مقالات


السبت - 14 مايو 2022 - الساعة 11:22 م

الكاتب: محمد العلائي - ارشيف الكاتب



عليكم أن تحتكموا في خلافكم (النظري) مع عبدالله أحمد العديني إلى مرجعيات أخلاقية ومعرفية ومنطقية لا تكون هي نفسها التي ينطلق منها العديني في تفسيراته ومواقفه.

أما إذا كنتم مثله تسندون مواقفكم وأقوالكم إلى النصوص المركزية "المقدسة" نفسها التي يسند العديني مواقفه وأقواله إليها، فلا فرق جوهري بينكم وبينه: فقط أنتم تريدون أن تفهموا من تلك النصوص والكلمات المرجعية ما لا يريد العديني أن يفهمه منها.
وفي الحقيقة، من الناحية السياسية والعملية، لا شيء يجعل من فهمكم لتلك النصوص والكلمات أصحّ ولا أرقى من فهم العديني.

ولا شيء يمنح تفسيراتكم شرعية أعلى من تفسيرات العديني، ولا شيء يعطي أقوالكم حقوقاً أرفع من أقوال العديني، ما لم تكونوا أنتم قادرين على تحويل أفهامكم وتفسيراتكم وأقوالكم إلى واقع وممارسة حيَّة تنقض الواقع والممارسة الممكن قيامهما بناءً على فهم العديني وتفسيراته وأقواله.

أما في ظل الوضع التاريخي الفوضوي القائم في البلاد، فما أنتم سوى عديني من الجانب الآخر لا أكثر!

لا تقول لي أن العديني عاجز عن أن يفهم من كلمة "كُفر" ما فهمته أنت بعبقريتك منها.

سأقول لك أن محتوى مثل هذه المفاهيم يتَّسم بالتاريخية، أي أنّها أوعية فضفاضة متغيرة المحتوى بتغيُّر الزمان والمكان، وباختلاف الأفهام والرغبات.
وإذا كانت المسألة فقط مسألة حُجَج ومناظرات كلامية، فلن يعدم العديني حُجَّة يدافع بها عن المحتوى السيّء الذي اختاره لهذه الكلمة أو غيرها.
وحتى الاسلام نفسه تاريخي، فهو ليس شيئاً وُجِدَ مرّةً واحدة، نصَّاً وممارسة، بشكل كامل وإلى الأبد. الاسلام كممارسة هو تاريخ المسلمين، أفراداً وجماعات عبر كل العصور، فهو سجل أعمالهم وأفكارهم وتأويلاتهم وإضافاتهم.

الاسلام التاريخي هو كل ما قيلَ أو فُعِل باسم الاسلام في أزمنة وأمكنة مختلفة.

أما الاسلام كنصٍّ أزليّ ثابت، كطوبى ومثال، كجوهر لاتاريخي، وإذا افترضنا أن هذا النصّ المتَّفق عليه هو القرآن، فتأويل هذا النصّ هي عملية تاريخية متغيّرة النتائج في الزمان والمكان. وأما الممارسات والأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يمكن اشتقاقها من هذا النصّ، أو تبريرها باسمه أو من خلاله، فهي أيضاً متغيِّرة ومتعددة بلا حدود.
ستقولون لي: أن العديني يستقوي علينا بالمقدَّس ويصادره ويحتكر تمثيله، وبالتالي؛ فأقواله التكفيرية خطرة العواقب، وأقوالنا آمنة من حيث العواقب، لأنها لا يمكن أن تتعدى إلى فعل مادي.

في الحقيقة يمكن لأيّ خطاب أو فكر، سواءً كان أرضياً أو سماوياً، أن يتحول في أيّ وقت إلى فعل مادي ضد من يتناقض معه بالخطاب والفكر، أكان ذلك الفعل باسم الله أو باسم الشرعية أو باسم الثورة أو باسم آل البيت أو باسم الدولة أو باسم العدالة أو باسم الانفصال، أو حتى باسم الديمقراطية وحقوق الانسان.

هذا من بداهات التاريخ البشري.
وأما الاستقواء المعنوي المجرّد، فيمكن للانسان أن يستقوي على أخيه الإنسان بأيّ شيء، حتى بتفاهته!
وأن تقول اليوم لشخص في تعز أو عدن: أنت حوثي (رافضي)، فهذا لا يقل خطورة من الناحية العملية عن أن تقول له: أنت كافر. وأن تقول لشخص في صنعاء: أنت عميل للعدوان (أو داعشي ناصبي)، فهذا لا يقل خطورة على هذا الشخص من القول: أنت كافر.

أما لو سألتني عن رأيي الشخصي، سأقول لك أن من الواجب حيال كل خطاب ديني متشدِّد، مثل خطاب العديني، أن يُحظَر بقوة الدولة والقانون عندما تكون هناك دولة وقانون وأوضاع اعتيادية، لا أن يُناقَش ويُدحَض فقط من وراء البحار بتفسيرات دينية مناقضة لتفسيراته، وخصوصاً حين تأتي هذه التفسيرات المضادة من جانب أشخاص وناشطين يمنيين ليسوا بأقل صلفاً وبلادة حسّ تجاه قضايا بلدهم وأولوياته من العديني نفسه.

فهؤلاء الناشطين والكُتاب "التنويريين" لم يعتريهم الشك -ولا الندم- على مدى سنوات في سلامة خطابهم ومنطقهم وسلوكهم نحو اليمن، فهم يمضون قُدماً في نفس الاتجاه الفظيع بيقين لاهوتي عُديني (- نسبةً إلى هذا الخطيب العديني) لا يتزعزع.
ولهذا، فإن سجالاتكم مع العديني رغوة صابون لا قيمة لها، ولسنا في الواقع مدينون لكم بانتصاراتكم وفتوحاتكم (الاصلاحية اللوثرية يا سعم)، ولا بنقاطكم التي تسددونها في شباك العديني أو غير العديني.

لا ينقصنا اليوم ما يمكن أن نقوله للعديني أو عن العديني، للحوثي أو عن الحوثي.

سأقول لكم شيء أخير، حتى لو بدوت في نظركم "سطحياً":
الضرر الفعلي الذي وقع على البلاد بسبب حماقات بعضكم، منذ 2011 إلى اليوم، هو أعظم من ضرر ألف حماقة لألف من أمثال العديني!
على أن للعديني أفضلية صغيرة على كثير منكم:
فهو يمارس الخطأ من داخل أرضه، وهذا يعني استعداده لتحمّل نتائج خطأه، أما أنتم فقد أخطأتم وتركتم شعبكم يواجه النتائج ويتلظَّى في نيران مصيره الذي انفصلتم عنه دون أن يرف لكم جفن، ولم يعد مصيركم الخاص ومعاشكم مرتبط بمصير بلدكم.