنوانًا لديوانها الأول، ولأنَّ العنوان هو المدخل إلى الديوان، فقد اختزلت فيه الشاعرة قصائدها بكلمتين (ترانيم) وهي جمع ترنيمة، والترنيمة هي الأنشودة الدينية المغناة التي تصدح بها جماعة.
ولهذا من قصائدها نصيب الأسد حيث اصطبغ الديوان بصبغة دينية يتجلى في ابتهالات متعددة ولجوء إلى الذات الإلهية، وتعلق بها في أغلب القصائد، حتى القصائد العاطفية كانت تختتمها بالرجوع إلى الله أو الرضا بما قسمه لها أو طلب الإنصاف منه، وفي القسم الثاني من العنوان (السمر) جعلت فيه ذكر شيء محبوب وهو السمر نقيض السهر فالسمر فيه أنس وطرب وفرحة، والسهر غالبا ما يكون فيه أرق وتعب ووحشة، مع ما قد يتبادر إلى الذهن بأنها ربطت الديوان باسمها شخصيا بعد تحليته بأل التعريف للتمييز والتفخيم يعزز ذلك بعض القصائد التي نجد فيها الفخر والاعتزاز بالنفس لدى الشاعرة.
والديوان الصادر عن مؤسسة الإبداع يتألف من 136 صفحة يتصدر بتقديم للدكتور عبدالولي الشميري وإهداء من الشاعرة إلى أحبابها وذويها ويضم 55 قصيدة متفاوتة الطول ما بين مقطوعة ومتوسطة الطول. أغلبها قصائد عمودية ما عدا قصديتي تفعيلة، وقد اطمأنت الشاعرة إلى البحور الراقصة سهلة التنغيم، فجاءت أغلب قصائدها على البحر الكامل وبعض منها على الوافر والهزج والرجز والبسيط والرمل والمتقارب.
أما عن المواضيع، فقد فرزتها الشاعرة حسب الموضوعات لتبدأها بقصائد تخاطب فيها ربها كأنها فضلت أن يكون المبتدأ مع خير ما يبدأ به الكلام مناجاة وشكوى وحباً.. ومن ذلك قولها:
يـا ربُّ غرتنـي الحياةُ وغـرَّني
إبليـسُ، والتـسويفُ والتلمـيحُ
يا رب إنْ قصـرت في طلبِ التُقى
فلكَ الرجوعُ لكَ الثنا الممدوحُ
إنِّي لجأتُ إليكَ خوفي حاضرٌ
ما خابَ قلبٌ في رضاك طموحُ..
لتذكرنا بأبيات أبي نواس:
يا رب إن عظمت ذنـوبي كثرة
فلقد علمت بان عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
ثم تأتي الى قصائدها في المدح النبوي الشريف فتقدم لطائف من القول ومن ذلك:
ما الحب إلا زفرة من صدره
والعدل جند للحبيب مجند
من مثله وهب الحياة جماله
هو للسلام وللفضيلة سيد
من مثله شمل الأنام بعفوه
إن السماحة في الوجود محمد
هو في قلوب العارفين بشارة
نور يزيح همومنا ويبدد
حب النبي وصحبه لحياتنا
نهج به درب الحياة نشيد
صلوا عليه وسلموا ما أمطرت
مزن وما لله عبد يسجد
مستندة إلى معجم الصوفية تعابيرَ وتشبيهات وبأسلوب وعظي رصين في قصائدها التي قدمت فيها مواعظ متعددة، وتنتقل إلى الأسلوب الخطابي الحماسي حين تخاطب الشعب طارحة قضاياه المعاصرة والتي تمحورت حول الحروب الدائرة وما نتج عنها من أوضاع مؤلمة ومع ذلك لم تنحصر دائرة اهتمامها باليمن فقط ولكنها توسعت لتشمل كل البلدان المنكوبة بويلات الحرب (اليمن – العراق – الشام فلسطين). حتى تتمكن الحرب منها لتسيطر على قاموسها الشعري مثلاً:
معارك غربتي وزفير روحي
وصوت شظية كسرت جداري
وكذلك:
معي في تيه أشرعتي
حشود لي وأجناد
على أعتاب دهشته
جثامين وميلاد
وفي محراب فتنته
زنازين وأصفاد
وفي كل ذلك لا تنسى أنها أنثى ذات عاطفة جياشة قدمتها حينا حبا دافقا:
مساءك الحب يا عطرا لأزهاري
ويا لحونا بها تختال أوتاري
ويا حنينا سرى في همس ذاكرتي
معي بليلي وإشراقي وأسفاري
سقيت حبك حتى صرت لي ومعي
ظلي وخلي وأقماري وأسماري
ماذا أريد هل للقلب أمنية
من بعد حبك لا أدري بأطواري
أنت الأماني لا أحصي مآربها
يا أنت يا من له رتلت أشعاري
أو عتاباً دافئاً:
يا زارع الصبر في وديان أوردتي
دع عنك هجري وروحي في دياجيها
أغرك الصمت من بوحي وقافيتي
أم أنت تخفي هموما لست أدريها
(يا موقد النار في قلبي وتاركها)
رفقا بروحي فإن الوجد يكويها
أما علمت بأن الحزن يوهنها
وأن وصلك بعد البين يشفيها
وصدى وهجراناً أحياناً أخرى:
ارحل فلست أسيرة لهواك
والقلب غض الطرف عن نجواك
دعني ألملم جرح آلام بها
أحيا فصولاً من جحيم جفاكا
بصورة عذبة رقيقة وقورة ورصينة وعزة واعتداد كبيرين بالنفس قد تصل إلى حد النرجسية أحياناً..
فلها جزيل الشكر والتقدير لهذا المجهود الجميل الفكر الرصين الذي قدمته في قالب وقور قشيب
* من صفحة الكاتبة على الفيس البوك