مقالات


الخميس - 11 يونيو 2020 - الساعة 12:03 ص

الكاتب: عبد الباري طاهر - ارشيف الكاتب



التاسع من يونيو 90 كان انعقاد المؤتمر التوحيدي في صنعاء بعد قيام الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 90. بعد بضعة أسابيع انعقد المؤتمر التأسيسي والتوحيدي، وحضر المؤتمر 131 صحفياً كجمعية عمومية من المندوبين من الشمال والجنوب. رأس المؤتمر آنذاك الأستاذة رضية شمشير- الصحفية الأولى في الجزيرة والخليج-.

عندما نرجع بالذاكرة إلى بداية الوحدة، أو إلى الأربعينات والخمسينات في عدن عقب الحرب الكونية الثانية- نرى أن اليمن قد انحدرت إلى أدنى السلم في المدنية والحقوق والحريات. فقد كانت عدن طوال عقدي الأربعينات والخمسينات وشطر من الستينات منارةً للحريات العام والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير في الجزيرة والخليج. تأسست الأحزاب السياسية لليمن كلها، وتكونت النقابات العمالية، والاتحاد العمالي لليمن كلها، وتأسست الجبهة الوطنية المتحدة، والأحزاب القومية: البعث، وحركة القوميين العرب، والتياران: الإسلامي، والماركسي، وصدرت عشرات الصحف، وسن تشريع يعطي الحق في تأسيس الحزب، أو النقابة، أو الصحيفة بمجرد الإبلاغ للبلدية، وجاءت الشرعية الثورية لتصادر هذا الحق الذي أقره الاستعمار البغيض.

في الـ ج. ع. ي كانت الحزبية مجرمة بالدستور، ولا يسمح بإصدار الصحف، أو تشكيل النقابة أو الجمعية إلا بتصريح بقيود شديدة، ورقابة سابقة ولاحقة على الصحافة.

جاء يوم الـ22 من مايو 90 لتعلن الأحزاب السرية عن وجودها، وتشكلت أحزاب جديدة، وصدرت عشرات الصحف الحزبية والمستقلة، وكان ربيع حريات ديمقراطية وضع اليمن في مصاف الدول الديمقراطية عالمياً.

كان يوم الـ9 من يونيو 90 عنواناً بارزاً لهذا المناخ الديمقراطي والوحدوي.

الحالة القائمة اليوم -بعد ثلاثة عقود- راعبة بحق، وكتوصيف نقابة الصحفيين، فالصحفيون إما قتلى: 38 قتيلاً، ومئات المشردين، وجلهم بدون مرتبات، ومؤسساتهم، وأعمالهم، وصحفهم مغلقة، والعشرات منهم يقبعون في السجون. ليست الحريات هي المصادرة، وإنما الحياة نفسها.

في صنعاء بعد اعتقال، أو بالأحرى بعد اختطاف، واختفاء قسري للصحفيين لأكثر من ثلاثين- يقدم بعضهم لمحاكمة أمنية، ويحكم على بعضهم بالإعدام، والبعض بالحرمان من الحقوق المدنية، وفرض الإقامة الجبرية.

في عدن يقوم سلفيون متشددون في الأحزمة الأمنية باغتيال الصحفي والناشط أمجد عبد الرحمن محمد جهاراً نهاراً، ويمنع دفنه أو الصلاة عليه، كما يمنع أهله من استقبال العزاء، ويختطف المعزون، ويتعرضون للتعذيب والنفي، وتصبح اليمن مقبرة للإنسان اليمني، وللحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير.

الصحفيون -بعد أكثر من ثلثي قرن على الحريات في عدن، وثلاثة عقود منذ مؤتمرهم التوحيدي، وازدهار الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، والنص الدستوري، وصدور قانون الصحافة رقم 25 لسنة 90- يجدون أنفسهم يتبادلون التعازي في قتلاهم، وآخرهم نبيل القعيطي المصور الصحفي، ومراسل فرانس برس، ففي هذا اليوم يتبادل الصحفيون العزاء بدل التهاني والتبريكات بيوم الصحافة.

الصحفيون في يوم الصحافة لا يعطون الأولوية لمطلب الحريات الصحفية -حرية الرأي والتعبير-، وإنما الأولوية لمطلب الحياة؛ لمنع القتل والاغتيال، لمنع التمويت بالمجاعة العامة، وقطع الرواتب، وتعطيل الأعمال، أو الإماتة بالأوبئة الفتاكة، ومنها: الكوليرا، والطاعون الرئوي، والكورونا.

ما يطالب به الصحفيون البقاء على قيد الحياة.


*من صفحة الكاتب على الفيس بوك