مقالات


الخميس - 22 أكتوبر 2020 - الساعة 10:39 م

الكاتب: عبدالكريم الرازحي - ارشيف الكاتب



بعد وصولي عدن بثلاثة ايام خرجت العصر من البيت، وقلت اتمشى شوية في سوق الطويل.. لكن السوق بما فيه من مظاهر اغراء، اغراني بالمشي، وبمواصلة التسكع. وبعد ان مشيت فيه ذهابا وايابا لعدة مرات واشبعت فضولي، حدثتني نفسي بأن أسأل عن مكان السينما، لكني لم أجرؤ أسأل الكبار، وانما رحت أسأل الأطفال، واغلب من سألتهم لم يكن لديهم علم بمكانها، وبعضهم لم يسمع بها، وثمة من كان يتعجب من سؤالي ويقول لي بان السينما للكبار، وليس للصغار، وعندما سمعني أحدهم وأنا أسأل طفلا عن السينما اقترب مني وقال وهو يقرص أذني:
- "انت بلا تربية ما فيش معك اهل يربموك".

وسال ابن من انا! واين اقيم! وطلب مني ان ادله على عنواني ليشكوني الى اهلي.

وعندها بكيت، وتجمع الناس، وكانوا يعرفونه، وعندما قال لهم بأني سألت عن السينما بدوا مندهشين ومستغربين، لكنهم حين عرفوا بأني جئت من القرية ولم يمض على وصولي الى عدن سوى ثلاثة ايام استغربوا اكثر وقالوا:
- بدل ما يسأل عن المسجد يسأل عن السينما!

وسالني أحدهم: ابن من أنا!

فقلت له: ابن ثابت حميد.

وسألوني: اين ساكن وفي اي شارع!

ولم اكن اعرف العنوان واسم الشارع لكني كنت قريبا من المكان وكان بمقدوري ان ادلهم لولا ان الرجل هدد بانه سوف يشكوني إلى أهلي.

وصادف ان ذلك الرجل الذي قبض عليّ متلبسا بالسؤال عن السينما هو نفسه امام وخطيب جامع "سوق الحراج".

بعدئذ وقد تشفع لي الناس عنده تركني امضي في حال سبيلي لكني مضيت ابعد مما يجب فكان ان تهتٰ وضعتُ، وضللتُ طريق العودة الى البيت، واختلطت علي الجهات، وتشابهت مداخل الشوارع فلم اعد اميز بينها وبين مدخل الشارع الذي خرجت منه.

وفيما رحت أخبط هنا وهناك أبصرت طفلا بعمري يمر من جنبي راكبا فوق آلةٍ من حديد لها عجل فرحت اجري خلفه وارقب حركته خوفا من ان يختفي ويغيب عن نظري
كان هو يسرع بتلك الآلة، وانا اجري خلفها لالحق بها لكنها كانت اسرع من حماري بعشر مرات وما كان بمقدوري ان الحق بها لولا ان راكبها توقف عند احد الدكاكين.

عندئذٍ وقد لحقت به، سالته وأنا الهث من شدة التعب:
- ايش هو هذا؟
قال لي وهو مشمئز من مظهري القروي:
- سيكل
قلت: هااا سيكل!!

وقلت بيني ونفسي: هذا هو السيكل الذي حذروني من ركوبه لكني في قرارة نفسي شعرت برغبة عارمة في ركوب هذه الدابة المصنوعة من الحديد التي تتفوق على حماري في سرعتها.

وشعرت لحظتها بفرح يغمرني وبفضول يغريني لطرح المزيد من الاسئلة لكن نظرات الولد المفعمة بالاشمئزاز كانت تصدني وكان وجهه اشبه بباب مغلق.

ولم اكن بالغبي حتى اعجز عن ادراك مدى تضايقه مني واشمئزازه فضلا عن احتقاره لي.

بل انه حين ابصرني أحملق في دراجته بفضول وامد يدي لالمسها شتمني وقال لي كلاما بالعدني لم افهم منه سوى كلمة واحدة "جبلي".

لحظتها شعرت بان ثمة جدارا عاليا وعازلا يقف بيني وبينه،
بين القرية التي جئت منها، وبين المدينة التي ينتمي اليها.
بين حماري، وبين دراجته.
بين مظهري القروي البائس، وبين مظهره المدني المترف
بين حضوري البليد، وبين حضوره الذكي والمدهش.
وبعد هذا الاحتكاك الذي تم صدفة في الشارع تنامى داخلي شعور بالعجز والنقص وصار لدي شبه يقين باني لو اشتبكت مع هذا الولد العدني الذي شتمني واحتقرني سوف يغلبني.

....يتبع

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك