صحافة

الأربعاء - 25 مارس 2020 - الساعة 08:59 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ خاص/ حوار| علي عبدالله العجري:


في إحدى قرى محافظة ذمار كان ميلاده وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن في تلك القرية ثم انتقل مع عائلته وأسرته إلى مدينة تعز ودرس الابتدائية والإعدادية والثانوية. وظهر اهتمامه بالرسم في مرحلة الدراسة الابتدائية وكان لتأثير جمال طبيعة القرية بذمار أثرها على نفسه وموهبته إلى جانب وجوده مع والده، رحمة الله عليه، في المتحف الوطني للآثار ودور الكتب بتعز، واحتكاكه بالفنان التشكيلي المعروف والمشهور بتعز واليمن الفنان المرحوم، بإذن الله، هاشم علي عبدالله، الذي تعلم على يديه مبادئ الرسم، وشارك معه في معارض جماعية مع فنانين آخرين في تعز، إلى أن حصل على منحة لدراسة الفنون الجميلة في كلية الفنون الجميلة فرع جامعة حلوان بالإسكندرية جمهورية مصر العربية - قسم التصميمات المطبوعة أو ما يعرف بفن الجرافيك، وحصل على بكالوريوس فنون جميلة عام 1987م، وفي نفس العام حصل على دبلوم تاريخ ودراسة الخطوط العربية من مدرسة الخطاط محمد إبراهيم للخطوط العربية، وشارك في المعارض السنوية لمسابقات الخط العربي داخل مصر، وشارك في معارض فنون تشكيلية جماعية أثناء دراسته للفنون في كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية، وأقام أول معرض شخصي له في رابطة طلاب اليمن فرع الإسكندرية، وشارك في مسابقة أحسن تصميم لمنظمة الصحة العالمية المكتب الإقليمي لدول البحر الأبيض المتوسط عام 1984م.

وبعد أن عاد إلى أرض الوطن أدّى خدمة التدريس الإلزامي في إحدى مدارس العاصمة صنعاء ثم تم توظيفه أخصائي فني في وزارة الإعلام والثقافة عام 1988م، وشارك في معارض فنية جماعية محلية عدة، ومعارض فنية جماعية خارجية في كل من الإمارات وسوريا والعراق ومسقط والجزائر والأردن والكويت وفرنسا وبريطانيا، وحصل على ميدالية من الكويت وشهادات تقدير، وأقام معرضه الثاني الشخصي عن أضرار عادة تعاطي أوراق وغصون شجرة القات المعروفة في اليمن، وانتدب من ديوان وزارة الإعلام والثقافة بصنعاء في بداية وحدة شطري اليمن للعمل مديراً للفنون التشكيلية في عدن، وكتب مقالات فنية عن قضايا الفنون التشكيلية وهموم الفنان وتطلعاته في اليمن، ودارت بينه وبين بعض زملاء مهنته وهوايته الفنية سجالات أو ما تسمى بالمعارك الأدبية عبر الصحافة المحلية حول بعض تجارب بعض زملاء مهنة الفنون التشكيلية، وأقام محاضرات وندوات عن الفنون التشكيلية ودورات لتعليم مبادئ الرسم والخط العربي وأسس التصميم، وجرب خلال مشواره الفني العديد من الاتجاهات والأساليب الفنية الحديثة والمعاصرة من واقعية مباشرة وتعبيرية ورمزية وتجريدية وفنتازيا أو سيريالية وحروفية... إلخ، من أجل البحث عن أسلوب خاص يميز شخصيته الفنية.. ولا يزال حتى كتابة هذه الأسطر يجرب ويثري تجاربه الفنية وأحياناً يمزج بين أكثر من اتجاه وأسلوب فني في خلطة واحدة، وهذا هو أسلوب واتجاه حديث ومعاصر ومحاولة الاقتراب من الأساليب الأكثر حداثة التي لم يخضها بعض فناني اليمن حتى الآن إلا على استحياء.

التقيته في مقهى البركاني في الشارع الرئيس بالمعلا وكان معه الحوار التالي:

▪بداية ما هي الملهمات الأولى التي شكلت الوعي الفني لديك؟

لا شك أن الخمس السنوات الأولى من حياة الإنسان هي التي تصنع شخصيته يسحبها معه إلى أن يموت، حسب ما يقول علماء النفس. أنا في الخمس السنوات الأولى كنت في القرية، إحدى قرى آنس في ذمار. في هذه القرية كنت أرى الفلاحين والمدرجات الزراعية والرعيان وأصوات الرعيان، ومواسم الحصاد، وأسمع مهاجل الحصاد، خرير الماء وأرى النساء يأخذن الجرار ويجلبن الماء من الغيل. جو القرية الساحر والفطري والجميل انطبع في حسي بلا وعي. لكن متى بدأت أعي أن القرية لها دور، بعدما تراكمت مؤثرات أخرى، مثل: المدرسة الابتدائية في تعز، واحتكاكي بالفنان التشكيلي هاشم علي عبدالله، المتحف الوطني في تعز وترددي عليه، وكنت أرى تحف الإمام والجماليات الموجودة في القصر لا سيما التحف الصنعانية التي كانت تزين قصر صالة في الجحملية.. كل تلك الأشياء حفزت لدي الموهبة. وكان فيه مدرس اسمه عبد الرحمن البياع، مصري الجنسية، عاش في تعز قرابة 15 سنة، وكان يدرس تربية فنية، وكان يتبنى أي طالب عنده موهبة وكأنه ابنه فعلاً، يعطي له الألوان والكراريس والورق.. الاستاذ عبدالرحمن البياع -الله يرحمه- هو أول من اكتشفني مع الأستاذ هاشم علي عبدالله.

▪أول عمل رسمته وقيل لك أنت فنان.. أو من خلاله تم الاعتراف بموهبتك كفنان تشكيلي؟

في الابتدائية كنت أرسم بُراق النبي وأهديه لزملائي في المدرسة وأزين كراريسهم بالخط، لأنه عندي أيضاً موهبة الخط بجانب الرسم واعتبر الخط نوعاً من الرسم. في المدرسة كنت أزين كراريس الزملاء وأرسم لهم براق النبي والآن أنا داخل في الستين، أي بعد خمسين سنة تواصلت مع زملاء وزميلات ذكروني برسمة براق النبي الذي كنت أرسمه لهم.. تخيل بعد نصف قرن من العمر.

▪كيف تعرفت على الفنان هاشم علي عبدالله وماذا أضاف لك القرب منه؟

في البداية كانت تشدني رسوماته وكان ساكناً جنبنا في العقبة في حي الجحملية، وبدأت أتقرب منه حتى دعاني إلى منزله، ذهبت إليه، وكان يطلع لي رسومات لفنانين أوروبيين من القرن السابع عشر والثامن عشر ويقول لي قلدها. اشتيك تقلدها أولاً بالقلم الرصاص قبل أن تقلدها بالألوان. وكنت معجباً برسوماته. كان بالنسبة لي بيكاسو اليمن، وبعدها اشتركت معه في معارض فنية في تعز.

▪يعني نستطيع القول إنك أحد تلاميذ الفنان هاشم علي وهو مدرسة تتلمذ على يديه الكثير من الفنانين التشكيليين اليمنيين؟

نعم، أنا وغيري..طلابه كثر منهم حكيم العاقل وغيره.

▪ما هي المدرسة الفنية التي ينتمي إليها هاشم علي؟

كنت في السابق مؤمناً بمصطلح مدرسة، لكن الآن أحبذ مصطلحاً أجمل من هذا. نقول أسلوب أو اتجاه الفن يتجاوز المدارس. الإبداع أنك تجيب حاجة بدعة ما أحد سبقك إليها، وهاشم علي كان فناناً مبدعاً.

▪نعود لمسيرتك الفنية. قلت إن هاشم علي كان يكلفك بتقليد اللوحات لكبار الرسامين الأوروبيين، لكن متى كانت اللحظة المفصلية التي شكلت الفنان علي الذرحاني وكان ما بعدها ليس كما قبلها.. هل التعليم التخصصي هو النقطة الفاصلة؟

عندما ذهبت إلى الإسكندرية في مصر لدراسة الفنون قال لي الأستاذ الذي يعلمنا -وكان يحبني- شوف نحن ما نخرج فنانين، نحن نعلم الشخص أبجديات الفن وأنت الذي تصنع نفسك مبدعا وفنانا. قلت له كيف؟ كنت أعتقد مجرد ما أتخرج سيقال لي فنان تشكيلي على طول. قال لا نحن نعطي الطالب أبجديات الفن، لكن الفنان هو الذي يصنع نفسه، لا حظ أن الأطباء كلهم يدرسون نفس علوم الطب، لكن فيه طبيب شاطر وطبيب عاجز وهم درسوا نفس المواد.

▪أول لوحة مكتملة رسمتها وشكلت أسلوبك الخاص؟

اتضح أن اللوحة التي أحلم بها لم تولد بعد. كل ما عملت عملاً لا أستطيع أقول انه التوب أو القمة، لأني هنا سأعتبر نفسي تقاعدت، يعني جذوة الإبداع ماتت واستنفدت كل ما بداخلي. لكن ما زالت الشعلة موجودة طالما الخيال موجود سيكون الإبداع موجوداً.

▪هل الخيال مهم جداً للفنان التشكيلي؟

الخيال هو كل شيء. الإنسان يتميز عن بقية الحيوانات بالخيال.

▪كيف تتخيل اللوحة قبل رسمها؟

لكل فنان له تكنيك معين وأسلوب معين لولادة اللوحة عنده. أنا أقرأ كثيراً وبعدين أتأثر بموضوع معين، تختمر فكرته عندي، وبعدها فجأة يلح عليّ إلحاحاً داخلياً. لازم تمسك القلم وتشخبط أو تكون فكرة أولية أو رسماً أولياً للفكرة التي لم تنضج بعد، وبكثرة الإلحاح تجد نفسك في غمرة الإبداع.

▪من خلال اطلاعي على عدد لا بأس به من أعمالك لاحظت تعدداً وتنوعاً في الرسم والمواضيع ما بين مناظر طبيعية ورسوم تعبيرية ولوحات تجريدية وأخرى توعوية كلوحتك الشهيرة عن تناول شجرة القات.. أين تكمن جماليات اللوحة وأهميتها هل في موضوعها أم في تكنيكها وألوانها؟

أنا سألت هذا السؤال للدكتور عمر عبد العزيز. قلت له عبر التاريخ الإنساني، هل الشكل مقدم على المضمون؟ قال لي التركيز يكون على الشكل أكثر، والشكل قد يشمل مضموناً، لكن المضمون هو الأساس والفكرة لكن يجب أن تخرج بقالب شكلي مبهر. وحتى في الأدب يقال أجود الشعر أكذبه، أي الذي يتضمن صوراً ومبالغات ولغة فريدة وجزلة. يعني لا بد من الشكل المبهر لإيصال المضمون. والمضمون هو الروح ولا ينفع شكل بلا روح. إذا فيه تكامل في العمل الفني.

▪بالنسبة للألوان في الفن التشكيلي ما أهميتها وكيف يتم اختيارها. وحسب علمي هناك بعض الفنانين يستهويهم لون معين يتكرر باستمرار في أعمالهم.. ماذا عنك أنت؟

أنا ضد القولبة في لون واحد. يعني بيكاسو وهو أشهر فنان في القرن العشرين كان عنده ما عرف بالمرحلة الزرقاء مكث فترة يرسم باللون الأزرق، لكنه فيما بعد تجاوزها. لا يجوز أن تظل تلوك مرحلة معينة أو تدور في حلقة مفرغة ولون واحد. الإبداع أن تتجاوز.

▪لكن قد يستهوي الفنان لون معين لا شعوريا ويتكرر معه؟

إن اعتبر التقيد بلون معين أو أسلوب معين هو افلاس وعقم لا بد من التجديد والتجريب.

▪هل اللوحة هي التي تفرض عيلك استخدام اللون المناسب؟

المضمون هو الذي يفرض اللون نعم. وكذلك استخدام الخط بحكم أنني رسام على خطاط. لا يمكن أن استخدم خط ديواني مثلاً في تعزية وفاة، كون الخط الدواني فرائحي والمناسبة مأتم. فكل عناصر فنية لها استخدام معين. التراجيديا لها تيمات معينة والكوميديا لها تيمات معينة.

▪على ذكر الخط أنت تشكيلي وخطاط والحرف العربي أسلوب فني وزخرفي بطبعه.. ما هي القيمة الفنية للخط بالنسبة لك؟

ظهر في العالم مصطلح الحروفية أي استخدام الحروف. والثقافة الفنية العربية ثقافة تجريدية والحرف العربي مجرد وبالتالي تم استخدامه فنياً، لأن الدين الإسلامي لا يحب التشخيص والرسوم التي لها روح، لأن الله هو من يخلق الروح. فاتجه المسلمون نحو التجريد. زخرفة على خط على نقش، والإبداع عبر المجردات وليس عبر المشخصات. أوروبا مشخصة من أيام اليونان والرومان، والمقياس عندهم هو جسم الإنسان. نحن الفن عندنا تجريدي، ولهذا كثر استخدام الخط في الزخرفة والنقوش واللوحات الفنية، كفن روحي. التجريد وصلت إليه أوروبا عبر الفن الإفريقي والإسلامي. وقمة الفكر هو التجريد. الآن يكثر التجريد في التكنولوجيا صورة مع خط، وكتابة مع صورة مع رسم.

▪هل تؤثر في أعمالك المناظر الواقعية مثل الناس والطبيعة والمدن والبحر والشروق والغروب وما إلى ذلك؟

أنا فنان ملتزم أرسم وفقًا لموقفي الداخلي وليس بمؤثر خارجي، أنا عملت مثلا معرضا كاملا عن اضرار القات.

▪تقييمك للحركة التشكيلية اليمنية؟

الحركة التشكيلية في بلادنا حديثة ووافدة من الغرب وبالذات اللوحة المعلقة. والآن هناك ما بعد الحداثة أو ما يسمى بالمفاهيمية، مثلاً، الحديث عن الكرسي ورسم للكرسي مع وجود الكرسي نفسه. الآن الفن يزاحم العلم في اكسابنا المعرفة.. سابقا كان يسمو بأرواحنا. الآن ممكن الفن أن يأتي بالقبح والجمال معا، فيما يعرف بالستاتيكي العلم الذي يدرس القبح مع الجمال.

▪أي فنان تشكيلي يمني يشد انتباهك؟

فنانون كثر منهم من يشدني موضوعه ومنهم المادة ومنهم من يشدني إليه الكنيك الذي يستخدمه مثل: طلال النجار الذي يتحدى الكاميرا في رسمه، عدنان جمن، هاشم علي باللون عنده ثراء في اللون وعنده رمز وخيال فظيع، حكيم العاقل عنده غزارة في اللون، د. آمنة النصيري عندها أساليب متنوعة ومتعطشة للتجريب في أعمالها وهي أكثر حداثة مننا جميعا.

▪أنت جربت أيضا الكتابة عبر المقال الفني الصحفي ودخلت في معارك مع زملاء المهنة واقتربت حتى من النقد.. هل تطمح أن تكون ناقدا فنيا؟

النقد مفهوم كبير ولكنه في معناه البسيط يعني التمييز يعني لما تمسح جزءاً من اللوحة وتبقي جزءاً هنا أنت تمارس النقد على اللوحة. والنقد تقويم وتقييم. والفن هو تجريب ووجهة نظر وذوق في كل الأحوال يختلف عن العلم الذي هو واحد زائد واحد يساوي اثنين.

▪على ذكر التجريب.. هل تمارس التجريب في لوحاتك؟

أكيد، واللوحة التي أحلم بها لم أصل إليها بعد، وأنا متعطش للتجريب، لكن التجريب الواعي المدروس الذي يهدف إلى تحقيق ثمار ليس مجرد شخبطة.

▪أين ترسم؟

أغلب رسمي في البيت.. الفكرة تجيء صدفة بعدين تختمر بعدين تلح عليّ، ثم أمسك ورقة وأعمل اسكتش أو رسما أوليا، وبعدين التعديل والحذف والإضافة.

▪متى رسمت آخر لوحة؟

آخر لوحة رسمتها هي علم الجمهورية اليمنية رسمته ومزقته وقلت لبنتي رتبيه فرتبته بشكل عشوائي وممزق فصورته ورسمته في لوحة كبيرة ترمز لليمن الممزق حالياً. أي تعبير عن الحال.

وكنت طرحت على وزير الثقافة تنظيم معرض عن الحرب فاستحسن الفكرة، لكن الميزانية لا تسمح. تصدق عندي أربعون لوحة أحاول أعمل معرضاً ما قدرت وأنا مستشار في وزارة الثقافة.. ما بالك بغيري. حتى تواصلت مع المجلس الانتقالي الجنوبي لدعمي، لكنه اشترط أن يكون مواكباً لفكرة استعادة دولة الجنوب. وأنا أعمالي خليط من أعمال مختلفة لست مقيداً. ومن حق الجنوبيين اختيار شكل الدولة التي تناسبهم. لكن للفنان اتجاهه وموقفه، ولنترك للمشاهد يعمل حواراً بصرياً مع الأعمال الفنية ويستمتع بها.

▪ختاماً.. استمتعنا جداً بهذا الحوار معك، كما امتعتنا بأعمالك الفنية.. فشكراً جزيلاً لك.

شكراً لكم.. وفي الأخير، أتمنى أن تنتهي الحرب في اليمن ويعود الناس إلى رشدهم ويتفرغ المبدعون لإبداعهم.