الثلاثاء - 31 مارس 2020 - الساعة 02:59 م بتوقيت اليمن ،،،
مدى برس/ لحسن ملواني *
تدور أحداث الفيلم القصير «دفاع» سيناريو وإخراج ألبي دو أبرو، حول رجل متسول، وقد يكون مهاجرا، يحلم بتحقيق ما يصبو إليه من آمال، ويحصل العكس ليصير وحيدا مشردا يعيش بين النفايات، ويحيا على الصدقات. ولا يجد في النهاية سوى كلب ضال يُشاركه وحشة الحياة.
> مواجهة السراب
يحكي الفيلم ما يعانيه المشردون، والمصير الذي ينتظر الكثير من المهاجرين ـإن تشردواـ وهم يحملون أحلاما كبيرة، فيقطعون الأميال بغية تحقيقها، وإذا بهم يواجهون مصائر أسوأ من الأوضاع التي عاشوها وغادروا بسببها، آملين في الأحسن والأجمل قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى ما لا تحمد نتائجه.
في بداية الفيلم تجول بك الكاميرا في ثنايا مكان خرب مهجور، يعيش فيه المهاجر وحيدا مهمشا معزولا، لا مكان له في خضم المظاهر الحضارية التي تشي بها الشوارع بناسها الغادين والرائحين، وعلى ملامحهم وملابسهم علامات رغد العيش والسعادة. وتبدي الكاميرا المهاجر الرث الثياب المشعث الشعر الكثيف اللحية، وقد استيقظ وسط مؤثثات هذا المكان الفارغ المحاط بالأزبال والنفايات من كل الأنواع. يغسل أسنانه ثم يأخذ صورة يتأمل فيها نفسه رفقة امرأته وابنته… يلتهم قطعة خبز باردة بنهم الجائع الفقير المحروم، ويترك قطعة أخرى للاحتياط، بعد أن هم بأكلها. يتكئ على حائط يطلب الصدقات، يحوم حوله كلب يبحث عما يأكل ثم يمضي إلى حيث القطعة التي تركها في كوخه ليأكلها وحين يعود المهاجر إلى مقره يجد الكلب محتلا له، ظانا أنه مكان لطرح فضلات الطعام، ويحاول المهاجر مواجهته لإبعاده، وأمام شراسته يغادر ناجيا بجلده، يودع المكان خائفا، ويعود بعد ذلك خلسة، يحاول مصالحة الكلب لكنه فشل فهو ما يزال قابعا في المكان وكأنه يعلن ملكيته الأبدية له.
> لا مفر
ينتقل البطل بين مكانين لا ثالث لهما، فبعد أن كان يأوي إلى ذاك المكان المهجور، صار ينام ويستيقظ في الشارع متكئا على حائط، وبين الحين والحين يوقظه هذا أو ذاك للمرور، فيحرمه من النوم والانخراط في أحلام لا يمكن تحقيقها إلا في أجواء النوم والخيال. وكأنه في ذلك يبين كيف أنه صار مطرودا في كل مكان، بعد أن ترك وطنه الذي رأى فيه المرارة الدافعة به للمغادرة بحثا عن تحسين الحال والحصول على المال. وهنا تنتقل به الكاميرا بين مكانين لا أحد يتمنى أن تؤول به الأحوال للعيش فيهما، شارع يعبره المارون ولا أحد منهم يرنو إليه، ولا أحد يهمه أمره، فالكل منطلق إلى عمله وهدفه لا يلفته عنه شيء ولا شخص. مع تطور الأحداث يبدو أن المهاجر وجد حلا لمعضلته، إنه البحث في المزابل والتسول المتواصل، الذي يوفر له مأكلا ومصروفا يقتني به خمرا ينسيه مرارة الواقع والمآل، لكنه لا يغادر مكانه الذي لا بديل له عنه.
> صراع من أجل البقاء
في الفيلم يتحرك كائنان هما المهاجر وكلب شريد، هذا الأخير الذي تمكن من استيلائه على مقر المهاجر، فنشأ بينهما عراك انتهى لصالح الكلب، الذي أبدى شراسته في الدفاع عن نفسه وعن الكوخ، رغم تسلح المهاجر للمعركة حين لف أطرافه ببقايا الأوراق الكرتونية والبلاستيك وغيرها تجنبا لعضات الكلب. هزيمة تدفع به إلى تدبير الحيل والتفكير في الخطط، وأخيرا سينتصر عليه حين يدس له السم في «كفتة» التهمها الكلب بسرعة ليسقط يتضور من الألم، ويندم المهاجر فيحمله إلى حيث مستشفى الحيوانات ليعود إلى الكوخ منتصرا.
في الكوخ وهو يغسل أسنانه داس على لعبة من مطاط تمثل حيوانا فأصدرت صوتا جعله يشعر بالحنان، ويفكر في الكلب وفي ابنته ربما. وحين يجلس يقلب صفحات مجلة يستوقفه كلب كتب عنه مقال فيذكره بعدوه المنهزم، وحين يخرج من كوخه يجده أمامه وقد شفي فيتهلل وجهه ويطارده مصرا على أن يقطن معه، حيث لا صديق يؤنس وحدته القاتلة.
> البنية الدرامية
تمثلت عناصر قوة البنية الدرامية في احترام الضوابط الخاصة بالفيلم القصير، من حيث التركيز الحدثي على البطل مع استغلال كل المشاهد استغلالا ترميزيا، بقصد معالجة الظاهرة المستهدفة بالفيلم بالعمق المطلوب. كذلك الانتقال بين الأحداث بشكل مدروس، يجعل المشاهد رفيق الأزمات من بداية الفيلم حتى النهاية، تشرد، وحدة، مطاردة، البحث في المزابل، التسول، العراك مع الكلب، النظر في الصورة الفوتوغرافية الوحيدة، التي يرى فيها امرأته وبنته، اللتين تنتظرانه وتنتظران منه إسعادهما، والأجمل في الفيلم اعتماده على الصورة أكثر من الكلام، فنجد البطل يتحدث ويعبر بملامحه ووضعياته ونظراته وصراعاته من أجل البقاء، ومن أجل عدم العيش وحيدا، حتى إن كان الشريك عدوا.
٭ كاتب من المغرب