مقالات


الأحد - 23 أغسطس 2020 - الساعة 11:02 م

الكاتب: عبدالله حمدين - ارشيف الكاتب



حتى بداية القرن التاسع عشر، كانت نظرة الإنسان للمجتمعات العائلية المعروفة اليوم، بشكلها الأبوي هي السائدة منذ بداية التاريخ الإنساني.

لكن الدراسات الأنثروبولوجية والإنسانية، أكدت أن الوضع كان خلاف ذلك، فالمجتمع الأول لم يؤسس بقيادة الرجل، بل أسس بقيادة المرأة التي ضمت حولها الأبناء، وكان المجتمع أمومياً بكل ما للكلمة من معنى، ليس لتفوقها الجسدي، بل لتقدير أصيل وعميق لخصائصها الإنسانية، وقواها الروحية وقدراتها الخلاقة، وايقاع جسدها المتوافق مع الطبيعة، فبالإضافة لعجائب جسدها، الذي اعتبره الإنسان القديم مرتبطا بالقدرات الإلهية، كانت بشفافية روحها أقدر بحسب نظرتهم، على التوسط بين الآلهة والإنسان، فتفوقت المرأة دينيا وسياسيا واجتماعيا.

هكذا ظلت المرأة لفترة طويلة تتمتع بالسلطة والسيطرة، اعتبارا على القدرات التي تملكها، ويفتقر اليها الرجل، وخلال هذه الفترة الطويلة من حكم المجتمع الامومي، لم يتعرض الرجل لأي ظلم أو اضطهاد، بل إنه حظي بكل الحب والاحترام، وتمتع بكل الحقوق الإنسانية.

وخلال مسيرة التطور الإنساني الفكري والمادي، تراجعت سلطة المرأة، واحتل الرجل هذه المكانة، وبدأ بفرض سيطرته على المرأة وقهرها، واغتصاب حقوقها الإنسانية، وممارسة أسوأ الأساليب في التعامل معها، فنشأت بذلك ثقافة التمييز والاحتقار لجنس المرأة، مهما بلغت مكانتها الاجتماعية، ولا تزال هذه الثقافة هي المسيطرة على الوعي الجمعي الذكوري، باعتبار المرأة كائنا ناقصا عقليا تحركه العواطف والغرائز.

وها هي الفلسفة تجسد هذه النظرة، حيث اعتبر أرسطو النساء كائنات إنسانية ناقصة، تفتقر إلى ما هو جوهري في طبيعة الإنسان، أي القدرة على التفكير، واعتبر أيضا أن طبيعة المرأة هو التناسل فقط وليس لها أدوار أخرى، ووافق توما الاكويني على تصورات أرسطو حول المرأة في القرن الثالث عشر، وفي القرن الثامن عشر اعتقد روسو أن المجتمعات سوف تنهار، إذا لم تتدرب النساء على الخضوع لسيطرة الرجل منذ الصغر، كما أن كانط اعتبر أن النساء غير قادرات على أن يكن أشخاصا اخلاقيين، لأن الأسس الأخلاقية تعتمد على العقل، وهو ما تفتقر إليه النساء كونهن ناقصات عقليا.

وخلال القرن العشرين نشر فرويد آراء حول النساء، حيث اعتبرهن كائنات أدنى من الرجال، بسبب نقص في تركيبتهن البيولوجية.

هكذا طوال تاريخ الفلسفة، ظلت النظرة الدونية للمرأة هي السائدة عند المجتمع، وقد عززت الفلسفة هذه النظرة بسبب تأثيرها في الحياة الاجتماعية في تلك الفترة، مما أدى لفقدان المرأة معظم حقوقها الإنسانية والأخلاقية، ولاقت صنوف القهر والإذلال والاضطهاد والظلم والتحقير، إلى أن جاءت الفلسفة النسوية في العصر الحديث، وظهور كثير من الأصوات النسائية التي تطالب بالمساواة الانسانية، في الحقوق والواجبات، وبذلك بدأت المرأة تستعيد بعض حقوقها المغتصبة من سلطة المجتمع الذكوري، وها هي اليوم في طور استعادة كامل حقوقها المسلوبة رغم صعوبة الأمر.


hamdain1a@gmail.com