مقالات


الثلاثاء - 24 نوفمبر 2020 - الساعة 05:33 م

الكاتب: عبدالكريم الرازحي - ارشيف الكاتب



وصلنا الميدان وأخذني شباطة إلى المطعم وطلب عشاء لي وحدي، وعندما أحضر المباشر العشاء بدوت متردداً، فلأول مرة أرى طعاماً غريباً، وحين لاحظ ترددي قال لي:

- مالك ما تأكل!

سألته: مصلو ذا؟ زُرْمَةْوالا بُرعي؟

قال متهكما: الزُّرْمة والبُرعي في القرية عند امك
أنت في عدن، هذي فاصوليا أكل السلاطين.

وعندما مددتُ يدي وتناولت أول لقمة وطعمتها صدقت ما قاله شباطة بأنها أكل السلاطين. كان لها طعم وكانت قد خطفتني، ونقلتني من الواقع إلى الحلم، ومن العادي إلى الخارق. ومع أن السيارة كانت قد نقلت جسدي من القرية إلى عدن وعبرت بي المكان، إلا أن الفاصوليا التي تناولتها تلك الليلة عبرت بي الزمان ونقلتني من عصر القرية الى عصر المدينة ومعها انتقلت نفسيا ووجدانيا وانتقلت مشاعري من الضد الى الضد:
من الكراهية إلى الحب
من الرغبة في مغادرة عدن والعودة إلى القرية إلى الرغبة في البقاء وقلت لشباطة وأنا مستغرق في الأكل:
- عدن جنة
قال شباطة: عدن جهنم ونار الله الموقدة انتظر الحَمَى يدخل وانت با تشوف.

ولم أشأ ان اعارضه فلذت بالصمت وواصلت الاكل
وعندما لاحظ باني اجهزت على طبق الفاصوليا صاح مناديا المباشر:
-واحد فاصولية لحقة
ولم افهم ما هو المقصود بقوله "واحد فاصوليا لحقة"
ثم سالني:
- رحت بيت جدك علي اسماعيل؟

لكني لشدة استغراقي في تنظيف الطبق لم اسمعه
وسالني ثانية بنبرة عالية:
-رحت بيت جدك علي اسماعيل اولا؟
قلت: لا، وواصلت لحس بقايا صاص الفاصوليا في قاع الصحن ولحس اصابعي.
وصاح بي شباطة منزعجا:
- لاتلحّس، انت في عدن مش بالقرية والاكل مليان
قال لي ذلك وهو متنرفز من سلوكي الذي لفت انتباه الزبائن والمباشرين وسبب له الكثير من الاحراج
قلت له: نحنا بالقرية نخُط ونلحّس
قال: انت في عدن عدن ثاني والقريةثاني..هنا عيب واحد يلحّس

وعندما وضع المباشر صحن الفاصوليا اللحقة على الطاولة
لم اصدق عيني وقلت بيني ونفسي:
- عندنا في القرية لويكمل الاكل نقوم ولو نحناجياع اونا باين عليهم عندهم اكل كثير والواحد لو يكمل وعاده ماشبعش يغرفوا له ومايقوم الاوهو شبعان
وبعد ان كنت في الطبق الاول آكل بسرعة وارمي باللقم الى معدتي مثلما ترمي امي بقطع الحطب الى المافي"التنور"
رحت في الطبق "اللحقة" آكل على مهلي وبدون عجل مثل اهل عدن واسترجع تجربة ضياعي وكيف ان ربنا لوماشافنا ضعت رحمنا وارسل الي شباطة ينقذنا
وفيما كانت الفاصوليا ترفعني عاليا وترفع معنوياتي للسماء
دخل سائق السيارة اللاندروفر الذي ركبت معه من الراهدة الى عدن هوومساعده "الجُرِشْبِل "وجلسا في الطاولة على يميننا
وعندما شاهدني "الجرشبل" قال يكلم شباطة:
- ايش يوقع لك هذا الولد؟
- من القرية - رد شباطة -
ثم سال "الجرشبل" عني ومن اين يعرفنا!
قال: هذا ركب معانا من الراهدة بس وسّخ لنا السيارة وعمل لنا مشكلة مع الركاب من اول ماتحركنا من الراهدة وهو عوع عوع يمشي ويطرش لافوق السيارة ولافوق الركاب ولاتوقف
قال له شباطة بان اي شخص يركب السيارة لاول مرة لابد مايصاب بالغثيان ويفعل نفس مافعلته
قال: صحيح بس هذا زيّد بها كان يطرش فوق الركاب ويسب لهم
وبعد كلام الجرشبل التفت شباطة الي التفاتة غير طبيعية
وعندها حنبت اللقمة في حلقي واشترغت
وبسرعة صب شباطة ملء كأس ماء وقدمه لي لاشرب وبعد ان نزلت اللقمة من حلقي الى معدتي
قلت ل شباطة والدموع في عيوني من اثر الشرغة:

- كذاب ياشباطة ماتصدقوش انا كنت اطرش لاخارج السيارة والريح ترجِّع الطرش حقي لافوق الركاب وهم يسبُّوا لي وبعدما سبوا لي سبيت لهم
قال السائق: لواناداري ماكنت ركّبته.. مش على الطرش.. الطرش سهل..كلهم يطرشوا كبار وزغار لكن على المشاوير اول ماوصلنا عدن الركاب نزلوا من فوق السيارة وهو جالس قال اخوته بايجوا يستقبلوه ومرت ساعة ولااحد ظهر المهم حنبت به وقلت حرام ارجم به في الشارع
كنت اساله اين هم اخوتك؟اين هم اهلك؟ اين ساكنين؟ وهو مش داري جدته جابت له حق السيارة وقالت له اخوتك شستقبلوك وهو صدقها
والتعب والخسارة علي انا طفت به عدن كلها ومريت على الافرام فرم بعد فرم اسال عن سيف اخوه وكلهم يقولوا: من هو سيف هذا؟ واين يشتغل؟ ولو مانسأله ونقول له:
-اين يشتغل اخوك سيف؟ يقول: بالفرم
نقول له: اين مكان الفرم؟
يقول: بعدن وعدن فيها عشرات الافرام
بالله عليك ايش من ناس هولا يخلو واحد جاهل ينزل عدن وحده!!
كان السواق زعلان والجرشبل زعلان وشباطة زعلان ليش نزلت وحدي وصاح فوقي
-كيف تنزل عدن وحدك؟
قلت: وايش فيها انا اسرح للراهدة بعد الحمار وحدي وارجع من الراهدة وحدي
قال وقد اثاره كلامي: انت حمار ماتفهم هذي عدن مش هي الراهدة والله لايشلوك عيال الحرام ويودموك لاحقات يخنثوك ويرجموا بك بالساحل ولااحدا بايدري
ولوعيال الحرام سيبوك ونجيت منهم بايخطفوك الجبرت انت داري ان الجبرت يخطفوا الجهال ويشلوهم لاجزيرة وسط البحر يصنعوا من دمهم جنيهات ذهب.
وعندها لاحظ شباطة وجهي وقد امتقع واصفر وصار بلون الذهب من شدة الرعب.

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك