مقالات


الإثنين - 20 يناير 2020 - الساعة 09:23 م

الكاتب: أ. فيصل الصوفي - ارشيف الكاتب


وضع حزب الإصلاح على عاتقه العمل من أجل تحقيق أهداف كبيرة، ومحددات واضحة، مزيتها التي فخر بها أنها إسلامية، كما تقرأها في دستوره الداخلي أو نظامه الأساسي (اقرأ المواد 3، 4، 5، 6 مثلاً)،  ومن هذه الأهداف، أن الحكم أو النظام السياسي الذي يطلبه أو يسعى إليه، يجب أن يكون حكماً إسلامياً خالصاً.

ولكي يكون إسلامياً فإنَّ الإصلاح سوف يعمل من أجل أن تغدو الشريعة الإسلامية في الدستور اليمني مصدر التشريعات جميعاً. ذلك لأنَّ الكتاب والسنة هما أصل الشريعة، وأصل المشروعية، وكل ما يخالفهما باطل ومردود.

وعلى هذا الأساس فإنَّ الديمقراطية -كأسلوب لممارسة الحكم- يجب أن تكون منضبطة بأحكام الإسلام كي لا تبقى منفلتة.. أن تكون شوروية على طريقة الخلفاء، مع التأكيد على استعادة الخلافة الإسلامية بصفتها نظام الحكم المثالي، إذ يقرر الحزب -جرياً وراء جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر- أنّ الأمتين العربية والإسلامية أمة واحدة! والسعي لتحقيق وحدتهما واجب شرعي، ولن توحدهما سوى الخلافة الإسلامية.

(دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام- داعش، جعلت المسلم العربي والمسلم الباكستاني والمسلم الفرنسي والمسلم الانجليزي جماعة واحدة متحدة موحدة).

ولأنَّ الديمقراطية تتيح للناس التمتُّع بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، على قدم المساواة، أو دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو المذهب أو العرق، فهذه عورتها، لذلك ينبغي ضبطها على مقاييس أحكام شريعة الإسلام، فالحرية -مثلاً- لا يجوز أن تخرج عن مفهومها الإسلامي (والحرية في المفهوم الإسلامي التقليدي أو الأصلي تعني أن يكون الإنسان غير مسترق، أي غير عبد)، أما حقوق المرأة فلا يجوز أن تخرج عن الحقوق التي حددتها الشريعة الإسلامية.

هذا التركيز على الشريعة الإسلامية، يعطينا دلالة واضحة على أننا أمام حزب ديني لا مدني، على الرغم من ادعائه المدنية في كثير من المناسبات.. هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنّ الإسلام أو الشريعة الإسلامية التي يعنى بها حزب الإصلاح، هي بالضبط ما يريده هو منها، أو ما يريد تحقيقه من خلال رفع لافتاتها في كل ميدان، وكل مناسبة.. ومن جهة ثالثة يجعل الشريعة الإسلامية ديناً، بينما الشريعة هي المظهر القانوني لتعاليم الإسلام الفقهية كما فصلها المسلمون الأوائل وفق مصالحهم -وأحياناً أهوائهم- أو قل إن الشريعة عبارة عن أحكام الفقه التي أوجدها فقهاء، أي أنها من صنع البشر وليست وحياً يوحى، ولذلك قال الإمام محمد عبده إنّ الأولين رجال ونحن أيضا رجال.

يحشر حزب الإصلاح الشريعة أو الفقه في كل أمر متغير، صغيراً كان أو كبيراً، حتى في ما يتعلق بأي إصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، يوجب هذا الحزب التقيد بعقيدة الأمة وشريعتها الإسلامية، عند الدعوة للإصلاح.. والعمل الدعوي للإصلاح قضية جوهرية، بالنسبة للحزب، لذلك يضع ضمن أهدافة العناية بمنابر الدعوة أو التأثير في الناس، ومن ضمن هذه المنابر الوسائل الإعلامية الحديثة، ويعنى عناية خاصة بالمنابر التقليدية، وقد ذكر منها -في نظامه الأساسي- المدارس والمعاهد العلمية، ومدارس تحفيظ القرآن، والمساجد (كان من بين قرارات المؤتمر العام للحزب عام 1994، إعادة فتح معهد البيحاني الديني في الجنوب لكي يواصل أداء رسالته العلمية ويستعيد دوره الريادي وعطاءاته المشرقة التي حال الحكم الاشتراكي دون مواصلتها).

وقضية الإصلاح عند حزب الإصلاح تحسم كلها من خلال إصلاح الفرد أولاً ليصلح المجتمع كله، وهذه مقولة تتكرر كثيراً في أدبيات الحزب وفي خطب رجاله، ومراراً قال اليدومي إنّ مهمة حزبه تعبيد الناس لربهم! على أنَّ هذه الصلاحية التي لم يمنحها الله لرسول الإسلام استمدها الإصلاحيون من جماعة الإخوان المسلمين التي ظلت تضع مهمة إصلاح الفرد لإصلاح المجتمع على رأس قائمة أولوياتها منذ أيام حسن البنا، وإلى اليوم وبعد نحو تسعين عاماً، لم نرَ من الجماعة نفسها فرداً صالحاً، باستثناء قليل من الرجال والنساء الذين خبروها جيداً ثم تخلوا عنها وجرَّموها في نهاية الأمر.

شرح الدكتور فؤاد زكريا في كتابه (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل- ص25-26) هذه المقولة بطريقته، فقال إنك عندما تقول لجماعة الإخوان المسلمين، ما برنامجكم لكي تغيروا المجتمع إلى الأفضل؟ يردون عليك بالقول إنّ الهدف الأساسي هو إصلاح الفرد، فإذا أصلحت الفرد صلح المجتمع، لأنَّ المجتمع مكون من مجموع هذه الأفراد.. يرى زكريا أن هذه نظرة تجزيئية، أو ذرية للمجتمع لأنها تتجاهل أمرين على جانب كبير من الخطورة: الأول، أن المجتمع ليس مجرد مجموع أفراده، بل هو حقيقة قائمة بذاتها، تتجاوز نطاق الأفراد المكونين لها، ولهذا المجتمع قوانينه ومطالبه ومقتضياته الخاصة التي تزيد عن كونها حاصل جمع آلي لاتجاهات الأفراد المكونين لهذا المجتمع. والأمر الثاني أن هذه النظرة تتناول وجهاً واحداً من ظاهرة ذات جانبين متفاعلين، يستحيل الفصل بينهما، فإذا قلنا إنّ إصلاح المجتمع يجب أن يسبقه إصلاح الأفراد الذين يؤلفونه، لكان من الطبيعي أن يعترض علينا معترض فيقول: وكيف نصلح الأفراد قبل أن نصلح المجتمع الذي يعيشون فيه؟ ثم هل يمكن إصلاح الأفراد في فراغ؟ أليس الفرد مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالمجتمع وبالبيئة التي يعيش فيها؟ فكيف تعزل الفرد عن بيئته وتعتبره مستقلاً عنها؟ أيظل المجتمع فاسداً إلى أن يتم إصلاح الأفراد الذين سيصلحونه فيما بعد؟ لذلك فإنّ شعار إصلاح الفرد عسير التحقق أو التنفيذ.. والصواب هو البدء بإصلاح المجتمع الذي يعيش فيه الأفراد، فذلك أفضل طريقة لإصلاح الفرد، والنتيجة مضمونة.

بالنسبة لنا، نرى في الصورة جانباً آخرَ مهماً، إلى جانب ما سبق.. وهو أنَّ إعطاء الفرد أولوية من جهة الإخوان المسلمين، يتضمن قصداً مقصوداً وهو السيطرة على الفرد، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، وهكذا، وذلك عبر الخطاب الديني.. ثم ضمهم إلى الجماعة أو الحزب، وتنميط سلوكهم تحت لافتة الإسلام والشريعة الإسلامية، وجعلهم أدوات مسخَّرة لما يخدم أهداف قيادة الجماعة أو الحزب.. ومن هنا يمكن فهم لماذا يخرج الإرهابيون دائماً من تحت آباط الجماعات والأحزاب الدينية؟
...وللموضوع بقية.