مقالات


الإثنين - 06 أبريل 2020 - الساعة 03:26 م

الكاتب: أ. فيصل الصوفي - ارشيف الكاتب



القيم هي الأخلاقيات أو المعايير أو القواعد التي نحكم بها على السلوك الإنساني أو شيء من الأشياء بأنه حسن أو غير حسن، مقبول أو غير مقبول.. وتستمد هذه المعايير والأخلاقيات من الدين والتاريخ والتراث الثقافي والاجتماعي للمجتمع.

فاحترام الحياة قيمة، والحب قيمة، وكذلك التعاطف، والصدق، والأمانة، والإخلاص، والإنصاف، والعفو، وطاعة الوالدين، واحترام الكبار، والسلوك المهذب في كل المواقف.. وهذه قيم قديمة أو تقليدية، يلتزم بها العربي- المسلم مثلاً لأن مصادرها دينه وتاريخه وتراثه الثقافي والاجتماعي.. كما يلتزم بها غيره لنفس السبب.

أضيفت إلى هذه القيم القديمة أو التقليدية قيم جديدة، مصادرها أيضاً جديدة، مثل الإنسانية في زمن الكوكبة، أو العولمة بمختلف مظاهرها العلمية والثقافية والإعلامية والسياسية والاقتصادية.. ومن هذه القيم الديمقراطية مثلا: الاعتراف بالتعدد، القبول بالاختلاف، التسامح الديني والثقافي، نبذ العنف، المساواة، شراكة المرأة، المصداقية، الحوار، الاهتمام بالآخرين، والتضامن كما يتجلى اليوم في العالم قاطبة في مواجهة فايروس كورونا، فالإماراتي يهتم بأمر اليمنيين في الصين، وأمريكا وألمانيا تسابقان الزمن في ابتكار وسائل وقاية وعلاج للفايروس، والصيني يهتم للهندي رغم الخلاف السياسي بينهما، والسعودية تتضامن مع إسبانيا وإيطاليا وعموم أوروبا، وتفتح مستشفياتها للمصابين من كل الأجناس.

ومثلما استمرت القيم القديمة، وظهرت القيم الجديدة، ففي المستقبل قد تستجد قيم إضافية مواكبة له.

والقيم مثل بقية الأشياء عرضة للتغيير المستمر نحو الأفضل، ولا تموت منها سوى تلك التي يتخلى عنها البشر، فالبشرية أسقطت قيمة قديمة مثل العبودية أو مثل التمييز بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو العرق، كما يتخلى المسلمون بالتدريج عن قيمة قدية مثل ازدراء الأنثى، أو حرمانها من التعليم والعمل.

أردنا بهذا التمهيد، ليس التعريف بمفهوم القيم والأخلاقيات وأنواعها فحسب، بل أيضاً التعرض لبعض مظاهر السلوك التي يمارسها اليمني والعربي والمسلم، على الرغم من أن مظاهر هذه السلوك تتعارض مع القيم والأخلاقيات المستندة إلى دين الإسلام وأخلاقياته، وتتعارض مع تاريخنا وتراثنا الثقافي والاجتماعي.. مثلاً يغشك البائع أو تغشه على الرغم من أن كلاكما يؤمن أن حسن المعاملة دين، أو قيمة من القيم التي يفرض الدين على أتباعه الالتزام بها.

وترى شخصاً يبدي في ظاهر سلوكه التزاماً دينياً، وعلى هذا الأساس يفنى في خدمة الناس، فإذا بك تكتشف أنه مجرد من قيمة الإخلاص، وأنه يقوم بذلك لتحقيق أغراض شخصية أو حزبية، وأحياناً لا تحتاج لأي جهد لكي تصل إلى هذا الاكتشاف، فهو لا يستطيع إخفاء المقاصد الدنيوية السياسية والاقتصادية وراء ذلك القناع الديني.

وبالمثل ترى زعماء مرموقين في جماعات دينية ينافقون نفاقاً فجاً حيال قضايا خطرة للغاية، فيقول لك مثلاً إن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي قيام فريق من رجاله ببعض أعمال العنف والإرهاب، ولكن على فريق آخر أن يظهر عليها النكير أو الإدانة.. ولدينا مثال حي، يتمثل في أولئك الذين حرضوا على قتل العميد الحمادي، وبعد اغتياله رأينا آخرين يظهرون السرور والتندر على قتله، بينما هم يدركون أن صون النفس المعصومة قيمة عالية في القرآن المجيد.

في جانب آخر، يكرس بعض المثقفين قيماً سلبية استناداً إلى موروث ثقافي سلبي مثل اتق شر من أحسنت إليه، فالإحسان إلى الناس قيمة من القيم الرفيعة، ومع ذلك تسوق عبارة اتق شر من أحسنت إليه، أي تحريض على عدم فعل الإحسان، ومثل قولهم إذا رأيت المجنون ينقر في الصفا قل له: باقي قليل! كذلك في ما يتعلق بقيمة مثل النزاهة والشفافية ومصارحة المجتمع حول مظاهر الفساد وإعمال مبدأ المساءلة، يأتي من يقول: لا تنشر الغسيل القذر، أي أخف الفساد لأنه غسيل قذر، بدلاً من أن يقول لك: اجعل غسيلك نظيفاً دائماً.. فالغسيل النظيف لا يخشى عليه ولا منه أينما نشر.