مقالات


الأربعاء - 11 نوفمبر 2020 - الساعة 08:56 م

الكاتب: حسين الوادعي - ارشيف الكاتب



باخوس هو إله الخمر عند اليونان. إنه إله شعبي قدسه عامة الشعب نكاية بآلهة النخبة، وكانوا يحتفلون به بطريقه ماجنة في تحد لطريقة النخبة أداء طقوسهم الدينية.

كانت العامة في احتفالات باخوس ترتدي ملابس رثة أو ماجنة وأقنعه مضحكة أو مخيفة.

الاحتفالات الباخوسية اليونانية شكل قديم للصراع بين النخبة المتعلمة والعامة وخاصة في الأزمنة المتطرفة التي تلجأ فيها العامة لدوافع معينة إلى المبالغة في إبراز الصفات السلبية والعشوائية والبذيئة والاحتفاء بها باعتبارها الجوهر الحقيقي التلقائي والعفوي والأصيل للشعب!

هي احتجاج سلبي وعكسي عن عجز الشعب عن التغيير إلى الأفضل في لحظة تاريخية معينة.. لحظة يأس تجد العامة فيه نفسها مضطرة إلى الدفاع عن السلبي والبذيء وتقديسه لأنها غير قادرة على تغييره.

فإذا التصقت بك صفة سلبية وعجزت عن تغييرها وصار الآخرون يعايرونك بها فلا حل أمامك إلا الدفاع عنها باعتبارها ايجابية وليست سلبية..

يمارس اليمنيون الاحتفالات الباخوسية منذ فترة طويلة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت الانتشار الكاسح للإدمان الجمعي لمخدر القات.

وكانت الصدمة النرجسية لليمني أن الدول المحيطة به قد صنفت القات مخدرا محظورا وانهم تبعا لهذا التشريع قد اصبحوا في نظر الآخرين شعبا يعاني من إدمان جماعي.

وبدلا من اقتلاع المشكلة تبنى اليمنيون حكومة وشعبا استراتيجيه تحويل السلبيات الى ايجابيات والتفاخر بها.

حسب هذه الاستراتيجية... العشوائية هي تلقائية، والقذارة بساطة، والبذاءة لغة الشعب!

وإذا كان النبيذ هو المخدر الرسمي للاحتفالات الباخوسية اليونانية، فإن القات هو المخدر الرسمي للباخوسية اليمنية كطريقة أدمن اليمني تقديم نفسه للعالم بها منذ 50 عاما على الاقل!

كيف يقدم اليمني نفسه للعالم عبر السوشيال ميديا...
القات..
العشوائية،
المظهر الرث،
اليمن كمحمية طبيعية لم تطأها يد التغيير أو الحداثة،
السذاجة،
القبيلة والعرف القبلي،
السلاح،
والخلاصة... اليمني كشخص بدائي لكنه لطيف وطيب القلب..

جاء عصر "المؤثرين" عبر السوشيال ميديا لينقل الباخوسية اليمنية إلى كل مكان في العالم وليتعرف العرب والعالم على اليمنيين من خلال ممثلي الباخوسية اليمنية: آلاف اليمنيين المتفاخرين بوجوههم المنفوخة بمخدر القات يوميا، تمباكي، المومري، السمه... وغيرهم الكثير.

الاحتفال الباخوسي اليمني الطويل الذي يتفاخر بالسلبيات ويحولها الى ايجابيات لن يلبث ان يتحول إلى حالة انتحار ذاتي...

قرأت قبل فترة أن القرود في إحدى مناطق افريقيا قد بدأت الدخول في "العصر الحجري"، أي انها بدأت استخدام الأدوات الحجرية التي استخدمتها الإنسان قبل آلاف السنين ومكنته من تسيد الأرض...

هل يشكل هذا تحذيراً لأصل العرب وموطن الشهامة والمروءة والمحمية الطبيعية ضد كل ما هو حديث وإيجابي؟!

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك