مقالات


الأحد - 18 أكتوبر 2020 - الساعة 09:39 م

الكاتب: عبدالكريم الرازحي - ارشيف الكاتب



كان أهالي قريتنا الذين سبقونا إلى المدينة عدن لشدة خوفهم علينا نحن الأطفال الذين وصلنا للتو من القرية يحذروننا الاقتراب من ثلاثة أشياء جميعها تبدأ بحرف السين:
-سيكريم
-سيكل
-سينما

وكانت السينما هي أكبر وأعظم خطيئة يمكن اقترافها وإذا جاز لنا استخدام مصطلحات العرف القبلي فقد كانت السينما هي"العيب الأسود" وهي أم الخطايا وأم العيوب..

ويكفي أن يشهد أحدهم بانه شاهدك عند باب السينما او شهد بأنك تسينم حتى يفتضح امرك، وينتشر خبرك، وتصبح سمعتك في الحضيض:
كلمتك غير مسموعة
وشهادتك غير مقبولة
وصلاتك باطلة.

أول ما وصلت عدن قال لي ابن عم لي وهو يقرص أذني:
-سيكريم، لا
-سيكل، لا
-سينما، لا

ثم راح يشرح لي اللاءات الثلاث:
-اوبه تاكل سيكريم ، اوبه تركب سيكل، اوبه تدخل سينما.
لو شفتك تاكل سيكريم، او تركب سيكل او تدخل سينما، الله شلك الله جابك.

ووعدته صادقا بأني لن اقترف أيا من الخطايا الثلاث.

وقتها لم أكن أعرف ما هو السيكريم، ولا ما هو السيكل، ولا ما هي السينما.

كان يكلمني وانا محشور داخل كيس نومي، بحضور اولاده واولاد أولاده، وكان بي خوف من ان يكتشفوا خطيئتي التي حملتها معي من القرية، والتي هي أكبر واعظم من الخطايا الثلاث التي يحذروني من اقترافها.

كانت امي خوفا عليّ من الفضيحة قد وضعت ملابسي في كيس النوم، واصرت رغم معارضتي لها ان آخذ معي كيس نومي الى عدن، ونصحتني بالنوم داخل الكيس، حتى اذا اقترفتُ تلك "الخطيئة العظمى" خطيئة التبول اللاارادي "اثناء النوم"، اتبول داخل كيس نومي، وليس فوق فراش اهل البيت.

كان التبول اللاإرادي أثناء النوم هو نقطة ضعفي.. لكن ان تتبول في بيوت الآخرين فذلك هو الرعب.

أتذكر مرة أني ذهبت إلى منطقة "عيريم" في "القبيطة" مرافقا لبنت اخي "لولا" المريضة. قالوا بان مرضها شيطاني وان هناك في عيريم بالقبيطة شخص مشهور بمعالجة هذا النوع من الامراض هو السيد هاشم، وطلبوا مني تجهيز الحمار ومرافقتها في تلك الرحلة الطويلة التي بدت لي كما لو انها رحلة الى آخر الدنيا والى الطرف الآخر من العالم.

ولأن المنطقة بعيدة ولا يمكننا ان نذهب ونعود في نفس اليوم فقد كان علينا ان نبيت في بيت السيد.

اتذكر اني ليلتها ولخوفي من ان اتبول رفضت اشرب شاهي وعملت بنصيحة امي التي كثيرا ما كانت تنصحني بعدم شرب اي شيء قبل النوم.

لكن الذي حدث هو اني حين استيقظت في الصباح اكتشف بأني قد "نهلت جرة" (تعبير كانت امي تستخدمه معي باعتباري ابنها "البوّال"
كانت حين تتحس فراشي في الصباح وتجده في غاية البلل تقول:
"اليوم ابني البوّال نهل جرة").

يومها كنت شديد الخجل من نفسي، حتى لقد تمنيت لو تنشق الأرض وتبتلعني، وطوال مكوثي هناك كان يساورني شعور بأن الكل في بيت السيد هاشم يتحدث عني وعن فضيحتي المجلجلة لكن أكثر ما آلمني هو أن لولا المريضة بنت أخي راحت بعد عودتنا للقرية تقول لأمي واخواتي ولكل من يسألها عن الرحلة بأني تبولت في بيت السيد
وكنت أنا اشتمها وأبكي.

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك