مقالات


الجمعة - 20 نوفمبر 2020 - الساعة 12:48 م

الكاتب: حسن العديني - ارشيف الكاتب



لا أدري إن كانت هناك مراكز أبحاث استقصت بدقة أرقام ضحايا وتكاليف الحروب التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. الأرقام مهولة حين يشمل الإحصاء كافة أنواع الحروب، بما فيها كفاح حركات التحرر الوطني، والحروب الأهلية، وحملات الإبادة للجماعات العرقية والدينية. 

أميل إلى أن عدد ضحايا هذه الحروب تجاوز ضحايا الحرب العالمية الأولى (حوالي 16 مليون إنسان)، لكن أكثر من ثلث هذا العدد ماتوا في: حرب التحرير الجزائرية (1,5 مليون)، والحرب العراقية الإيرانية (مليون)، وثلاثة ملايين قتلهم الخمير الحمر في كمبوديا.

 وعلى مر التاريخ، كانت وراء الحروب دوافع اقتصادية، منذ غارات القبائل البدائية على بعضها، بحثاً عن الماء والمرعى، حتى الحروب الحالية، ففي الطريق منذ القدم إلى اللحظة الراهنة، مثلت الرغبة في السيطرة على الثروات الطبيعية والمواقع الاستراتيجية الدافع القوي للحروب التي نشبت بين الدول والإمبراطوريات المتعاقبة، ولم تكن الأهداف النبيلة التي يرفعها الغزاة، سوى غلالات، لا تخفي الأطماع المادية، وأشهر الأدلة كانت الأهداف المعلنة دينياً، كالتي جاءت من أوروبا إلى شرق المتوسط، وهي اليوم أخلاقية تتلفع ببرقع الديمقراطية، ولا يعيب أن نعترف أن دوافع اقتصادية أضافت إلى الرغبة في نشر الدعوة عاملاً أجج حماس وتفاني خلفاء وأمراء وجنود في التوسع بالفتوحات. 

لكن بعض الحروب المقبلة ستكون واضحة الأهداف، وستشب حرائقها بلا حجب من الدين أو الأخلاق أو العقيدة، مثالها الحروب الكثيرة التي ستجرى فوق هذه الأرض، من أجل المياه، حيث قطرة الماء ستغدو غالية جداً كما يتوقع أهل العلم.

ذلك عن الحروب المعتادة عبر التاريخ، غير أنه خلال العقود الأربعة الأخيرة ألقت الحياة بنوع من الحروب غامضة الدوافع، أبطالها ضواري تنتمي للتنظيمات «الإسلامية» المنتشرة في شتى بقاع الأرض، وهي كلها إرهابية، كما تأكد من الأهداف والوقائع، أنه ليس فيها معتدل، كما تحاول دعايات بعض الدوائر الغربية التي تدعم وتساند هذه التنظيمات، وإن الدوافع الاقتصادية تظهر في حالات وتختفي في أخرى، ف«الإخوان المسلمون» على سبيل المثال استثمروا الحرب في ليبيا واليمن لتكديس أموال طائلة، وفي أفغانستان ولبنان تنغمس التنظيمات «الإسلامية» في تجارة الأفيون والمخدرات، ويضيفون في اليمن تجارة السلاح، وفي مصر جمعت الجماعة الإسلامية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بين الاغتيالات وأعمال التخريب وبين السطو على محال الذهب المملوكة لمسيحيين ونهب بضاعتهم باعتبارها ممتلكات كفار مباحة للمسلمين، وفي بعض المرات استخدم الجهاد لأغراض مادية ليس المال من بينها، فتزوج المجاهدون من الحسناوات في كوسوفو وسبوا الإيزيديات. 

أما الدوافع الدينية، فلا وجود لها في الواقع، لسبب بسيط هو أن القتل خارج ساحات الحروب عمل يضع صاحبه موضع الخسة، ويسيء بالتالي للعقيدة التي يدعي أنه يحملها، والحقيقة الجلية أن الإرهاب والأيديولوجية التي يستند إليها ويعبر عنها دهاقنة التنظيمات «الاسلامية» في المنابر والفضائيات ووسائل التواصل، أحدثت تأثيراً سلبياً، أحد صوره انتشار الإلحاد في العالم الاسلامي، وصورته الثانية نفور ذوي الديانات الأخرى من هذا الدين، وسعيهم إلى محاربته دفاعاً عن أنفسهم.

على أن الإرهاب لم يستثن المسلمين، بل لقد بدأ بهم، فلما كانت هذه التنظيمات على اختلاف مسمياتها قد أخرجت من أفغانستان، ذلك الخزان الذي صب فيه «الإخوان المسلمون» المقاتلين من كل أنحاء العالم الإسلامي، حيث كان «الإخوان المسلمون» من وضعوا البذرة الأولى في مصر في أربعينات القرن الماضي. 

والآن تدور طاحونة الإرهاب، ويسقط ضحاياها في بلاد المسلمين، من باكستان حتى مالي، وليست أوروبا وحدها ولا الولايات المتحدة هي المستهدف الوحيد من هذا الغول الأسود، لكن لماذا هذه الحرب؟ لماذا يذبح الناس بالسكاكين ويحرقون داخل الأقفاص ويدهسون بالسيارات أو تلقى عليهم القنابل في محطات المترو؟.. إن كل رصاصة وكل سكين وكل عمل من أعمال الموت هي طعنات في صدر الإسلام.

*جريدة الخليج