مقالات


الثلاثاء - 20 أكتوبر 2020 - الساعة 11:34 ص

الكاتب: عبدالكريم الرازحي - ارشيف الكاتب



بعد أن أذاعت لولا بنت أخي خبر تبوّلي في بيت السيد هاشم. انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، وسمع به كل أهل القرية وجميع اترابي وأصدقاء طفولتي، أما جدتي، فعندما عرفت بأن حفيدها تبوّل في بيت الرجل المقدس ساورها شعور بالفزع. ولشدة خوفها من أن يحدث لي مكروه راحت تلقي باللوم على أبي وأمي كونهما ارسلاني إلى بيت السيد وهما يعرفان بعاهتي.

يومها قالت جدتي وهي متألمة من هبالة أمي بأنه ما دام قد أرسلتني إلى بيت السيد كان عليها أن تبعث معي هدية له وتطلب منه أن يشفيني من عاهة التبول بدلا من أن ترسلني لأكرع بولي في بيته الطاهر.

وكان السيد هاشم مشهوراً في قريتنا وفي قرى ناحية القبيطة بكراماته وبقدرته على شفاء الأمراض التي لا شفاء لها.

كان اسمه محاطا بهالة من القداسة حتى إن الناس من قريتنا، ومن جميع قرى الناحية، كانوا يقدسونه، ويلوذون به، ويفزعون إليه، ومنه ينتظرون الشفاء من امراضهم وعاهاتهم.

وكان يكفي من المريض أو من قريبه أن يتواصل معه روحيا ويطلب منه الشفاء حتى يُشفى.

وهذا ما فعلته جدتي، بعثت له بهدية، وتواصلت معه روحيا، وطلبت منه ان يشفيني ويمن عليّ بالشفاء.

وذات ليلة استدعتني وقالت لي بأني قد شُفيت بفضل كرامة السيد هاشم وطلبت مني ليلتها أن أنام عندها في المفرش لتثبت لي صحة كلامها.

وفي الصباح حين عرفت بأني تبوّلت بدت محرجة مني وكنت أنا محرجا أشد منها كوني فعلتها في بيتها.
لكن جدتي قالت تبرر ما حدث:
- الملعون قاسم ما وصلش الهدية للسيد، لو كان وصّلها كنت شتبكّر بخير.

وقاسم الذي ألقت جدتي اللوم عليه يملك حمارا ويقوم بدور ساعي البريد ينقل الرسائل والاخبار من قرية إلى أخرى، وكانت جدتي قد ارسلت معه الهدية للسيد هاشم وبالتأكيد كان قد اوصلها اليه، لكن جدتي لا يمكن تعترف بهزيمتها أمامي أو بهزيمة السيد هاشم وعجزه وهو المشهور بكراماته العابرة للقرى، وبقدرته على ربط ماهو اعظم من مثانة طفل.

ايامها كان خبر تبوّلي في بيت السيد قد اضرّ بي وكان يكفي ان اختلف مع واحد من اترابي اثناء اللعب حتى يُعيّرني بعاهتي ويُعيد ذكر فضيحتي:
-انت بوّال.. بلت في بيت السيد.
يقولها بطريقة توحي كما لو أني بلت في قبلة المسجد.

ومن حينها كنت ارفض النوم في اي بيت غير بيتنا
بعدئذٍ، وقد غادرت القرية إلى عدن ولشدة خوفي من ان اتبول اثناء النوم قاومت النوم ورفضت ان انام لكني من تعب السفر نمت نوما عميقا.

وفي اول صباح لي في مدينة عدن وقبل شروق الشمس استيقظت من النوم مفزوعا وازددت فزعا عندما رحت اتحسس كيس نومي "الخسِع".

ولشدة خوفي من ان تشرق شمس فضيحتي ويعرف بها الجميع، اخذت الكيس وجريت إلى سقف البيت، ومن سقف البيت رميت به إلى سقف الفرن.

يومها اخبر احد العمال رب العمل بان احدهم القى فوقهم وهم نيام بكيس بول.

ومع ان الكل في البيت عرفوا بأني تبولت في كيس نومي والقيته فوق العمال النائمين في سطح الفرن، الا انه لا احد منهم كلمني او سخر مني أو شهّر بي.

وفي المساء قال لي ابن العم ورب العمل بان علي ان انهض من نومي باكرا واصلي الفجر في المسجد.

ولاول مرة في حياتي قمت الفجر، وذهبت للصلاة في المسجد بسوق الحراج.

وبعد الصلاة، عدت للفرن، واعطوني عانتين قيمة شاهي وخمير اخذتها وذهبت مباشرة للمقهى طلبت واحد شاهي وحبة خمير لكني غادرت المقهى وانا اكثر جوعا وعندما عدت للفرن اعطوني سلة كبيرة وطلبوا مني ان اذهب مع احد عمال الفرن لجمع قوارير فاضية للبانيس.

وفي طريقنا لجمع القوارير من الساحة في الشارع المؤدي إلى مبنى البريد سألت العامل وانا اشير جهة مبنى ضخم:
-هل هذي السينما؟
ضحك العامل وقال لي:
-هذا بنك مش هو سينما
ولم اكن اعرف ماهو البنك
ثم سالته:
-اين السينما؟
قال لي وقد انزعج من سؤالي: السينما حرام لا تسأل عن المحرمات لو يعرف عمنا انك سألتنا عن السينما بايزعل مني وبايقول اننا اعلمك المخناثة.

وبعدها وصلنا للساحة ووجدنا الكثير من القوارير ولم تكن كلها فاضية.

ورايت العامل يفرح بالقوارير التي ما زال فيها بقايا وكان يسرع في التقاطها ويكرعها في بطنه قبل ان يضعها في سلته.

يومها لم اكن اعرف نوع تلك القوارير المختلفة الاشكال ولم يكن يهمني ان اعرف نوع ذلك المشروب المختلف الوانه الذي يكرعه في بطنه وكل ما كان يهمني معرفته هو السينما واين هي! وكيف شكلها! وما هو الذي فيها حتى يمنعوني منها ويحرّموا علي دخولها!!

وفي طريق عودتنا رايت العامل مبتهجا ومنتشيا على عكس ما كان عليه اثناء ذهابنا فقلت أسأله ثانية عن السينما علّه يجيب على سؤالي.

وحين سالته قال لي:

- السينما جنة الله
ووعد بأنه سوف يهديني إلى الجنة.


▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك