مدى الثقافي/ حسام معروف/ إرم نيوز:
تقدم المخرجة الأسترالية كيم فارانت، حبكة شديدة الغموض والتقلب، خلال أحداث فيلم الجريمة والدراما ”The weekend away“، المنتج من قبل شركة ”نتفليكس“ لعام 2022.
وتتمركز أحداث الفيلم حول المرأة الأمريكية بيث، وتجسدها لايتون ميستر التي تخرج في رحلة بعيدة نحو كرواتيا، لملاقاة صديقتها المقربة كيت، وتجسدها كريستينا أولف لقضاء وقت، يخرجها من رتابة متطلبات العائلة وملل علاقتها غير المفهومة مع زوجها روب، لوك نوريس.
رحلة داخل رحلة
وبناءً على وعد صديقتها برحلة غير متوقعة، تكون الليلة الأولى بلقاء رجلين، يسرقان مقتنيات بائعات الهوى، ويعتادان على لقاء الفتيات، لكن الليلة تنتهي بفقدان كيت؛ لتبدأ رحلة أخرى، يمكن وصفها بالدرامية المحزنة، والغامضة، في البحث عن الصبية المفقودة، واكتشاف ملابسات الاختفاء.
وخلال الشبكة الدرامية، يمكن الالتفات إلى ذكاء المخرجة كيم فارانت، في الإبقاء على توتر الأحداث حتى اللحظة الأخيرة من العرض، بالإضافة إلى قدرتها على صناعة حبكة متقلبة، تحفز إفراز الأدرينالين أكثر من مرة داخل جسد المشاهد، لتتعدد الأحداث والرموز الغامضة خلال سياق العرض.
شخصية عربية
وتحقق الغموض الأول بظهور اللاجئ العربي السوري، زين، ويجسده الممثل الفلسطيني زياد بكري العاطفي، وهو سائق الأجرة الذي رافق الفتاتين في بداية الرحلة، وبعد فقدان كيت، تطوع لمساعدة بيث في البحث عنها.
ويحمل زين الشخصية الحزينة النقية، ملامح الوجه العربي، والطباع العربية، في محاولة مساعدة الغير، والتعرض للمخاطر.
وعلى الرغم من قدرته الابتعاد على الحادثة بكليتها، إلا أنه تمسك بدعوة بيث الضعيفة، وأقدم مخاطرًا بحياته، واستقراره في أوكرانيا، دون أي فائدة منتظرة.
حرب سوريا
ويفتح الفيلم نافذة على خوف اللاجئ العربي المستمر من الطرد في البلاد الغربية، ويتعمق قليلًا في دافع هجرة السوريين إلى أوروبا.
زين هرب من جراحه في سوريا، بعدما فقد الأمان، وفقد زوجته الطبيبة، خلال انفجار قرب عيادتها.
وتظهر الكاميرا ملامح الصدمة التي اعترت وجه بيث خلال سماعها بوح زين السوري.
وبعد تأكد مقتل كيت، حملت رحلة البحث عن المجرم، احتمالات متعددة، وبأسلوبية التقلّب والتمويه، حافظت المخرجة على سر الحبكة الدرامية، وأبعدت لحظة الكشف عن القاتل الحقيقي طيلة 89 دقيقة من الغموض والتشويق والحيرة.
ماض من التحرش
ووضعت الكاتبة سارة ألدرسون غموضًا آخر حول الشرطي بافيتش، ويجسده الكرواتي عمار بوكيفتش، فشخصيته تحمل ماضيًا مع التحرش واغتصاب السجينات، مما استدعى نقله لمباحث السياحة.
وفي وقت ما من التأطير الدرامي، تضعه المخرجة كاحتمال قوي كونه القاتل، خاصة بعد إظهاره في كاميرات التصوير السرية، ناقلًا لكيت بعد تقديمها بلاغًا ضد الرجلين السارقين.
تجسس
والغموض الأخير في بناء شخصيات ألدرسون، كان مالك بيت التأجير، سباستيان، الذي احتضن الفتاتين خلال فترة الحادثة، وقدمه السيناريو على أنه ملحن موسيقي، لكن الجانب الخفي من شخصيته، ظهر في تجسسه على الرجال والنساء المقيمين في الغرف المؤجرة، وتصويرهم في أوضاع حميمية.
لكن أدوات رغبته هذه، كان السر في مراوغة السيناريو للمشاهدين، بشكل أكبر، من خلال التقاط مشاهد للشرطي مع كيت، وقد أبدت انزعاجها منه وقت نزولها من مركبته.
حبكة متقلبة
ويقدم الفيلم دراما موجية، تحمل التقلبات المستمرة، ويتشبع بأدوات الغموض والتعقيد، فالمشاهدون أمام شخصيات محددة، ظهرت في الكوادر، وجميعهم يحمل هواجس درامية، وطباع غامضة، قد تجعل أي منهم مثار الشك.
هذا التشبيك الدرامي الذكي، استمر في حفاظه على الأسئلة والتحليلات، بطرح الاحتمالات المقنعة، ومحاورة عقل المشاهد، لكنه يأتي في كل مرة بالنفي، وبنفس قدرة الإقناع، وهو ما أسس لمتانة الخدعة الدرامية السينمائية، وزاد من وهجها.
انكشاف وهمي
وفي وقت ما، وصل الفيلم لنقطة انكشاف وهمي الحبكة، وتحديد القاتل، والذي أكدته دلائل المقاطع المصورة، وأغلق ملف القضية باعتبار الشرطي بافيتش هو المجرم، والذي لقي مصرعه خلال مطاردته بيث.
لكن المخرجة كانت تعد لمفاجأة أكبر، تعلقت بخيانة روب زوج بيث لها مع صديقتها، وعن طريق الصدفة تتأكد الشكوك حوله، من خلال خرزة العقد المقطوع المتواجدة في جيبه، والذي سبق أن أهدته بيث لصديقتها كيث، بداية الرحلة، ليتغير وجه الحقيقة في المشهد الأخير للعرض.
ثقة عمياء
ويقدم الفيلم من خلال شخصية بيث، إشكالية الثقة العمياء في الأشخاص، فهي بنقائها تعتمد صدق من حولها، لكنها تعرضت للخيانة من زوجها، وصديقتها، في نهاية المطاف.
ويثير الفيلم جانبًا من الثقافة العربية، بطرح زين للجملة العربية ”قلبك دليلك“ خلال حواره مع بيث، لمساعدتها في اكتشاف من حولها.
قلبك دليلك
زين الشخصية العربية تحمل رمزية لأفكار الغرب حول العرب، والبروباغاندا الغربية حول العربي الإرهابي، إذ تم تقديم زين خلال السرد الدرامي للفيلم، كمتهم بالتواطئ مع عصابة ألبانية لسرقة الأعضاء البشرية، وهو ما وضعه من قبل المحققين، تحت طائلة الاتهام، لكن السيناريو أنصف العربي أخيرًا في تتابع مجريات الأحداث.
أداء الممثلين
وفي الجانب التمثيلي، قدمت لايتون ميستر إيماءات متنوعة ما بين الخوف والثقة والراحة والصدمة والضعف، خلال أدائها المشاهد، مدللة على ثقة في موهبتها التمثيلية.
كما ظهر زياد بكري، بملامحه الهادئة، متمكنًا من دوره الغامض، وشخصيته النقية، وساهم هذا الهدوء في خدمة مراوغة السيناريو، بوضع نفسه مثار الشك في الكثير من الحوارات.
واستطاع دون مبالغة أو تكلف في الأداء، نقل الرواية العربية حول المأساة الإنسانية التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط مع الحروب، من خلال كلمات قليلة.