مدى الثقافي/ خاص/ علي عبدالله العجري:
قرن كامل، تقريباً، منذ صدور (فتاة قاروت) كأول رواية يمنية وحتى الرواية الصادرة قبل أسابيع.
مدة زمنية مر فيها السرد الروائي اليمني بعدة أطوار: نشأة، تعثُّراً، استقامة، تطوراً نضوجاً.
وتحوَّلت الرواية من وافد غريب على البيئة الثقافية والفكرية اليمنية في عشرينيات القرن الماضي، إلى كيان يمني ثابت يتجذَّر ويتفرع. لاسيما منذ عقد التسعينيات، وهي المرحلة المفصلية في تطور الرواية اليمنية على مستوى التكنيك والهموم والموضوعات. وفي اتساع رقعتها وتعدد مبدعيها وفي مشاركة المرأة في صناعتها. ويتزايد الاهتمام بهذا الفن السردي، مع مرور الأيام. مما جعل البعض يذهب إلى القول إن الرواية اليمنية زاحمت الشعر في موطنه ولا يستبعد أن تحل محله مستقبلاً.
مثل هذا القول قد يكون صدى للجدل المُثار عربياً في الوقت الراهن.. هل الزمن، زمن السرد أم أن الشعر لا يزال ديوان العرب الخالد والمتجدِّد؟ هناك من ينحاز إلى الرواية وهناك من يدافع عن الشعر بشراسة.
الدكتور عبد العزيز المقالح وضع مقاربة ترضي الطرفين في صفحته على الفيس بوك: "...عندما نحِنُّ إلى التعبير الجميل الراقص والمفعم بالموسيقى نذهبُ إلى الشعر، وعندما نريد أن نعرف الواقع بكل تفاصيله اليومية نعمدُ إلى الرواية. لا خلافَ إذاً بين هذين الفنّين."
لكن ما يهمنا في هذا التناول هو الحاضنة اليمنية بالدرجة الأساسية، لا سيما بعد النجاحات السردية المتوالية للروائيين اليمنيين. كمّاً من حيث الزيادة المطردة في الإصدارات الروائية وانضمام كُتّاب جدد لهذا الفن. ونوعاً من حيث الإتقان والمنافسة عربياً وعالمياً، وحصد الجوائز المهمة.
وعليه نتساءل: ما موقع الرواية في الخارطة الإبداعية اليمنية، هل توطنت يمنياً أم أن اليمن موطن الشعر بلا منافس؟ ونترك الإجابة لعدد من الروائيين والكُتاب والشعراء:
الرواية اليمنية امتداد للرواية العربية
الروائي صالح باعامر:
يقيناً أن الرواية العربية ثبتت أقدامها في البلاد العربية وقد بدأ هذا التثبت فيما كتبه نجيب محفوظ في ثلاثية: (السكرية، بين القصرين، قصر الشوق) واعتنائه بالمدينة القاهرة (القاهرة الجديدة) (اللص والكلاب) (أولاد حارتنا) (الحرافيش.)... الخ.
وجمال الغيطاني (تجلياته) والطيب صالح (بندر شاه) (مريود،) (موسم الهجرة إلى الشمال).
ولا ننسى الكاتب السوري حنا مينة، الذي اعتنى بالفضاء البحري بذلك هو انزاح عن الفضاء الذي كان سائداً في الرواية العربية 1906م الذي تمحور حول فضاء اليابسة. فالشعر العربي والسرد لم يعتن بالفضاء البحري رغم أن العرب يطلون على ثلاثة بحور: بحر العرب، والبحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، من خلال هذه البحور امتزجت نشاطات تجارية وثقافية وانتشرت الأفكار والديانات.
الرواية اليمنية بدأت في عشرينيات القرن الماضي الميلادي.. (فتاة قاروت) لأحمد السقاف وما تلاها في الثلاثينات حيث ظهرت فيها الرواية العدنية (يوميات مبرشت) للطيب أرسلان... وغيرها.
وقد تأثرت الرواية اليمنية بما اختطته الرواية في الوطن العربي، لكن النقلة الفنية كانت على يد الروائي، القصاص محمد عبد الولي (يموتون غرباء) -يذكرك بأجواء الطيب صالح- ثم تأتي (الرهينة) لزيد مطيع دماج التي جمعت بين السيرية والروائية.
واليوم نلاحظ أن الرواية اليمنية قد اعتنت بما أضيف للسرد الروائي عربياً وعالمياً من تقنيات شكلاً وموضوعاً. مما أفاد نمو السرد الروائي والقصصي. ونجد أن كثيراً من الروايات اليمنية التي ظهرت في تسعينيات ق 20 م تتماهى مع الرواية العربية ونالت العديد من الجوائز عربياً ودولياً.
وأتنبأ للرواية اليمنية شأناً كبيراً فنياً وتقنياً وفكرياً إذا ما ظلت رياح الحرية تهب.
التوطين كلمة كبيرة
الروائي عبدالله عباس الارياني:
توطنت كلمة كبيرة فهي تعني بأنها قد انتشرت في كل الوطن وذلك ما لم يحدث؛ الرواية اليمنية يقرأها عدد محدود في المدن الرئيسية؛ وعليك أن تسأل أول مكتبة مشهورة تصادفك في أي مدينة رئيسية من مدن اليمن: كم بعت من روايات لفلان من الكُتّاب المهمين؟ اليمن ما زالت موطن الشعر الشعبي بوجه خاص لتفشي الأمية وكون اليمن أغلبه قبائل لم تحظَ بالتعليم الكافي، والسبب معروف لكل قارئ لبيب...!
في اليمن الشعر سلوك حياة
الروائي الغربي عمران:
لا يزال الشعر.. وإن أخذ السّرد مساحة وحيزاً خلال السنوات الماضية.. إلا أن الشعر يظل سماء العالم وبحاره وفي اليمن الشعر سلوك وحياة.
ثورة روائية
الروائي وليد دماج:
أعتقد أن اليمن تمر الآن بما يشبه الثورة الروائية، إذ ظهرت الكثير من الأعمال والأقلام الروائية الجديدة، بالإضافة إلى بروز بعض الروائيين اليمنيين على المستوى العربي. لقد تراكمت أعمال روائية يمنية خلال العقد الأخير بحيث يمكننا أن نقول بأن هنالك تجربة روائية جادة سواءً من حيث الكم أو النوع.
لن نقول إن الرواية تمكنت إلى الآن من إزاحة الشعر، ولكن في حال استمرت الرواية بالانتشار بهذا الشكل، واستمر تحول الكثير من الشعراء لكتابة الرواية، فهي في طريقها لذلك. لقد ضاق الحال بالأديب اليمني ولم يعد يكفيه الاختزال للتعبير، بل صارت حاجته أوسع، وليس سوى الرواية من تحقق له ذلك.
الرواية صارت مستوطنة
الروائي بسام شمس الدين:
بخصوص توطن الرواية، يلاحظ أن عدد الروايات في تزايد مستمر، وأن أسماء روائيين جدد ينضمون كل عام إلى المشهد السردي، حتى إن هناك شعراء اتجهوا إلى الرواية، وحققوا حضوراً لافتاً، الرواية في حقيقية الأمر صارت مستوطنة وبقوة في المشهد الأدبي ليس في اليمن وحسب، بل في كل البلدان، أظن هذا بسبب تعبيرها عن كثافة الغم الذي يثقل كاهل هذا العصر، والذي لا تستطيع قصيدة أن تعبر عنه.
الرواية تحتاج نفس طويل والشعر ديوان العرب
الروائي رستم عبدالله:
ظل الشعر ردحاً من الزمن ديوان العرب، وهو المتسيّد في المشهد الثقافي العربي واليمني على وجه الخصوص؛ نظراً لمجالاته الواسعة: الشعبي، التفعيلة، المقفى، الهايكو والذي جعل شريحة واسعة من الشباب والصبايا تتشربه بالفطرة القائمة على الموهبة، وكذلك انتشاره الواسع وسهولة الحصول على الأبيات والقصائد التي غذت وجدان الشعراء، وشكّلت وصقلت موهبتهم، حيث تجده في: المناهج الدراسية، الصحف، المجلات، وسائل تواصل، لوحات المدرسة ومجلاتها، عبر السماع.. هذا جعل الشعر يضع بصمته في مواهب وإبداعات الكثيرين في حين الرواية تتطلب نفَسَاً طويلاً وصبراً وأناة وتوفر للروايات والإصدارات الحديثة منها التي تجعل التشبُّع بها والعشق والتأثر والمحاكاة صعبة المنال نوعاً ما، وتجدها في المراحل المتأخرة من عمر المبدعين.
الرواية اليمنية تنافس محلياً وعربياً
الشاعر محمد سلطان اليوسفي:
في الآونة الأخيرة شهد المجال السردي والروائي على وجه الخصوص، ظهور الكثير من كُتّاب الرواية في اليمن، والكثير من العناوين الروائية، وكل يوم نطالع عناوينَ جديدة.. والرواية اليمنية تنافس سواءً على المستوى المحلي أو العربي، إلا أن الإنتاج الروائي اليمني مقارنة بالإنتاج الشعري يظل قليلاً.