مقالات


الإثنين - 16 مارس 2020 - الساعة 03:07 م

الكاتب: حسين الوادعي - ارشيف الكاتب



انتشار نظرية المؤامرة في مجتمعات كمجتمعاتنا ليس غريبا. نظرية المؤامرة استمرار لعقلية الخرافة التي تبحث عن "قوى خفية" تحرك الأحداث من خلف الستار.
ما سبب مرضك؟ الجن!
لماذا ارتكبت هذه الجريمة؟ الشيطان أغواني!
ما سبب ظهور هذا الفيروس القاتل الآن؟ عقاب من الله، ابتلاء من الله، الصين أرادت تدمير أمريكا، أمريكا أرادت تدمير الصين، تم تنصنيعه في مختبر سري لا يعلم به إلا الله وهرب من المختبر...الخ.

هناك من يتبنى نظرية المؤامرة لأنه عاجزعن الفهم. وهناك من يتبنى نظرية المؤامرة لأنه لا يريد أن يفهم وهؤلاء هم الأخطر.

وتتعاون نظرية المؤامرة اليوم مع misinfodemics (وباء المعلومات المضللة) لتعريض الناس للخطر.

تفاهة نظرية المؤامرة هو سر جاذبيتها.. تستطيع إثبات اي شيء عبر نظرية المؤامرة وبنفس الأدلة. الفيروس بدأ في الصين ومن وجهة نظرية المؤامرة تستطيع الادعاء أن الصين صنعته في مختبراتها البيولوجية وتسرب منها. لكن في نفس الوقت تستطيع القول ان امريكا هي التي صنعته وسربته الى الصين للقضاء على منافستها. تستطيع ايضا الادعاء ان الصين سربت الفيروس بالتعمد لتخدع العالم وتكدس ارباحا هائلة. كما تستطيع ان تقول نفس الشيء عن اميركا وانها أرادت تشغيل الشركات الكبرى للأدوية بنشر هذا الفيروس.

تستطيع ايضا تحويلها الى مؤامرة عالمية والادعاء أن الشركات الكبرى والمليارديرات واباطرة الإعلام يبالغون في خطورة الفيروس من اجل جني الأرباح.

نظرية المؤامرة تتجاهل الواقع وترفضه. بل هي لا ترى الواقع واقعا بل تراه وهما وأكذوبة وترى الأوهام والأكاذيب حقائق دامغة.. ولعل هذا هو سبب استحالة نقاش شخص يفكر بعقلية المؤامرة.

العالم في حالة رعب وخوف وتراجع اقتصادي هائل وخسائر فلكية ستودي بآلاف الوظائف والشركات وستضع العالم في ضائقة تستمر سنوات... آلاف العمال والموظفين سيفقدون وظائفهم، ومئات الشركات ستفلس، واقتصاديات كبرى ستتراجع، ووفيات يومية، وتعطل كامل للحياة.. ومع ذلك يعجز التفكير التآمري عن رؤية الواقع ويبحث عن فرضيات طفولية بدون دليل ليبني عليها نتائج متناقضة مع نفسها لا يمكن أن يصدقها طفل في مرحلة الروضة.

في كل الأحوال.. سواءً آمنا بالعلم أو عطلنا عقولنا بالخرافة والمؤامرات... تذكر أن الفيروس قد يصل إليك وإلى أسرتك، وهناك سلوكيات بسيطة قد تنقذك وتنقذ عائلتك...

احرص على غسل يديك جيداً بالماء والصابون، ابتعد عن المصافحة والعناق، ابق في بيتك حتى تنحسر ذروة الوباء، تجنب العطاس والكحة في وجوه الناس واستخدم المنديل او المرفق لتجنب تطاير الرذاذ، تجنب التجمعات والأماكن المغلقة إلا للضرورة..

نظرية المؤامرة قد تقتلك مرتين: مرة بقتل قدرتك على التفكير الصحيح، ومرة أخرى بالفيروس الذي لا يؤمن بالخرافات.