مدى الثقافي/ يوسف زيدان*:
لفظ التصوف، يجمع في معناه العام بين التجربة الروحية المفردة التي يخوض غمارها (الصوفي)، والانتظام في جماعة روحية، يسمَّى الواحد من أهلها (متصوف).. فالصوفي نموذج يكون به الاقتداء، والمتصوِّف تابعٌ يطلب الارتقاء.. الصوفي صاحب طريق، والمتصوِّف عضوٌ في طريقة.. الصوفي مراد، والمتصوف مريد.
والتصوف نزعة أصلية في الإنسان الساعي إلى ملامسة الحقائق العميقة في الكون، والتوسل إلى انعكاس معاني الكون على المرآة الذاتية (الباطنة) لهذا المتجرّد عن المحسوسات، الطامح إلى سطوع الأنوار العلوية على مرآته، أملاً في تجلِّى المعارف الكلية بالكشف الذاتي المتعالي على قواعد الإدراك الحسي والاستدلال الاستقرائي والاستنباط العقلي.. (لا بد هنا أن أترفق قليلاً، وأشرح كثيراً، فهذه مقالة في جريدة يومية وليست محاضرة للمتصوفين).. بعبارة أخرى، أقول:
الصوفي هو المنهمك في عشقه ومشاهداته، وهو الناظر في الكون بعين القلب، ولذلك يرتبط التصوف بالفن والأدب، وبالشِّعر الذى يحلِّق فوق الآفاق المعتادة، ويتجاوز اللحظية والمناسباتية..
ولذلك، نصف مولانا جلال الدين الرومي في ديوانيه (شمس تبريز، المثنى) وليس في كتابه (فيه ما فيه) بأنه صوفي، فهو الذي قال:
ليس عجباً أن تفرَّ الشاةُ من الديب، العجب أن يكون لها منه حبيب.. وقال:
إنني أفكر في القافية وحبيبي يقول «لا تفكر في شيء سوأى».. وقال:
إن الدم ليتفجَّر من قلبي مع الكلمات.
كما تتجلَّى النـزعة الصوفية في رسوم المنمنمات، وفى لوحات صلاح طاهر التي يتموَّج فيها الحرف العربي مع اللون الباهر، وفى بعض أعمال سلفادور دالي التي تسيل فيها الأشياءُ الجامدة ويُعاد تكوين المرئيات في الوعي.. فهذه، كلها، حالات صوفية، حتى وإن كان أصحابها غير (متصوِّفين) أي غير منتظمين في طريقة صوفية.
الصوفية، إذن، نزعة إنسانية حرة (مطلقة) قد يكون صاحبها «صوفياً» إذا ما جاءت استجابته لهذا النداء الداخلي للعلوّ، فردية.
فإن كان مندرجاً ضمن جماعة صوفية معينة، لها مشايخ وتقاليد في السلوك (أوراد، حلقات ذكر.. إلخ) فهو يكون في هذه الحالة «متصوِّفاً»..
وبالتالي، فلا يُشترط التطابق بين الصوفي والمتصوِّف، فقد يكون الشاعر أو الفنان أو العاشق الملتهب «صوفياً» مع أنه ليس متصوفاً.
*من كتاب دوامات التدين